تأملات في زمن الكورونا

يا صديقي، أنت تعيش في منزل بمنطقة في محافظة تابعة لدولة في قارة على كوكب الأرض، المتواجد ضمن المجموعة الشمسية وتظن أنك تسيطر على كل شيء حولك وتعرف كل شيء وتستطيع التنبؤ بكل ما هو قادم!!

أيام تاريخية وتضحيات

 هذه الأيام التي نعيشها الآن من الممكن أن تجعلك تتوقف لترى، هل أنت تسيطرعلى كل شيء؟ هل أنت تعرف كل شيء؟ الأحداث تتسارع والعالم بأجمعه يقف ويحاول أن يخرج من هذا الوباء بأقل الخسائر والغالبية يحاولون التنبؤ ووضع سيناريوهات لما هو قادم ولكنهم كلما وضعوا سيناريو وجدوا أنه لا يصلح وتحدث تطورات جديدة.

  حسنًا، أنا لا أريد أن أدخل معك في دوامة الأخبار وتفاصيل التوصل لمصل يشفي أو ما يحدث في إيطاليا وأمريكا وحالات الوفاة وغيرها من التفاصيل ولكني أريد أن أنبهك إلى وجودك في أيام تاريخية من عمر البشرية، عندما كنت أرى أي ذكر في التاريخ لتفشي أي وباء من الأوبئة مثل الكوليرا أو الطاعون أو الوصول لفترات القحط  كنت أفكر في من عاشوا وقتها وواجهوا هذه الأوبئة وحضروا اللحظات الأولى لانتشار الوباء ولحظات الخوف ولحظات الفقد وأيضًا لحظات الفرحة والنجاة من الوباء وذهابه بلا رجعة. ولم أكن أعتقد أننا سنعيش مثل هذه الأيام!

 حتى عندما كانت إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير منتشرة في مصروالعالم لم يكن الوضع هكذا، تُرى ماذا سيحكي التاريخ عن هذه الفترة من التاريخ البشري مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي وتدفق كل هذه المعلومات والأخبار؟ أعتقد أن تتبع ما حدث وإمساك خيوطه سيكون أكثر تشعبًا، وستتكاثر الأكاذيب والحكايات المغلوطة، ولكن سيتذكر العالم المواقف الرسمية للدول والإجراءات المعلنة من كل دولة لمواجهة الوباء، ونتمنى أن يتم ذكر معاناة الشعوب والتضحيات الكبيرة للأطباء وفرق التمريض وعمال النظافة في كل مستشفى في العالَم ولا يتم إهدار تضحياتهم بتكريم رؤسائهم فقط!

خريطة قوى العالم تتغير

لم تعد أمريكا منقذة الأرض كما في الأفلام التي تنتجها ولا هي من ستأخذ بيد جميع القوى الكبرى وتقودهم لمواجهة الوباء والوصول إلى مصل لا يستطيع الوصول إليه غير علماؤها، القوى العظمى أيضًا في العالم تترنح وأصبح لا طائل من سباق التسلح الذي كانت القوى العظمى تحب الدخول فيه وإشراك غالبية دول العالم بما فيهم دول العالم الثالث- إذا كنت تؤمن بوجود دول عالم أول وثاني- وأصبحت الكلمة العليا للعلم.

وأستطيع أن أؤكد لك بأن خريطة توزيع القوى العظمى في العالم بعد انحسار موجة الوباء ستتغير، واهتمامات القوى العظمى أيضًا ستتغير وإيمان شعوب الدول المحسوبة كونها من القوى العظمى في العالم بنفسها سيتزعزع، والخطابات الموجهة للشعوب ستتغير لغة خطابها!

الرأسمالية ووجها القبيح

 نستطيع أن نرى وجه الرأسمالية القبيح الآن في هذه الأزمة، والاهتمام بالأرباح مقابل أرواح العاملين وأهاليهم، نتفهم حرص كل رجل الأعمال على المكسب وعدم الخسارة بأي شكل من الأشكال ولكن هذه هي فترة إعلاء القيم الانسانية فوق المكاسب المادية أو هكذا أعتقد!

نرى في مصر تصريحات لبعض رجال الأعمال التي تتسم بالعدوانية تجاه من يريدون المحافظة على العاملين وعدم انتشار الوباء أكثر من خلال تجمعاتهم أثناء العمل في المصانع أوالشركات أو مواقع البناء.

سامحني يا صديقي

لن ادخلك في لغط التصريحات واللقاءات التليفزيونية لهؤلاء المنتفعين، ولكني أحاول فقط أن اذكرك بأن هذا وقت جيد لتقييم الأمور والمشاهدة لعل الذكرى تنفع المتأملين بعدما يذهب هذا الوباء بإذن الله، وخصوصًا أن هناك نماذج أخرى مشرفة؛ فنتذكر معًا المواقف بعد ذلك ونحاول أن نأخذ رد فعل قوي فيما بعد.

الشعوب تعيد اكتشاف نفسها

منذ إعلان منظمة الصحة العالمية بأن فيروس كورونا أصبح وباءً عالميًا، وتوقفت حركة الطيران وأصبحت المطارات مليئة بالطائرات حول العالم وتغيرت أمور كثيرة، فالشعوب أصبحت تنظر إلى نفسها بشكل مختلف وأصبحت ايضًا أغلب معتقداتهم على المحك، ونظرتهم إلى باقي الشعوب بالتالي اختلفت أيضًا وستختلف أكثر بعد انحسار هذه الموجة من الوباء، الجدران العازلة والأبراج العاجية التي كانت تقف فيها بعض الشعوب وتنظر على باقي شعوب العالم كل ذلك يتم هدمه الآن، وتظهر بعض ملامح النظر بعين التقارب الحضاري بين الشعوب.

العالم يتوقف إجباريًا ليعيد نظرته في الكثير من الأمور والأولويات، نأمل أن تتغير بشكل حقيقي وجاد أثناء وبعد الوباء.

مع تغير نظرات الشعوب لنفسها ولبعضها البعض لا نغفل أن طبائع الشعوب تتجه إلى التغيير ونظرة كل شعب إلى الحرية أيضًا بعد الإجبار على الجلوس في البيوت ستأخذ منحنى آخر؛ وسيصبح لزامًا على علماء الاجتماع دراسة كل هذه التغيرات التي من المعتقد أنها ستكون في نواحي مختلفة.

نخاف ونتخذ إجراءات الوقاية ونتضرع إلى الله ونقف لنتأمل ونتعلم من هذه المحنة، نحن نعيش في فترة عصيبة من التاريخ البشري ولكننا نحتاج إلى الأمل ونحتاج أن نؤمن بقوة أن الله قادر على إنهاء انتشار الوباء

نؤمن ونأخذ بالأسباب