نيتشه.. الفيلسوف الثائر
نيتشه… الفيلسوف الثائر
عندما نسمع اسم نيتشه فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو ذلك الفيلسوف الذي وضع نهجًا جديدًا في الفلسفة سار على دربه الكثيرون إلى الآن، فنازية هتلر وفاشية موسوليني ما كانت سوى سير على درب فلسفة نيتشه حتى وإن كانوا فسروا هذه الفلسفة بطريقتهم الخاصة والخاطئة بالطبع.
بإمكان أي متأول من أي اتجاه أو مذهب فكري أن يقول ما يريده عن نيتشه وفلسفته، أن ينبذه أو يسخر منه أو يعتبره مجنونًا، شاعرًا أهوج، نبيًّا مزيفًا، إلا أنه سيظل إحدى العلامات الكبرى في تاريخ الفلسفة الكونية، بل علامة مميزة ورمزًا وقطيعة في تاريخ الفكر عامة.
فنيتشه كان أول فيلسوف يعلن حربًا مفتوحة على الفلاسفة والفلسفة السائدة ويطرح أسئلة مقلقة ومزعجة على الفكر وعلى الدين والأخلاق والمجتمع وقيم الخير والشر.
ولد فريدريك نيتشه في الخامس عشر من شهر أكتوبر عام ١٨٤٤ في قرية قرب بلدة لوتسن في مقاطعة ساكسونيا التابعة لبروسيا لقس بروتستانتي لوثري توفي ونيتشه في الخامسة من عمره، لذلك عاش نيتشه في أسرة من النساء مكونة من أمه وأخته وجدته وعمتيه غير المتزوجتين والخادمة.
وعانى نيتشه من وحدة قاسية كانت تحيط به وبفكره المارق على كل السلطات والأعراف، وحدة جحود ونكران رافقته طوال حياته وأثرت على فلسفته.
فنيتشه رأي الحياة على أنها قوة ولا أحد يستحق العيش فيها سوى الأقوياء، وأن الأخلاق ما هي إلا خدعة ابتدعها الضعفاء لخداع الأقوياء للحصول على ما يريدونه وللوصول لغاياتهم وهذه الفلسفة متناقضة جدًّا بالنسبة لشخص قضى معظم حياته مريضًا وضعيفًا مثل نيتشه، ورغم غرابة فلسفة نيتشه فأفكاره ظلت تغذي التيارات السياسية والفكرية والاقتصادية والأخلاقية حتى الآن كما امتد تأثيره إلى عدد من مفكري الشرق أمثال فرح أنطون ومرقص فرج وسلامة موسى الذين تبنوا رؤيته الفلسفية.
ومن أبرز كتب نيتشه هو كتاب “هكذا تكلم زرادشت” الذي يعد خلاصة لمجمل أفكار نيتشه وشكلًا أدبيًّا تكشفت فيه كل أفكاره التي وردت في مؤلفاته الأخرى، شكل أدبي يعتمد الاستعارة والكلام بأمثال والاقتضاب والتكثيف بحيث يمكن للمعاني المتخفية بين طبقاته أن تغدو خفية وأحيانًا غامضة أو غير دقيقة وهو ما عابه وما زال يعيبه الكثيرون من منتقدي نيتشه، ويقول نيتشه في كتابه أنه حيثما تكون هناك حياة فقط، تكون هناك أيضًا إرادة، ولكن ليست إرادة الحياة بل إرادة القوة، إذا من خلال إرادة القوة فإن عناصر النمو والتطور والتجدد داخل الكائن هي التي تدفع عنها العناصر المترامية والمتخاذلة التي لم تعد قادرة على الحركة والتطور ولا تسحرها غير أنغام الاستسلام.
وفي عام ١٨٩٠ تعرض نيتشه لانهيار عصبي لأنه رأى حصانًا يُجلد بالسوط، ثم بعد ذلك بدأت تظهر عليه علامات الجنون حيث كان يرسل الرسائل لبعض أصدقائه بتوقيع المصلوب وفي بعض الأحيان كان يظن نفسه شكسبير أو قيصر أو ملك إيطاليا أو يسوع وفي النهاية وبعد معاناته مع الكثير من الأمراض توفي نيتشه عام ١٩٠٠ نتيجة ورم بالدماغ، ولكن لم تمت معه فلسفته العدمية التي لم تلقَ اهتمامًا في حياته، ولكنها لقت اهتمامًا بعد وفاته وظلت باقية إلى الآن وستظل للأبد.
وأختتمُ في النهاية بقول الأديب ألبير كامو عن نيتشه:
"مع نيتشه تغدو العدمية نبوءة، وفيه تصير لأول مرة واعية وقد تفحصها وكأنها واقعة سريرية، وجد شخصًا في نفسه ولدى الآخرين عجز عن الاعتقاد وزوال الأساس الأول لكل الإيمان أي الاعتقاد بالحياة، وبدلًا من الشك المنهجي مارس النفي المنهجي والتدمير النظامي لكل ما يحجب العدمية عن نفسها ومن يشاء أن يكون مبدعًا سواء في الخير أو في الشر فعليه أولًا أن يكون هدامًا وأن يحطم القيم."