عباءة القراءة

Comments 0

مرحبًا مرة أخرى عزيزي القارئ، لا تقلق فهذة المرة لن أقوم بخداعك كالمرة السابقة، فنحن هذة المرة أمام “معضلة فكرية” تخصني نوعًا ما، أو دعنا لا نعطيها كل تلك الفخامة في المعنى و لنسمها باستنكار فكري أو نبذ مجتمعي عام، مهلًا هل قمت بتضخيم الأمور مرة أخرى؟ حسنًا ربما هي عادة أتمنى أن نتخلص منها جميعًا، فربما هو أمر نفعله في بعض الأحيان دون أن ندري، ولنر هل ستتفق معي أم لا، فأنا كذلك لا أعلم إمكانية وصولنا لاتفاق في القادم من الكلمات، و الآن دعنا نبدأ!

ما رأيك في القراءة ؟ ربما قد يكون سؤالًا ساذجًا نوعا ما، ولكن لنجعله أكثر أهمية، ما رأيك فيما تفعله بنا القراءة؟ و سؤالي ليس عن قراءة الكتب الفكرية او المقالات ذات أهمية كمقالنا هذا و لكن ما أعنيه هنا هو الفعل اليومي المعتاد من القراءة بالإضافة للكتابات الشخصية على المنصات الاجتماعية أو قراءة الأخبار البسيطة أو الفاجعة كالتي نعايشها اليوم، أتمنى أن أكون جذبت جزءً من انتباهك الآن.

في الحقيقة أنا لا استنكر القراءة فاستنكاري لها فعل مشين، بل استنكر مردودها العاطفي والنفسي على ما تفعله الأحداث واليوميات العامة التي قد لا يخصنا جزء منها من حين إلي آخر، فقد نتفاعل وتُشحن نفسياتنا علي حدث عارض لأحدهم و قد لا نعرف صاحب الشأن، و أنا أيضًا لا أدعو للتبلد الحسي ناحية الآخرين فهذا ينزع انسانيتك شيئًا فشيئًا، و لنجعل الأمر أكثر تدقيقًا، أنا أتحدث عن النصائح التي يطلقها عموم الناس على العامة لمجرد التعبير بالرأي عن وجهة نظره و يحاول مهاجمة بعض معتقداتك التي نشأت عليها وهو لسوء الحظ لا يكتفي بهذا بل يبدأ في نبذك أو محاولة إظهار مدى السوء الذي حاوطت و مازلت تحاوط به نفسك، ولسوء حظك أن استللت قلمك و بدأت في الرد عليه لن يهتم هو لرأيك فالبعض لا يعرض آراءه للمناقشة وإنما للتعبير عن وجهات نظرهم وأنت لست مطالب بتصحيح مفاهيمه فالنقاشات التي تنطلق من هذه النقاط غالبا ما تنتهي بحائط خرساني يُجرح فيه أقلكما صبرًا و أسرعكما اسطاشة للغضب أولًا.

ولنناقش الامر قليلًا مع النفس، أنت لست مطالب بتغيير مفاهيم عموم الناس فنحن نعيش في عالم به مليارات الأشخاص، و لن ننتهي إذا حاولت أن توصل الجميع لنفس المنطلق الفكري الذي تعيش عليه، فلا نعلم أيكما على صواب و أيكما خطأ، فانت لا تدري في أي عام فكري وصل صاحب الرأي، وفي أي عام تقف أنت، و في الواقع انا أحادث نفسي معكم علّي وعلْكُم نتعظ سويا من ترتيب نقاشات افكارنا إن كنا تطرقنا لها بهذا الشكل من قبل، فقد يعرض البعض رأيه في صورة غربية فزّة تعارض ما نشأت عليه من تربية و تعاليم، و قد يعرض البعض بعض النقاشات الحادة التي لسنا على دراية كافية بالنقاشات السابقة الدائرة حولها، وهذا قد يوصلكم إلى التفكر أكثر والاستزادة المعرفية إن كنت من محبي المطالعة في العموم وهو أمر محمود و المرجو من الجدال عمومًا، أو يحقنك هذا فكريا و يدعك لأفكارك و أكثرها سوءًا الشيطانية منها، وهنا تكمن المشكلة في النقاشات الجدلية، أنك قد تتناقش مع أحدهم بدون وجود أرض صلبة تنطلقا منها سويًا فيزيدك و تزيده فكريًا، أو انكما قد تصلان باختلاف ارتفاع قواعدكما الفكرية لنفس الحائط الخرساني المذكور أعلاه .

أتمني ألا يتبادر إلى خاطرك أني أدعوا للصمت الفكري وكتم آرائك و معارفك، بل أنشر على قدر ما تستطيع النشر طالما تمتلك من المعرفية ما يخولك لتعرض فكرة أو رأي بالأسباب والفرضيات و المعطيات الكافية ولتكن عندك القدرة  لتصل إلى العامة ما هي مرجعيتك؟ وما قاعدتك الصلبة التي انطلقت منها؟ لا تكن هوائي الفكر رخوي المرجعية، استزد للحد الذي تظنه أنه يخولك أن تعرض أفكارك وإن هاجمك أحدهم فلا تأخذ الأمر على كرامتك، بل سله عن أرضه الصلبة  وأسباب وصوله هنا علكما تصلان إلى نهر جاري يزيدكما من معرفته.

ولا أخص فقط العاميات ولكن قد يمس ما أناقشه ما يحدث من تبني معتقدات وأفكار لكتّاب كبار ودفاع البعض عنها باستماتة وأنت لا تعرف عن أي بيئة نشأ فيها ولا المعتقدات التي تأصلت فيه وما التجارب التي أوصلته إلى هذا النقطة من الأفكار بل وقد تؤثر الحالة المزاجية اللحظية علي حالة الكاتب في سرد رأيه وإن تخللت فترة الكتابة فترة زمنية طويلة ومتقطعة.

ورؤيتي للأشخاص عمومَا تندرج في الطرق المسلوكة وكل المنحنيات ومفترقات الطرق التي خاضها، فلنفرض مثلًا مربع مقسم إلى تسع أجزاء وأنت في الأسفل على الطرف الأيمن وتريد أن تصل إلى الحرف الرأسي، هل بإمكانك إخباري كم طريق يمكنني أن أسألك ؟ حسنًا ربما تتحاذق وتبدأ في الحساب ولنخرج من قالب الحسابات لنجعلهم مقسمين إلى ألف قسم، ربما ستختار أسهل الطرق كونك سُيرت لك السبل أن تُهدي إليه وربما تجبر الحياة البعض الآخر على سلوك طرق وعرة لا تعلم ماذا يوجد بها و أي عوائق قد قابل، و أي أفكار ترسخت به لتجبره على سلك تلك المنعطفات.

دعوتي هنا ليست في نبذ القراءة بتاتًا ولكن ما ينتج عنها فيما بعد فربما تتفاجئ من انقلاب مزاجك العام دون درايتك عن السبب ومع بعض الاستذكار لتَتابع الأحداث، تجد أنه مرت عليك بعض الجمل التي عكرت صفوك، أنا أدعم القراءة في الوجه العام لها، فالقراءة تكسبك الخبرات والمواقف والمعرفية التي ربما لن تختبرها بنفسك ولكنك عشتها بين كلمات وسطور تلك الكتب ويجب عليك أن تعي أنه ليس كل ما يكتب صواب أو كل ما يتداول من فئات بعينها خطأ، الصواب المكتوب هو ما أنزل في الكتب السماوية ومكملاتها المعرفية ذات اتفاقات جمعية، وبامكانك اتخاذهم كمرجعية الصواب والخطأ، أما الباقي فبإمكانك تقبله أو عدمه ويجب عليك عدم فرض صوابه أو خطأه علي نفسك أو غيرك، اعتمد على ما تشعر به أنت من قبوله أو عدمه ولا ينبغي عليك في معظم الأحيان المقاتلة من أجله.

و لتأكيد أيضًا دعمي للقراءة والجدال قد استشهد بمقولة “القراءة تصنع إنسانًا كاملًا، والمناقشة تصنع إنسانًا مستعدًا، والكتابة تصنع إنسانًا دقيقًا”  لـ(فرانسيس بيكون)

في النهاية عزيزي القاريء لك مني كل الحب والامتنان لوصولك هنا على أقله، يظل هذا مجرد رأي كسائره من الآراء ، يحمل الصواب ويحمل الخطأ، و دعوتي هنا أن ترفق بحالك وتحذر مما تقرأ من آراء فلا تعرف مردود أغلبه على حالتك النفسية وربما العقلية، وتأكد من مصداقية ما تقرأ، وأمت الباطل بالسكوت عنه، واحذر أكثر مما تكتب فكلانا يعرف البيت الذي قتل صاحبه.

انتهت

هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه ولا يعبر بالضروره عن رأي المنصة