لماذا نحب ثيمة ما بعد النهاية في الأفلام والألعاب |Post-Apocalyptic

لو تفحصت بعضًا من الألعاب المفضلة عند جمهور اللاعبين Gamers  ستجد على رأس القائمة لعبة Fallout بكل أجزائها، بالإضافة إلى:

Wasteland, Metro, Dead Island, Dead Rising, Left 4 Dead, The Walking Dead Telltale, Zombie Ate My Neighbor، وأخيرًا وليس آخرًا The Last of Us.

ولو ألقيت نظرةً على متجر التطبيقات “Google Play” ستجد أنَّ لعبة DAY-R تصدرت قائمة الألعاب المدفوعة لعدة أسابيع، كما أنَّك ستلاحظ ضمن فئة التطبيقات الأعلى مبيعًا عدة ألعاب تدور حول نفس الثيمة.

ولم يتوقف الأمر عند الألعاب فقط، بل اجتاح الشاشتين الكبيرة والصغيرة، فمسلسل The Walking Dead هو أكثر مسلسل تمت مشاهدته حتى الآن! (المصدر) وغيره من المسلسلات مثل The Leftover  أو Battlestar Galactica وبالنسبة للشاشة الكبيرة فأفلام مثل Mad Max Fury قد تصدرت شباك التذاكر وقت صدورها، والعديد من الأفلام والمسلسلات التي تدور حول نفس الفكرة. لكن لماذا؟ لماذا نحب تلك الثيمة في أي مجال؟

لا أظن أنني الوحيد الذي جلس مع صديقٍ وخططنا ما سنفعله عندما يجتاح الزومبيز العالم -عندما وليس إذا- ولستُ الوحيد الذي فكَّر أثناء تفاعله مع واحدة من تلك القصص أنه يمكنني التفوق على البطل محدثًا نفسي: أعطني الـApocalypse الآن، ثم شاهد وتعلم! إذًا لماذا تراودنا تلك الأفكار؟

أسباب محتملة:

بالطبع يمكننا العودة دائمًا إلى صديقنا القديم “أرسطو” ومناقشة مفاهيم مثل مبدأ التطهير، الذي يراد به تنقية نفوس المشاهدين بإثارة خوفهم مما يحدث للبطل وتحريك كوامن شفقتهم ورحمتهم، وهي فكرة ترجع أصولها إلى معالجة الداء بالداء، فيعالَج الداء الحقيقي الواقعي عن طريق إثارة شبيهه المتخيَّل غير الواقعي، إثارةً فنيةً قائمة على حشد المشاعر وتوجيهها بغاية تطهير النفس من أدرانها.

أو مبدأ الـ”Hedonic Reversa” أو “اللذة المنعكسة” وهو -باختصارٍ مُخِل- الطريقة التي يكافئنا بها دماغنا بالسعادة عندما نتخطى عقبةً صعبة أو نحقق نصرًا من نوعٍ ما…

تاريخ الثيمة:

ومع ذلك أظن أن الموضوع أعمق بكثير، بدايةً يجب أن نعرف أن مفهوم نهاية العالم أو الـApocalypse ليس جديدًا على فكرنا كبشر، فهو موجود في كل أنواع الميثولوجيا: في المسيحية توجد رؤيا يوحنا، وفي الإسلام توجد علامات يوم القيامة الكبرى، وفي الأساطير النوردية هناك راجناروك، وغيرها الكثير. لكن مفهوم ما بعد نهاية العالم أو post-Apocalypse هو جديد نسبيًا، فأول رواية نعرفها تتحدث عن موضوع مشابه هي رواية “الرجل الأخير” المنشورة عام 1826 للكاتبة ماري شيلي، والتي يبدو اسمها مألوفًا بالتأكيد لأنها نفس مؤلفة رواية “فرانكنشتاين” الشهيرة، وتدور رواية الرجل الأخير حول مجموعةٍ تحاول النجاة في عالم اجتاحه مرضٌ شبيه بالطاعون، وعنوان الرواية يحرق باقي الأحداث.

وتحاول الرواية أن تشعرك بالعزلة، وهي سمة من السمات الأساسية لقصص الـpost-Apocalypse حتى اليوم، ومن تلك القصص القديمة أيضًا قصة “أنا أسطورة” والتي تم تبنيها كفيلم، وإن لم يرقَ أبدًا لمستوى الرواية، وهو فيلم I Am Legend” 2007″ والذي تدور فكرته عن الناجي الأخير في عالم من مصاصي الدماء حيث يُصارع للحفاظ على إنسانيته.

ينقلنا هذا للنقطة الأساسية، أن مفهوم نهاية العالم يدور بشكل مباشر حول قوة تفوق قدرة البشر على مجابهتها، قوة قادرة على قلب مفهوم الطبيعي والعادي في حياة البشر، قوة تبيد البشرية من فوق سطح الأرض تقريبًا.

في العصور القديمة كانت تلك القوة متمثلة في البراكين أو العواصف و غيرها من مظاهر الطبيعة المدمرة، ومع تنامي فهمنا للعالم تضمّن القوس ظواهر جديدة مثل الأوبئة في روايتي الرجل الأخير وأنا أسطورة، وعندما قمنا بأنفسنا بصنع وسائل إبادتنا من الحياة كالقنابل النووية مثلاً، رأينا أفلامًا مثل Dr.Strangelove للمخرج ستانلي كوبريك والذي كان في فترته وحتى انتهاء الحرب الباردة يُمثل خوفًا حقيقيًا من انتهاء البشرية، بسبب الحرب النووية التي دائمًا ما كانت على الحافة بين المعسكر الأمركي والمعسكر الروسي، والتي أنتجت لنا أيضًا سلسلة ألعاب Fallout، بالإضافة إلى أفلام مثل The Boy and His Dog-1975 و Mad Max: The Road Warrior-1981.

عناصر الثيمة:

لكن فجأة تغير شيءٌ ما، فبعد أن كان تعليق المشاهدين على تلك الأفلام: “هذا مرعب، أتمنى ألا يحدث لي هذا أبداً” تحول ليصبح: “أنا أستطيع أن أفعل هذا أفضل منك، لتقم الـApocalypse الآن، شاهد وتعلم”.

  1. لنفهمَ هذا التحول يجب أن نفهم بدايةً عناصر موضوع ما بعد النهاية.

أولاً/ النهاية وشيكة:

سواءً اشتملت الحبكة على حكومة خرجت عن السيطرة وقصفت العالم برؤوس نووية، أو عالِم مجنون يريد تدمير العالم، أو محاولة إصلاحه فيدمره كفيلم Snowpiercer  أو أي سبب آخر، من المهم أن تظل النهاية في الأفق لكن…

ثانيًا/ النهاية لن تحدث أبدًا:

تكون قريبة بالطبع، تحدث أشياء مريعة كموت بضعة مليارات من البشر، أو أن تكون البشرية على وشك الانقراض والحياة في ذروة صعوبتها، إلا أن قليلاً من الناس يتمكنون من النجاة بأية حال، وهكذا لن تكون النهاية فعلاً!

ولتوضيح نقطتي أكثر لنأخد فيلم Snowpiercer كمثال، إن لم تكن شاهدته فهذا أفضل، لأنني عاشقٌ لحرق الأحداث، فلا تعتبر هذا تحذيرًا وأكمل المقال على أية حال.

تبدأ قصة الفيلم عندما يحاول العلماء أن يحلوا مشكلة الاحتباس الحراري لكن، وعن طريق الخطأ، يجمدون الكوكب بأكمله *أوبس!* ينجو بضعة مئات من تلك الكارثة، ليعيشوا على قطار يتحرك بالطاقة النووية ذو نظام بيئي مستقر منفصل عما خارجه. ينفصل القطار إلى جزأين: العربات القريبة من مقدمة القطار وهي الطبقة البرجوازية في هذا العالم، والعربات القريبة من نهاية القطار وهم الكادحون في هذا العالم، وبطل فيلمنا ينتمي إلى عربة قرب نهاية القطار.

تتمثل أهمية الفيلم في أنه مرآة لعالمنا الواقعي، فالجميع محبوسون داخل علبة -حرفيًا- تتألف جدرانها من الثقافة وعادات المجتمع، حيث هناك قوانين صارمة تلقن لهم منذ ولادتهم، لماذا ينتمي فلان إلى الطبقة العليا وأنت لا؟ لأنه وُلد في إحدى العربات القريبة من المقدمة وليست تلك التي في المؤخرة والعكس بالعكس، كل شيء يخضع لسيطرة غاشمة، لا توجد وسيلة للتنقل بين الطبقات وبالتالي أنت محاصر ولا تملك أي سيطرة على حياتك!

الأسباب المقترحة:

هنا بالتحديد تأتي متعة ثيمة الـPost-Apocalyptic فهي الحل لكل تلك المشاعر البغيضة والركود الاجتماعي وفقدان السيطرة، فمن يهتم الآن بالفواتير؟ هناك قنبلة نووية سقطت فوق رؤوسنا! يمكنني الآن أن أفعل ما يحلو لي.

المجتمع؟ هذا القطار؟! تبًا لهم جميعًا، فقد انتهى أمرهم. لقد فقدتُ التأمين الصحي ومجانية التعليم لكن لا يهم، فالآن بإمكاني أن أعيش في نفق مهجور إذا أحببت، بشرط أن أحافظ على أولئك الزومبيز والغيلان تحت السيطرة.

يقول ويس باردون وهو أستاذ الآداب بجامعة مينيسوتا: “تلعب ثيمة نهاية العالم على خيالات التحرر، الإبادات الجماعية أمر محزن بالتأكيد، لكنها طبعًا أكثر إثارةً من مراكز التسوق والجري إلى متجر لشراء مناديل المرحاض!”

تدفعنا تلك القصص إلى تخيل أننا خرجنا قسرًا من منطقة راحتنا إلى دور أكثر بطولية، وإضافةً إلى ما سبق، هل حاولت تغيير العالم مؤخرًا؟! إنه أمر مؤلم وبطيئ أو وهم في أفضل الأحوال، أما ثيمة نهاية العالم فتسمح لنا بتخيل ولادة جديدة واسعة النطاق للعالم وتلعب على رغبتنا الطوباوية…

هل تتذكر القاعدة الأولى؟ النهاية وشيكة، هناك حرب في كل أنحاء العالم، احتباس حراري، كويكبات تصطدم بالأرض، كوارث اقتصادية، إحساس دائم بأن كل شيء قد ينهار تمامًا في أية لحظة!

لماذا نعتبر هذا شيئًا رائعًا؟ لأنه في حالة نجاتنا فهذا يحررنا، يسمح لنا بأن نفعل ما تشتهيه أنفسنا، بإمكانك أن تكون البطل الذي يترفع عن الفوضى ويحافظ على الإنسانية، أو بإمكاننا، أخيرًا أخيرًا، أن نصبح الأشرار الأوغاد الذين لطالما حلمنا أن نكونهم في السر، نطلق النار على رؤوس الناس عندما يزعجوننا، نسرق عندما يحلو لنا، لأنه لمَ لا؟ من سيوقفنا الآن؟ طالما معك السلاح الأكبر في الغرفة فلا تقلق.

أما السبب الثاني فهو أن ثيمة ما بعد نهاية العالم لا تدور حول نهاية العالم بل حول الولادة الجديدة، ليست حول ملايين أو مليارات القتلى، بل حول النظام الجديد. في الإنجيل لا يدور سفر الرؤيا حول موت الملايين والدمار الشامل، بل عن عودة المسيح وتحقيق السلام مبشرًا بالحقبة الجديدة القادمة، وكذلك في الإسلام فهي ليست عن الحرب الكبرى بين المهدي وجيش الباطل بل عن عصر الرخاء الذي سيؤسسه المهدي والمسيح معًا حيث تنام الشاة بجوار الذئب!

الفكرة أن البشر كجنس منيعون ضد الإبادة طالما اختاروا أن يكونوا منيعين ضد الإبادة، فإذا جرَّدْت كل قصص ما بعد النهاية من كوارثها ستجد أنها لا تدور سوى حول الأمل في النجاة، أن يعود العالم هانئًا مرةً أخرى. فنحن ننجذب نحو تلك القصص، لنرى إن كنا سنستمر على قيد الحياة أم لا، إن كانت ستنجو الإنسانية أم لا…

النهاية:

في النهاية تعني كلمة Apocalypse  في اليونانية: الكشف، وإن كان المصطلح تاريخيًا مرتبطًا بكلمة الكشف الديني، سواء عن طريق الرؤى أو الوحي أو الأحلام، ليرى شخصٌ واحد نبوءة تفسر له ما يحدث على الأرض، لكن هل يمكن أن نعتمدها الآن للكشف أيضًا؟ لكن عن خبايا أنفسنا وأوهامنا التي نُسِرُّها بين ثنايا عقلنا أو نقولها على العلن كمزاحٍ باطنه جد؟!