الصراع الدائم بين الفصحى والعامية
للإطلاع على المقال على قناتنا على اليوتيوب:
أهذا الصراع خليق اليوم؟
أهذا الصراع ينمُّ عن كون أحد الطرفين أفضل من الآخر؟
هل دعاة العامية مرادهم تنحية الفصحى ودفنها؟
هل دعاة الفصحى متعالون على العامة من أبناء الشعب البسطاء؟
لكلٍ من الفصحى والعامية جيوش مستعدة للقتال من أجل إعلاء رايتها، فهذا الصراع الدائر بين الفصحى والعامية لهوٌ قديم قِدَم الفتوحات الإسلامية، فمن بداية فتح العرب لبلادٍ غير عربية بدأ هذا الصراع.
ففي عصر الدولة الأموية بدأ ظهور اللغة العامية في الكوفة والبصرة؛ لأنَّ سكانها كانوا مخالطين للفرس وغيرهم، فظهر جيل جديد من أبناء الجواري غير العرب يحمل بعض الألفاظ الجديدة على الفصحى،
أمَّا العصر العباسي فيُعَد عصر ازدهار اللغة العامية؛ ففي القرن الرابع الهجري تفشت العامية وجرت جنبًا إلى جنب هي والفصحى، بل وتميزت على نظيرتها لتعدد لهجاتها، فكان لكل إقليم إسلامي لهجته العامية الخاصة به.
إنَّ اللغات العامية في بلادنا ولدت بتزاوج اللغة العربية الفصحى مع لغات بلاد مختلفة، فدخل على العربية ألفاظ جديدة ليس لها معنى فيها، فلكل بلدٍ من متحدثي العربية العامية لغته الدارجة الخاصة به والتي تختلف كليًا عن الشعب الآخر؛ فعامية مصر غير عامية تونس واليمن وليبيا والمغرب.
ولا ننسى أنَّ للاحتلال أيضًا دوراً في سلب الهوية والتأثير على اللغة وروحها، فبمخالطة الناس للمحتلين ولغتهم اكتسبوا ألفاظًا دخيلة على لغتهم العربية مكونين لغةً جديدة دارجة تناسب وتواكب الحدث والزمن، فيعتقد بهذا روَّاد العامية أنَّها لغة مرنة غير جامدة بل لغة متطورة يسهل على متحدثيها تجديدها وجعلها مواكبة للأحداث.
إن الفصحى لغة ثرية بتعابيرها ومعانيها وكثرة ألفاظها، ولها محبوها ومريدوها، ويعتبر الفصحاء اللغة الفصحى جزءاَ لا يتجزأ عن الهوية العربية، ومن أبرز المناصرين للفصحى والمدافعين عنها: مصطفى صادق الرافعي، وله مع الداعين إلى العامية معارك كثيرة. ومن المناصرين للعامية أحمد لطفي السيد رئيس مجمع اللغة العربية في يوم من الأيام!
فكيف لرئيس مجمع اللغة العربية أن يدعو مثل دعوته للعامية؟
بدأ أحمد لطفي السيد دعوته للعامية بعدة مقالات في جريدة “الجريدة” في القاهرة مطلع القرن العشرين، حيث جمع هذه المقالات في كتاب تحت عنوان (تمصير اللغة).. أي أن لطفي السيد يهدف من وراء كتاباته إلى فصل اللغة العربية عن الأمة العربية بشكلٍ أو بآخر، فدعا إلى إدخال العديد من الكلمات الأجنبية في اللغة مثل (الأوتومبيل، البسكلتة، البنطلون والچاكتة…) وغيرها الكثير من الألفاظ الدخيلة على اللغة.
وجاء بعد لطفي السيد، سلامة موسى والذي قيل عنه: إن الفصحى لم تجد من يخاصمها في الربع الثاني من القرن العشرين مثل سلامة موسى!
حيث أنَّ منهجه جاء مكملًا للطفي السيد، فدعا إلى نبذ الفصحى واعتماد اللغة العامية كلغة رسمية للبلاد، وكل هذا بحجة أنَّ الفصحى صعبة وغير قادرة على التعبير عن الحضارات الحديثة للبلاد، ودعا موسى أيضًا إلى التوحيد بين لغة الكتابة ولغة الحديث ليصبح كلاهما بالعامية.
على النقيض كان للأستاذ “طه حسين” – أحد المحافظين على الفصحى- رأيٌ آخر: أن اللغة الفصحى هي الطريقة الوحيدة لتحقيق الوحدة بين الأمم العربية، فإذا كتبت بالفصحى فهمك العرب جميعًا من المحيط إلى الخليج، وإذا كتبت بالعامية لم يفهمك إلا عامة المصريين.
كما يرى الرافعي أنَّ تمصير اللغة هو أسرع طريق لفناء اللغة العربية ومحوها، (ويأتي اليوم لأن تكون اللغة العربية الفصحى شيئاً أثرياً!) – كما قال- وقال عن العامية ومدعيها: إن الذين يكتبون بالعامية لا يفعلون ذلك إلا لأنهم يجهلون الفصحى، ولو تَعَلَّموها وأحسنوا دراستها لما حوَّلوا عنها إلى العامية).
علينا استخلاص مبدأ دعاة الفصحى ودعاة العامية سريعًا.
مبدأ العاميين: التأليف بين المجتمع ولغته، حيث جعل اللغة ديمقراطية إذا شئنا أن نكون مجتمعًا ديمقراطيًا.
مبدأ الفصحاء: المحافظة على التراث العربي الإسلامي والهوية والوحدة العربية، باعتبار الفصحى لغة القرآن الكريم.
ففي وجهة نظرك أنت.. من انتصر الآن، العامية أم الفصحى؟ وهل أصبحت الفصحى شيئاً أثرياً؟