اللوحات الفنية وما تحمله من أدبيات حرة

في حضرة الحبر الأعظم  يتبدل كل شيء يتغير تتجلى المعاني السامية ، وتُترجم الحقيقة المؤلمة؛ وقد تبعث رسائل طويلة نجني منها  ثمار الأمل العالية ؛ فيحتار عقلك الضئيل من صنعي الوريقات البالية ؛تلك المجردات الصماء تنسج الطبيعة نسجا سجيا مع المرح تخلق روحا والهه متعطشة للحياة وقد تخلق  شلال من البكاء ؛بارعة في صناعة ثوب الحقيقة و عكس الأهوال ؛تحمل ترجمات خاصة للمعاني الأدبية ترجمات فريدة قد تغيب عن الادباء أو يجف حبر الشعراء عنها لكن تظل الفرشاة حرة على خلاف الأقلام المقيدة ..

فالفن يا عزيزي  كما وصفته (كاميلي)  المؤلفة الفرنسية أنه شكلا من أشكال الكفاح من أجل الاستيقاظ من كابوس الواقع …وسرعان مايذكرني قولها بقول العراب ـ رحمه الله ـ عن قراءة الكتب الأدبية  بأنها نوع رخيص من المخدرات ، لا يفعل بها شيئا سوى الغياب عن الوعي.

القمر ولوحة الدنيبر

  فنرى أن اللوحات الفنية وما تحمله من معاني مجردة  تتشابه كليا مع أدبياتنا الخالدة ،وإن أبحرنا في ساحتنا الأدبية الواسعة لنبحث عن ما يعكس واقعنا المعاصر بكلمات عابرة وقوية نجد ما يساويها من ألوان متداخلة وأشكال مجردة فريدة … فتتعجب من قدرة الألوان الزاهية على عكس الفرح أحيانا أو الترح أحيانا أخرى فنجد الرسمة الخالدة  تصلح أن تكون عنوانا لكلمات كاتب أو أبيات شاعر ….. كلوحة ضوء القمر على نهر الدنيبر للمبدع ارشيب كوينجي والتي جسد فيها جمال الليل والأنس به فيصوّر إحدى ليالي أوكرانيا الشاعرية الدافئة فنرى القمر الفضّي يطلّ من أعلى المشهد محاطا بهالة خضراء من الغيوم، وفي أسفل المنظر يظهر شريط متوهّج من نهر الدنيبر الذي يفيض فوق مساحات واسعة من السهوب،وتستتر البيوت الكثيرة والأشجار الكثيفة خلف ظلمة الليل ويطغى اللون الأخضر الهادئ على أطراف النهر المُظلم حتى يلتحم مع اللون الأصفر الزاهي ليخلق حالة استثنائية من الضوء تعكس الشجن مع الليل المنير بقمرة الوضاء فتتشابك اللوحة الفريدة مع كلمات الكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي في مناجاته للقمر قائلاً: 

  أيها القمر المنير:
إنك أنرت الأرض وهادها ونجادها، وسهلها و وعرها، و عامرها و غامرها، فهل لك أن تشرق في نفسي فتنير ظلمتها، وتبدد ما أظلها من سحب الهموم والأحزان.
أيها القمر المنير:
إن بيني وبينك شبهًا واتصالًا، أنت وحيد في سمائك، وأنا وحيد في الأرض، كلانا يقطع شوطه صامتًا هادئًا منكسرًا حزينًا،لا يلوي على أحد، ولا يلوى عليه أحد، وكلانا يبرز لصاحبه في ظلمة الليل فيسايره ويناجيه…..أيها القمر المنير .

آلام الإنسان لوحة فنية

فتستمر المجردات في عرض تخبط الإنسان وآلامه وكل ما تعتريه  نفسه من أوجاع وخطل، لتأتي لوحة (الصرخة) التي رسمها مونك أحد رموز الوحشة والوحدة للإنسان  ويعد مونك أحد مؤسسي الاتجاه التعبيري الذي قدم التعبير عن العواطف بطريقة جديدة وألوان خاصة ،لا تختلف كثيرا عن الكلمات اللامعة بالحزن التي صاغتها شفاء العوير في ديوانها وحيداً حيث القمر فقالت :وحيدة أنا أتسكع على ارصفة الذاكرة…اٗتخبط هنا وهناك… أتشارك فنجان قهوة مع بعض الذكريات الحزينة … عسى أن تخفف قليلا من المرارة.. اشرب عصَير البرتقال  مع الذكريات السعيدة.. وأداعب الذكريات القديمة وأمضي.. أمضي إلى الشاطئ اتواعد مع وجوه من الماضي.. رٔبما أرشها بالماء لتختفي..

الحقيقة بألوان زاهية

وتجد القضايا الكبرى حية متمثلة في جل المعارض الأدبية وعنوانًا قويًّا لمختلف الفنانين فكما قال بيكاسو كل ما تستطيع أن تتخيله فهو حقيقة والذي أذهب إليه أن الفن هو مرآة تلك الحقيقة، فلقد جسد الفنان الفلسطيني سليمان منصور بفرشاته ما جسده إدورد سعيد بقلمه .

لوحات فنية

فخلد الأول لوحة (جمل المحامل ) كقطعة فنية تتوارثها الأجيال لمعانيها وآثارها في النفس وجسد الآخر كلمات باقيات عن لوعة الألم في القدس فذكر أنها تذكرة الموت

وجهان لعملة واحدة

ومثلما عرفت الفنانة التشكيلية ريهام السنباطي الفن التجريدي قائلة «إن الفن التجريدي هو إتجاه فني يقوم فيه الفنان بتجريد الأشياء بعد أخذها من الطبيعة، وإعادة صياغته برؤية جديدة،فكل لوحة تنشأ فى بيئة معينة وطابع معين، ومن المهم أن يفهم المشاهد أن لذلك الفن طبيعة البيئة التى تم رسم اللوحة التجريدية فيها، حتى يستطيع أن يتذوق ما يقدمه الفنان» والذي أراه ياسيدي أن الأدبيات التي بين أيدينا اليوم ما هي إلا عكس للواقع الذي نحياه بعد تجريد الأحداث والمعاني في خيال الكُتَّاب والشعراء ثم بثها إلينا من جديد،بواقع يتسامى مع قصتهم أو يتفق مع أشعارهم وإن اللوحات الأدبية ماهي إلا عكس للمعاني الواقعية كما هي الأدبيات الحرة.