فرقة المصريين|قصة “ما تحسبوش يا بنات”.. أغنية انتزعها هاني شنودة من قلب الدلتا
فرقة “المصريين” هي إحدى أبرز الفرق الغنائية بمصر، أسسها الموسيقار هاني شنودة عام 1977، شغلتْ الناس بحالة موسيقية مختلفة ومتميزة، وذلك بدايةً من الألحان والتوزيعات الموسيقية ذات الرتم السريع التي تحمل الطابع الغربي والروح المصرية، مُرورًا بطريقة الأداء الغنائي، وصولًا إلى المضامين والأفكار التي تناقشها، فكانت أكثر ارتباطًا بوقَائع وأحداث المجتمع، قد ابتعدتْ كثيرًا عن شكل الأغنية العاطفية التقليدية، وتعتبر أغنية “ما تحسبوش يا بنات” لفرقة “المصريين” أحد أبرز أغاني فترة الثمانينات والتي تمتلك قصةً مُختلفةً لا يعرفُها إلا الموسيقار هاني شنودة والراحل صلاح جاهين.

نشأة الفرق الموسيقية في مصر
شهدتْ فترة السبعينات، في مصر، تطورًا كبيرًا في مجال الموسيقى والغناء، فقد أدى انتشار عنصر الألة في الحياة البشرية، إلى اختلاف كبير في مظاهر الحياة بكل ما تحمل من تجليات في المجالات كافة، ولا شك أن الغناء والمزيكا من المجالات الحياتية التي أصابها التغيير والذي أدى إلى تطورها عن العصر السابق، هذا التطور الاجتماعي أمتد أيضًا إلى النفس البشرية؛ فأصبحت تميل إلى الإيقاع السريع في الغناء، وهذا ما يفرضه دائمًا التطور التكنولوجي في أي عصر يلحق به، فكانت نتاج ذلك انطلاق الموسيقيون نحو مزيكا جديدة تعبر عن روح العصر وتتفاعل مع معطيات الحياة الجديدة.
اتجه تجديد الموسيقى إلى استخدام الآلات الحديثة الغربية، وخرجت الأغنية في ثوب جديد، فقد رفض الموسيقيون المقدمات الموسيقية الطويلة، ورفضوا الأغنية الطويلة ذاتها، والتي كانت تتكون من أكثر من وصلة غنائية، وانفتحتْ الثقافة المصرية على التقدم الغربي الذي كان بمثابة ثورة موسيقية، فنشأت فكرة تكوين الفرقة الشبابية خلال هذا التطور الكبير، واستطاعت العديد من الفرق أن تثبت نجاحها أمام الجمهور، فكانت كل فرقة بمثابة مدرسة موسيقية جديدة، وكان من أبرزها فرقة “النهار”، و”طيبة”، والـ”فور إم”، و”الأصدقاء”، و”المصريين”.
الغناء بين الشبابية والتقليدية
كانت فكرةُ الفرقةِ الموسيقيةِ الشبابيةِ فكرةً جديدةً أو صدمةً ثقافيةً لم يَستوعبها البعضُ، حيث تعود الجمهور على أسلوب معين لتقديم الغناء، وهو الشكل التقليدي المُتمثل في مطرب يقف أمام جمهوره، خلفه فرقة موسيقية، تتكون من مجموعة من العازفين، وربما تغيرتْ وجوههم كل حفلة، ولكن الثابت هو المطرب أوالمطربة، وكأن المطرب هو النجم الأوحد في هذا الفريق ولا أهمية تُذكر لباقي العازفين، أما عن الملحن والموزع فهو شخص من خارج مجموعة العازفين، وقد تعود الجمهور أن يقف هذا المطرب ليقدم أغنية قد تصل مدتها إلى أكثر من ساعة ونصف، يسبقها مقدمة موسيقية قد تصل إلى نصف ساعة، كما هو معروف في أسلوب الغناء الكلاسيكي، مثل النموذج الغنائي المتمثل في محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وفريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ وغيرهم.
جاءت هذه الفرق ـ وعلى رأسهم فرقة المصريين ـ بأسلوب غنائي جديد يتمثل في مجموعة من السمات، منها أن الفرقة تتكون في أغلبها من مجموعة من الشباب المطربين والعازفين تربط بينهم علاقة صداقة في المقام الأول، وليس لها مطرب واحد فقط ليكن النجم الأبرز، وقد كان للفرقة مجموعة من المطربين قد يصل عددهم إلى أربعة مثل الـ”فور أم”، وربما أحدث غياب أحد أعضاء الفرقة خللًا كبيرًا قد يجعل الجمهور لا يتقبل ما تقدمه الفرقة إذا غاب عضو عن حفلة، فكل عضو بالفرقة نجم في مكانه، أما عن الموزع والملحن فهو واحد من الفرقة، مثل الموسيقار هاني شنودة فقد كان عازفًا وموزعًا وملحنًا “للمصريين”.
“المصريين” بين فشل وانطلاقة
بدأت فرقة “المصريين” نشاطها من خلال توزيع وتلحين الأغاني للمطرب محمد منير، الذي لم يكن مشهورًا في ذلك الوقت، وقد استمر هذا العمل ـ بين منير وشنودة ـ لفترة قصيرة لم تحقق التجربة نجاحًا كبيرًا كما أشار هاني شنودة خلال لقاء به، بعد ذلك بدأت الفرقة في صناعة محتوى غنائي خاص بها، فتكونت من منى عزيز، وإيمان يونس، وتحسين يلمظ، وممدوح قاسم، عمر فتحي بشكل ثابت، وكتب لهم عدد من كبار شعراء الأغنية بمصر منهم صلاح جاهين، وعبد الرحيم منصور، وحسين السيد، وانضم لهم بعد ذلك الشاعر الشاب ــ في ذلك الوقت ــ عمر بطيشة.
كانت بداية المشوار من خلال أغنية “بحبك لا” التي كتبها حسين السيد عام 1977، ثم أغنية “حرية” التي كتبها صلاح جاهين عام 1979، وتوالت بعد ذلك الأغاني؛ فقدمت الفرقة أغنية “بنات كتير” التي كتبها صلاح فايز عام 1980، ثم أغنية “ابدأ من جديد” من كلمات جاهين عام 1981، إلى أن قدمتْ الفرقة عام 1985 واحدةً من أشهر أغاني الثمانينات وهي أغنية “ما تحسبوش يا بنات إن الجواز راحة” من كلمات صلاح جاهين، فنقلت الفرقة إلى مساحة ضوئية أمام الجمهور المصري والعربي.
فجوة بين الكوبليهات والـ “سينيو”
خلال لقاء بالموسيقار هاني شنودة تحدث عن أغنية “ماشية السنيورة”، قال إن هذه الأغنية تحديدًا عندما خرجت للجمهور تلقاها بترحيب كبير وصفه بـ”اكتساح” لسوق الغناء في مصر؛ فكانت شيئًا جديدًا لم يسبق أن اسمتع الجمهور لمثله، ولكن برغم جودة الأغنية من يقرأ كلماتها منفصلة عن لحنها يشعر أن الأمر به شيء غريب، وكأن الأغنية عبارة عن أغنيتين تم دمجهما ببعض، الأغنية الأولى هي كلمات الـ”سينيو” الذي يتكرر طوال الأغنية ويأتي تكراره في نهاية كل كوبليه، والأغنية الثانية هي باقي الكوبليهات والتي لا تتكرر، وكأن الـ”سينيو” في حال، وباقي الكوبليهات في حال آخر.
من يدقق النظر في كلمات الـ “سينيو” يجد أن تراكيب الجمل والحالة النفسية لهذا المقطع تختلف عن باقي الكلمات في الكوبليهات الأخرى (ما تحسبوش يا بنات إن الجواز راحة\ وما تزعلوش يا بنات لو قولنا بصراحة\ إن الجواز عمره، عمره ما كان راحة)، ومن زاوية آخرى تجد هذا المقطع يختلف عن المعنى الفلسفي الذي يقدمه جاهين بعد ذلك عن الحياة، فيقول (نهر الحياة الجميل\ من منبعه السلسبيل\ مايهموش لو يسيل\ على صخر أو تفاح\ ومهما نتعب نقول تعب الحبيب راحه)، فتجد كلمات الكوبليهات جميعًا تحتشد خلالها العديد من الصورة الشعرية الأكثر وضوحًا وجمالًا من الـ”سينيو”، بالإضافة إلى تراكيب الجمل والألفاظ، وعمق الرؤية ذات المرجعية التاريخية لأصل الحياة والشقاء الأبدي للإنسان، ويوافق هذا المعنى قول الله تعالي في سورة البلد “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ فِي كَبَدٍ”.
وكأن جاهين لم يكتبها كاملة
أوضح هاني شنودة خلال اللقاء به أن هناك مسافة كبيرة بين الـ”سينيو” وباقي الكوبليهات، قائلًا إن هذه الأغنية لم يكتب جاهين كاملة، وذكر أنه خلال زيارة إلى إحدى القرى بمحافظة الغربية، سمع بعض الفلاحات تغنين مجموعة من الأغاني وهن تملئن الجرار من إحدى القنوات المائية، وكان من بين هذه الأغاني كلمات الـ”سينيو” (ما تحسبوش يا بنات إن الجواز راحة\ وماتزعلوش يا بنات\ لو قلنا بصراحة\ إن الجواز عمره، عمره ما كان راحة)، لافتًا أن هذه الكلمات كانت تُغنى على الإيقاع الفلاحي المصري المصاحب لأغلب الأغاني الفلكلورية في منطقة الدلتا.
تابع شنودة قائلًا أنه عندما عاد إلى القاهرة ذهب إلى صلاح جاهين وقرأ عليه هذه الكلمات، وطلب منه أن يصنع منها أغنية لتغنيها فرقة المصريين، وهذا ما فعله جاهين، فقد أضاف إلى هذه الكلمات 2 كوبليه، بدأ شنودة تلحين الأغنية، وأردف أنه وضع أكثر من لحن لهذه الأغنية حتى يبتعد عن اللحن التراثي، إلى أن استقر رأيه على اللحن الذي نسمعه الآن.
تفكك المصريين
استمرت الفرقة بعد ذلك مُحققةً نَجاحًا كبيرًا، وحصدتْ شُهرةً كبيرةً، وقدمت مجموعة من الأغاني الناجحة منها “ماشية السنيورة”، و”ابدأ من جديد”، و”الشوارع حواديت”، وقدمت العديد من الحفلات، وشاركت في عدد كبير من مهرجانات الموسيقى والغناء داخل وخارح مصر، إلى أن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد رحل صلاح جاهين عام 1986، ورحل عضو الفرقة تحسين يلمظ، وفي عام 1988 قدمت الفرقة أغنية “حظ العدالة” من كلمات جمال الأقصري، لكنها لم تحقق نجاحًا كبيرًا هي الأخرى وفقًا لما ذكره هاني شنودة، وبدأت النهاية عندما سافرت إيمان يونس إلى سويسرا بعد زواجها، فتوقفتْ الفرقة في العام نفسه.
تفككت فرقة المصريين بعد ذلك، وذكر شندوة أنه تفرغ بعد ذلك إلى تقديم الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام، ومن أبرز أعماله “العميل رقم 13″، و”الحريف”، و”المشبوه”، وفي عام 2017 حاول شندوة إحياء فرقة المصريين من جديد، فسجل جميع أغاني الفرقة بالتعاون مع شركة Mazzika Group””، وقدم عددًا من الحفلات باسم “فرقة المصريين” على مسرح وزارة الشباب والرياضة، وساقية الصاوي، وسجل عددًا من الحلقات التليفزيونة بالاسم ذاته، ولكن الجمهور لم يتفاعل مع أعضاء “المصريين” الجدد من المطربين الشباب، فقد رحل أعضاء “المصريين” الذين أحبهم الجمهور منذ أكثر من ثلاثين عامًا.