العمل التطوعي بين الشعور بالذنب والاعتراف بالجميل
ألفرد نوبل مؤسس جائزة نوبل المخترع السويدي الذي اخترع الديناميت عام 1867 ثم اوصى بعد ذلك بمعظم ثروته التي جناها من الاختراع الي جائزة نوبل التي سميت بأسمه “1” الذي كان يعتبر نفسه داعيا للسلام اراد ان يترك ارث طيب يذكر به عوضا عن اختراعه للديناميت الذى أدانه الكثيرون باعتباره آداه للموت جراء استخدامه في الحروب بدلا من استخدامه السلمي وبعد ان وصفته صحيفة فرنسية عام 1888 بلقب تاجر الموت “2”.
من الممكن ان يري البعض الجائزة هي تكفير للذنب الذى اقترفه نوبل باختراعه الذى ساهم في قتل الكثير من الابرياء ،شعور بالذنب منه اراد تجميله او خطأ حاول ان يكون جزء في اصلاحه كما كان السبب فيه وقد يرى البعض الاخر انها اعتراف منه بالجميل ، اعتراف منه بما جناه وحققه خلف هذا الاختراع فأراد ان يعطي له قدره حتى يذكره الاخرين ويستفيدوا منه كما فعل.
ان كان هذا هو الدافع وراء الجائزة او ذاك فإنه بلا شك له تأثير كبير علي المجتمع ولا يهم الدافع الحقيقي وراء فعل الخير او العمل التطوعي لأنه بلا شك دافعه الخير ومساعدة الاخرين ، فهذا مثال بسيط علي أثر العمل التطوعي وما يمكنه فعله علي مستوي العالم ليس المجتمع المحلي فقط.
العمل التطوعي له اشكاله المتفرعة في كافة المجالات والانواع وتسهم فيه كذلك العديد من المنظمات والحكومات والدول والافراد فكلما زاد العمل التطوعي وادركت قيمته الشعوب ارتقت الامم وتقدمت.
العمل التطوعي هو الجهد الذى يبذله اى انسان بلا مقابل لمجتمعه بدافع منه للاسهام في تقديم الرعاية الاجتماعية والمساعدة بدون اكراه او ضغط في سبيل خلق روح انسانية تعاونية بين افراد المجتمع الواحد ، عمل يقدم عليه الفرد دون التفكير في مقابل مادي له او عائد قد يكون نتيجة له ،كل ما يتمناه من هذا العمل هو ارضاء لله عز وجل وفعل الخير والمساهمة في تقدم المجتمع والعمل علي مساعدة الاخرين من يحتاجون للمساعدة ، فالمتطوع يسعى في فعله الى تقديم المساعدة دون انتظار طلبها حتي.
وللعمل التطوعي اشكاله العديدة وصورة الكثيرة التى تؤثر كثيرا في المجتمع فلا يقتصر علي المساعدة المادية وانما امتد ليشمل كافة انواع وطرق المساهمة التي يمكن للمرء ان يقدمها ، كمجهود ذهني قد يبذله شخص مع اخر والتى يقدمها الشباب مثل تعليم اللغات والعمل في دور الايتام ، وغيرها من المشاريع التى تحتاج للمجهود الذهني والبدني كذلك ،والتطوع في حالات الطوارئ كوقت حدوث الكوارث الطبيعية او الحروب أو إنتشار الأوبئة والأمراض التي قد تنتشر في البلاد وتمثل خطرا علي البشرية بأجمعها وقت تحتاج فيه الدول والشعوب المتطوعين اشد الإحتياج ليس لإنقاذ افراد فقط بل لإنقاذ أمم قد تصل بها الظروف الى الإستغاثة وطلب المساعدة ،هنا تتجلي صورة التطوع بأبهى صورها في الإنسانية وتقديم يد العون، وأيضا كالبرنامج الوطني التطوعي لحالات الطوارئ والأزمات والكوارث (NCEMA)الذي اطلقته دولة الإمارات من قبل الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث حيث يهدف الى تكوين قاعدة متميزة من المتطوعين وتأهيلهم وتدريبهم لدعم ومساندة جهود الإستجابة الوطنية في حالات الأزمات والكوارث للحفاظ على ارواح ومكتسبات الدولة وأيضا العديد من المبادرات التى اطلقتها دولة الإمارات ، كمبادرة يوم دبي أطلقتها الحكومة عام 2017 تدعو من خلالها جميع المواطنين والمقيمين القادرين علي التطوع بيوم واحد في السنة لمساعدة الغير وتلبية احتياجات المجتمع والحفاظ علي مدينة دبي واستدامتها كما يمكن للتطوع ان يشمل عدة أشكال كالتطوع في الوقت والمهارات والمعرفة والتعاطف مع الآخرين “3”.
ومبادرة ترقيش التى أطلقها عدد من الشباب المهتمين باللغة العربية لتصحيح الأخطاء اللغوية في المنشورات الدعائية والإعلامية لدي المؤسسات الحكومية والخاصة ويعود معنى الإسم الى حسن الكتابة والخط يبادر فيها عدد من المتطوعين باستقبال النصوص ومراجعتها وتدقيقها لغويا ثم تحول الى المراجعة النهائية وتسلم دون أخطاء كما ان لها دور في التوعية بأهمية اللغة العربية كأساس للهوية الوطنية “4”،وغيرها من المبادرات التي أطلقتها للحث علي العمل التطوعي إيمانا منها بما يحدثه في المجتمع من تأثير إيجابي وما له من فائدة عظيمة في احتياج إليها كل دولة وأمة تسعى للتقدم لهذا فإن الكثير من الحكومات والدول والمنظمات تحث وتسهم فيه بشكل كبير حيث تنتشر ثقافة العمل التطوعي بين افراد المجتمع بقدر ثقافته وسياسته وتمثل الجمعيات الاهلية دورا هاما في نشرثقافة التطوع حيث تعتبر جزء من القطاع المجتمعي في المجتمعات الحديثة وتعد بمثابة منظمات ربط ووصل بين مكونات المجتمع.

وعلي الرغم من اختلاف الجمعيات من حيث الحجم ،والاهمية ،ومناط الاهتمام بين الدول والثقافات المختلفة فإن لتلك الجمعيات وظائف متشابهة :فهي تناصر الضعفاء والفقراء ،وتسعى للتغيير الاجتماعي ، وتقدم الخدمات الاجتماعية، وفي بعض الدول تمثل الأداة الرئيسية لتوزيع ونشر الرفاهية الاجتماعية “5” وقد حث القرآن الكريم على التطوع واهميته وجزاء من يقوم به ترغيبا فيه حيث جاء قوله تعالى (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خير وأعظم أجرا )وايضا (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره)والكثير من الآيات القرآنية التى تحث وتؤكد علي قيمته واهميته وما يمكن ان يحدثه من تأثير في الأفراد والمجتمعات.
وكما للتطوع فائدته على الافراد المستفيدين من العمل التطوعي وعلي المجتمع بأكمله فإن له ايضا فائدته التى لا تقل عن الاولى بل قد تزيد علي المتطوع الذى يقوم بالعمل لصالح الأخرين فمجرد فعل الإنسان للخير تهدأ نفسه وتعود إليه فطرته السليمة ويشعر بالسعادة والنقاء من داخله لمجرد فعله الخير وإسهامه فيه فمثل هذا الشعور هو في حد ذاته قد يكون الدافع الاكبر فعل الانسان الخير واسهامه في مساعدة الاخرين وكذلك الوازع الديني لدى المرء قد يكون من دوافعه لفعل الخير فكل الأديان السماوية تشجع وتحث علي العمل التطوعي فيقدم المرء علي فعله لينال الرضا من الله والثواب في الدنيا والأخرة وايضا في اقبال الفرد على العمل التطوعي لا يعطي المعرفة او الجهد فقط وانما ايضا يمكن له ان يتعرف علي كثير من المهارات والخبرات الجديدة التى تنتج من تعامله مع الكثير والكثير من الاشخاص.
لذا فالعمل التطوعي ليس مربح لطرف واحد فقط وإنما مربح للطرفين ومفيد لكليهما على السواء للمتطوع والمستفيد منه، فما احوجنا لعقلية المتطوع ولمجتمع يعرف قيمته ويساعده ويزيد من اعدادهم ما احوجنا لأشخاص تفكر بالعمل التطوعي ولا يهم ان كان هذا نتيجة شعور بالذنب او اعتراف بالجميل فالأهم هو تحويل هذا الشعور الى عمل ايجابي يسهم في بناء مجتمعات وامم.
المصادر:
ويكيبيديا
جائزة نوبل: من الديناميت للسلام
البوابة الرسمية لحكومة دولة الامارات
7 مشاريع تطوعية غريبة بخروجها عن السائد