ماذا عن كلمتِك! أسكونٌ كانت أم لهب؟

بين الهدم والبناء تأتى الكَلِمَة، إمَّا لرفع طوابقِ روحك أو لتخريب ما تبقَّى منك! أراها أهمَّ ما فى الحياة، بل إنَّها الحياةُ نفسُها، فهى تُحيى ما بداخلك، بها القوة الكافية لتحويل كل ما هو مهزوم إلى هازم، تَلحَم المنكسر ولا تكتفي بذلك فقط، بل تجعله صالحًا كما لو لم يمسَّه أىُّ انكسارٍ قط!

أتذوبُ الكلمات بنا؟
لنرَ معًا الآن، كوبان من الماء، أحدهما نضع به سُكر والآخرُ مِلح، كيف المذاق الآن؟!
أستطيع أن أسمع الرد: “يا لسخافة هذا! بالطبع نحصل على كوبٍ مذاقه حُلو، وكوبٍ لا يُحتمل.”

حسنًا، إنَّها كذلك! رُبَّما تحلو مرارة حياتنا بكلمةٍ قد قيلت يومًا ما من صديقٍ مقربٍ يُدرك جيدًا ما نعايشه، فيرى أنَّه من الواجب عليه أن يُبهجنا بجميل الكلمات التى هي بمثابة عُمرٍ جديدٍ يُضاف إلى أعمارنا، فنشعرَ وكأنَّ الدقيقة التى قيلت فيها الكلمة ليست فقط ستين ثانية بل حياةً أُخرى، وكلَّما تذكرناها تجددت هذه الحياة…


من عابرٍ لا نعرفه ولا يعرفنا، ولكنَّه قد قال كلمةً جعلتنا نبتسم طَوال اليوم، أومن عجوزٍ قد جاوز الستين ألقى دعوةً أو ابتسامةً أزاحت ضيقه وضيقنا، أراحت قلبه وقلوبنا، وكأنَّها نزلَت من السماء كمطرٍ شاء الله أن يَهْطِلَ فى أَوْجِ حرارة الصيف، أو كالنَّدى الذى ينزل على ورق الشجر ونرى لمعانه، وكأنَّ الشجرة فى هذا الوقت تنطق وتقول: حقًا، أنا سعيدةٌ الآن!
من الأب إلى ابنه، فيقوى الابن بأبيه ويرى بعينيه، لتكون عنده الرؤية الكاملة والحكمة من وجوده فى هذه الحياة، فيسعى ويسعى حتَّى الوصول. من الأم إلى ابنتها، فتعيشَ هذه الرحلة بحق، وينمو بداخلها الشغف والحب، لتستكمل ما بدأَته أمُّها وتستطيع رؤية النجوم فى الليالى الكالحة، وتتعلم الصمود أمام العواصف، وتتهيأ للرسالة التى وُجدت لأجلها.
من مدير العمل إلى موظفيه، لزرع الثقة بداخلهم، لمدَّ طموحهم إلى أبعادٍ كثيرة، فيحصد ثمرة كلامه عملًا.


وقبل هذا الحُب الذى نسعى إليه فى قلوب البعض، قد يكسِبه فقط من كلماته، كلماتٍ قد تُقال بين الأزواج فتسموَ بعلاقتهم، نرى كم من العلاقات قد هُدِّمت لافتقارها إلى بعض الكلمات، أو لكلماتٍ لم تُقَلْ فى وقتها!

هل الكلمة عمود الحياة؟!
لا أدري، ولكنْ هل لعمود الإنارة أهميةٌ بدون مصباحٍ ينير عتَمَة الطريق؟ بالطبع لا، فهي النُّور الذى يستطيع أن يهديَنا إلى طريقنا الصحيح، رُبَّما كلمةٌ قيلت، قد حوَّلتنا من أرضٍ بورٍ إلى أرضٍ تَدُبُّ فيها الحياة!

كم من قولٍ كان قادرًا ببراعةٍ على تفتيت ما نحاول يوميًّا اجتيازه! كم حديثًا قيل فى غير محله كان كسيفٍ هوى بنا وجعلنا كجثةٍ هامدةٍ لا تقاوم من أجل البقاء بل تستسلم للنِّهاية! كم كلمةً ذهبت بأحلامنا بعيدًا بَعد الكثير من محاولات الصعود على سُلَّم ما تمنيناه يومًا…


يقول مارلو توماس: “كلٌ منَّا يمرُّ بوقتٍ يكون عند مفترق طرق، غيرَ متأكدٍ مما يتعين عليه فعله فى الخُطوة التالية، ثمَّ يأتى شخص ما ويقول له الكلمات المناسبة، فيجعله يجتاز هذه المرحلة.”

يعلو صوته قائلًا:
” كلماتنا ستدُّك جدران السجون، وتضيء للموتى منازلهم وتكتسح الطغاة بحروقها المتوهجات!”

أمين الريحانى

الكلمة اللطيفة أشبه بيومٍ ربيعىّ، نستظل بها فى اليوم الحارق، كمطرٍ خفيفٍ فى بردٍ قارص، راسخةٌ بقلوبنا رغم خريف حياتنا، فهى مهمةٌ كالماء والهواء، مثلَ الجذور، أساسٌ لكل نباتٍ كى يصمد أمام الرياح. كالدواء هى، شفاءٌ لنا…
لذا أعزَّائي القرَّاء، لا تكونوا الداء بل كونوا الدواء.