ما المشكلة؟! | قربة
كيف نتعامل مع مشكلة الحياة بشكل إيجابي؟
أثناء دراستي للبرمجة لم أهتم بتطوير قدراتي بها بسبب ميلي للدراسة النظرية، لكن الفكرة الهامة جدًّا التي استفدتها نظريًّا، هي استيعابي لمفهوم وجود/ خلق مشكلة وحلها بعمل برنامج، وهو مبدأ يوجد في البرمجة كما يوجد في البحث العلمي وريادة الأعمال والأفكار الفلسفية أو الأعمال الفكرية الكبرى، ويعني ذلك المفهوم في البرمجة أنه في حالة وجود مشكلة ما وأنت مبرمج عليك توفير الحل لها بصياغة البرنامج بأكواد وتصميم منظم، مثل جميع البرامج أو الألعاب أو المواقع الإلكترونية المستخدمة حول العالم، فجمعيها تخضع لبرنامج.
والفكرة الهامة هنا هي أن عامة الناس في الغالب لا يكونون مدركين للمشكلة في الأصل لتجد لها الحل، والإدراك هنا لا يقصد به المعرفة بقواعد البرمجة المتخصصة، لكن حتى على مستوى التخيل، مثلًا تخيل برنامجًا أو اختراعًا قبل ظهوره، مثلًا فكرة موقع فيس بوك بإمكانية دخول كل الناس عليه من جميع أنحاء العالم وكل شخص يستطيع أن ينشر ما يرغب به ويظهر لجميع أصدقائه في نفس الوقت، ولا أن مجسم صغير ممكن له أن ينقل الصوت من منطقة أو دولة لأخرى بدون وسيلة توصيل ملموسة قبل اختراع الهاتف المحمول.
محتمل أن الناس لم تكن تشعر بضرورة موقع أو اختراع مثل هذا، لأنها قد لا تتصور إمكانية حدوثه واقعيًّا، ليس بسبب عدم الاحتياج لذلك التسهيل الذي يوفر الكثير من الوقت والمجهود والموارد، بل لأنه حينما يوجد فإنه لا يمكن الاستغناء عنه عند أغلب الناس، ولكن أعتقد أن قدراتهم وحدود خيالهم لا تسمح لهم بأخذ مساحة جادة من التفكير أن ذلك يمكن أن يكون متاحًا، وعلى مستوى الخيال هناك أفكار اختراعات أو حلول خيالية يمكن أن تأتي لهم، لكن لأنهم ليسوا متخصصين وقدراتهم التقنية معدومة أو محدودة فلا يبذلون وقتهم أو مجهودهم في إعطاء مساحة لهذه الابتكارات، ولا يمتلكون غير حلول مؤقتة بنفس الأداوات الحالية، أو قد يكونون مبدعين في الفن، يبتكرون العمل الفني على تخيل اختراع ما مثلًا، أو قد تظهر في أعمال فنية مثلًا في التليفزيون ظهر لأول مرة الهاتف المحمول في إحدى حلقات المسلسل التيلفزيوني Star Trek عام 1966 حتى أن مخترع الهاتف المحمول Martian Cooper قال في تصريح لمجلة التايم أنه استلهم اختراعه من هذه اللقطة، كما أن هناك أفكار خيالية لم تنفذ كآلة الزمن.. فهل للخيال حدود؟ أم يمكن أن نرى تنفيذًا لهذا في المستقبل؟
مثلًا في مجال ريادة الأعمال مشروع صنعه ابتكار برنامج لشركة أوبر، ومشكلة الناس كانت التضرر من سوء أحوال التاكسي لعدة أسباب مثل رفض السائقين للذهاب إلى أماكن لا تروق لهم، وقلة تواجدهم في بعض المناطق، والمعاملة السيئة وعدم استخدام عداد السعر.. إلا أن فكرة البرنامج قامت بحل هذه المشكلة بتفرعاتها بتوفير بديل جديد يمكن الناس من طلب السيارة الأقرب مكانيًّا لهم التابعة للشركة وموجودة في البرنامج بدون بذل جهد وبسعر مناسب ومزايا لراحة العميل، بالإضافة للنقطة الأهم أن الشركة لا تمتلك هذه السيارات ولكن تعمل وسيطًا بين العميل وصاحب السيارة الذي فتحت له مصدر دخل كان لا يمكنه الاستفادة منه بهذا الشكل من قبل.
في سياق الأفكار الفلسفية الكبرى بدون الدخول في تفاصيل فكرة معينة، لكن في الوعي الجمعي للمجتمع يكون أغلب الناس مشغولين بالحياة اليومية، ولا يتطرقون للأفكار والأسئلة الوجودية الكبرى، لكن الفيلسوف هو الذي ينشغل بهذه الأفكار والأسئلة، يستطيع من خلاله أن يجيب عن أصل الوجود وأسبابه.. وكيف نعرف؟ وما مصدر الأخلاق؟ إلخ، حسب المباحث الأساسية للفلسفة، بينما عامة الناس قد يعتبر كل هذه أمور بديهية ولا تحتاج لعناء البحث لأنها موجودة بالفطرة أو الدين، لكن هذه النظرة في الغالب تكون سطحية ولا تصمد أمام أزمة فكرية أو أخلاقية كبرى، قد يتخبط الناس بها لأنها لا تستطيع التحليل، ولكن تعودت على حلول رجال الدين المعلبة/ الجاهزة، وهذا ما يواجه بعض رجال الدين المتفتحين الذين يحاولون تجديد الخطاب الديني، فإن هذه الحلول القديمة لمشكلة ما قد تكون غير مناسبة للعصر، ولا تخلق بالطبع شخصيات مختلفة أو حياة متفردة ولكن نسخ متشابهة لا تعرف التجديد.
وإذا تأملنا الأفكار العلمية أو الأعمال الفكرية الثورية التي غيرت في مسار التاريخ، بفضل العالم الذي أتى باكتشاف علمي يدحض كلام رجال السلطة أو الدين، والمفكر أو البطل الشعبي الذي يطرح أفكارًا ثورية مناهضة للظلم والعنصرية وكبت الحريات، سنجد حالة المجتمع في حينها قد يكون جاهلًا وغير مدرك لأن ما هو مطروح من خلال السلطة أو رجال الدين غير واقعي أو منطقي، أو هو مدرك لهذا ولكن لا يتصور أنه يمكن أن يحدث هو هذا الفارق، وغالبًا ما تهاجَم الأفكار الثورية الجديدة بالسخرية ولكن قوة صمود الفكرة ينصرها في النهاية، وعلى قدر المشكلة التي يتبناها كل شخص في حياته وقدر التجديد في إيجاد حل لها، أعتقد أن هذه تكون قيمته الحقيقية؛ فهناك من يهتم بحياته اليومية وكسب قوت يومه، وهناك من يهتم بتطوير قدراته لكن بشكل فردي لزيادة أمواله أو سلطته دون الانشغال بأي قضية كبرى أو مستقبلية تعود بالنفع العلمي أو الثقافي أو الفكري أو السياسي أو الإقتصادي على المجتمع، ولكن من يتبنى مشكلة فيها نفع للمجتمع في أي جوانبه فهذا هو البطل الحقيقي، وأيضًا على قدر التجديد والاختلاف في الحل يكون الاحتفاء والمكاسب المختلفة، فإن قيمة الإنسان الحقيقية هي على قدر مشكلته في الحياة وابتكاره لحلٍّ مختلف وعظيم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن قربة