ثورة جديدة في علاج الإيدز
الإيدز أو السيدا أو متلازمة نقص المناعة المكتسبة (بالإنجليزية: AIDS، وبالفرنسية: SIDA) هو مرض يصيب الجهاز المناعي البشري. يعرف المرض عموماً وفي الأوساط الطبية والعلمية باختصاره الإنجليزي “إيدز” وذلك من Acquired Immune Deficiency Syndrome أو اختصاره “سيدا” “sida” من اللغة الفرنسية Syndrome d’immunodéficience acquise، وقد سميت متلازمة نقص المناعة “المكتسبة” تمييزًا لها عن مرض نقص المناعة الوراثي الذي يظهر لدى بعض الأطفال منذ الولادة. أي أن نقص المناعة حصل نتيجة الإصابة بالمرض وليس لأسباب وراثية.
ويسببه فيروس نقص المناعة البشرية فيروس إتش آي ڤي (HIV)، وتؤدي الإصابة بهذه الحالة المرضية إلى التقليل من فاعلية الجهاز المناعي للإنسان بشكل تدريجي ليترك المصابين به عرضة للإصابة بأنواع من العدوى والأورام. وينتقل فيروس نقص المناعة إلى المصاب عن طريق حدوث اتصال مباشر بين غشاء مخاطي أو مجرى الدم وبين سائل جسدي يحتوي على هذا الفيروس مثل:الدم أو السائل المنوي للرجل أو السائل المهبلي للأنثى أو لبن الرضاعة الطبيعية، ومن ثم يمكن أن ينتقل هذا الفيروس من خلال الاتصال الجنسي غير الآمن أو من خلال عملية نقل الدم، أو من خلال إبر الحقن الملوثة بهذا الفيروس، أو يمكن أن ينتقل من الأم إلى جنينها خلال مرحلة الحمل أو الولادة أو الرضاعة أو من خلال أي عملية تعرّض أخرى لأيٍ من السوائل الجسدية سالفة الذكر.
ويعتبر مرض الإيدز حاليًا من الأمراض الوبائية والمتفشية، ففي عام 2007 تم تقدير عدد المصابين الأحياء بهذا المرض حول العالم بنحو 33.2 مليون شخص. كذلك، فإن هذا المرض قد أودى بحياة ما يُقدر بحوالي 2.1 مليون شخص من بينهم 330,000 ألف طفل. وقد ظهر أن ما يزيد عن ثلاثة أرباع هذه الوفيات تحدث في ذلك الجزء من القارة الإفريقية الذي يقع جنوب الصحراء الكبرى، مما يعيق تحقيق النمو الاقتصادي ويدمر رأس المال البشري.
يمر هذا المرض بمراحل وتطورات عديدة تختلف من شخص لآخر، وبالتالي تختلف أعراض المرض باختلاف المرحلة.
المرحلة الأولى: نادرًا ما تظهر أية أعراض أو دلائل على الإصابة بالمرض، لكن قد يصاب المريض بأعراض الإنفلونزا العادية عند بداية إصابته بالمرض، ثم تختفي هذه الأعراض بعد أسبوعين على الأكثر، كما يلاحظ المريض حدوث انتفاخات في الغدد الليمفاوية، وقد يصاب المريض بطفح جلدي.
المرحلة الثانية: هذه المرحلة غير محددة بوقت زمني محدد، فهي تختلف من شخص لآخر وتتراوح ما بين السنة إلى أكثر من تسع سنوات، لكن هذا الفيروس في هذه الفترة يكون قد تمكّن من جسم الإنسان ودمر مناعته الجسدية بشكل كبير، في هذه المرحلة، قد تظهر بعض الأعراض على المريض، فقد يصاب بالإسهال الشديد، وفقدان سريع للوزن، وارتفاع في درجة حرارة الجسم، ويشعر المريض كذلك بضيق في التنفس.
المرحلة الثالثة: وهي المرحلة الأخيرة من الإصابة بهذا الفيروس، تبدأ الأعراض الأكثر خطورة بالظهور على جسم الإنسان بشكل واضح، فيصبح أكثر عرضة للإصابة بالسرطانات المختلفة، والالتهابات الرئوية الحادة، بينما تكون الأعراض المزمنة التي تلازم المريض تتخلص في الآتي: الإسهال المزمن، والصداع الدائم، وفقدان كبير للوزن، وحدوث اضطراب في الرؤية، وظهور نقاط بيضاء دائمة وجروح غريبة في اللسان وجوف الفم، كما ويعاني المريض من القشعريرة الدائمة أو الحمى الدائمة وكذلك من التعرق الليلي الزائد.
يعتمد تشخيص مرض الإيدز في الشخص المصاب بفيروس HIV على وجود دلائل وأعراض معينة، فمنذ الخامس من يونيو لعام 1981 ظهرت العديد من التعريفات المستخلصة من عملية المراقبة التي قام بها علم الوبائيات، ففحص الإيدز هو فحص يقيس استجابة جهاز المناعة لفيروس نقص المناعة، ويتكون من مضادات الأجسام التي يتم إنتاجها بتأثير الإصابة.
في هذه الحالات يمكن فحص الإصابة بفيروس نقص المناعة بقياس الفيروس الموجود في الدم فالطريقة الرئيسية لاكتشاف وجود فيروس نقص المناعة هي فحص عينة من الدم بحثًا عن وجود مضادات الأجسام (نوع من البروتين يحارب المرض) المقاومة للفيروس.
مضادات الأجسام المقاومة لفيروس نقص المناعة لا تصل عادة إلى مستويات يمكن اكتشافها إلا بعد الإصابة بأسبوع إلى ثلاثة أسابيع، وفي بعض الأحيان يستغرق الأمر ستة شهور لتتكون المضادات بكميات تظهر في فحوصات الدم العادية.
يجرى فحص فيروس نقص المناعة أيضًا على عينات من اللعاب والبول وكما يجري الآن استخدام نوعين من فحوصات تشخيص الإصابة بفيروس نقص المناعة، هما : ELISA و Western Blot.
إذا كان من المحتمل احتمالًا كبيرًا أن يكون شخص ما مصابًا بفيروس نقص المناعة، ومع ذلك كانت نتائج كلا الفحصين له سلبية، فقد يقوم الطبيب بإجراء الفحص اللازم لمعرفة وجود الفيروس نفسه في الدم، وإعادة فحص مضادات الأجسام فيما بعد عندما يزداد احتمال تكوّن مضادات الأجسام المقاومة للفيروس.
العلاج:
عند اكتشاف فيروس الإيدز للمرة الأولى في سنوات الـ 80 من القرن الماضي، لم يكن يتوفر إلا القليل من الأدوية لعلاج فيروس الإيدز. ولكن منذ ذلك الوقت، تم تطوير العديد من الأدوية لعلاجه، وقد ساعدت هذه الأنواع من علاج العديد من الأشخاص بما في ذلك الأطفال ورفعت من جودة حياتهم.
يقدر الباحثون في معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (National Institutes of Health – NIH) أن علاج الإيدز والأدوية المضادة للفيروسات القهقرية التي أعطيت للمرضى المصابين بمرض الإيدز في الولايات المتحدة منذ العام 1989 منحت هؤلاء المرضى إضافة تُعد ببضع سنوات على مؤملات الحياة لديهم. لكن أيًّا من هذه الأدوية لا يشكل علاجًا شافيًا لمرض الإيدز، ناهيك عن أن للعديد منها أعراضًا جانبية قاسية، إضافة إلى كونها مكلفة جدًا.
وزيادة على هذا كله فإن علاج الإيدز وتناول مثل هذه الأدوية لسنوات طويلة، تزيد أحيانًا عن 20 سنة، يُفقدها مفعولها ونجاحها نظرًا لأن العديد من المرضى المصابين بمرض الإيدز المعالَجين بها يطورون قدرة على تحملها ومقاومتها فلا يعودون يتأثرون بها.
وعلى ضوء ذلك أجريت أبحاث حثيثة لتطوير وإنتاج أدوية جديدة تكون قادرة على مساعدة هؤلاء المرضى المصابين.
من خلال تلك الأبحاث تمكن العلماء في الآونة الأخيرة من ملاحظة خلايا CD4 T، وهي خلايا دم بيضاء يستهدفها فيروس نقص المناعة البشرية HIV بالذات ويدمرها حتى إذا لم تكن تعاني أي أعراض، فإن تطورات عدوى فيروس نقص المناعة البشرية لمرض الإيدز تحدث عند انخفاض عدد خلايا CD4 T لأقل من 200. تتركز عمليات الاستقصاء العلمي لواقعة شفاء ثاني مريض في العالم من فيروس HIV المسبب للإيدز على أحد الجينات الوراثية لكرات الدم البيضاء.
كان الرجل الذي أصبح معروفًا بلقب “مريض لندن” مصابا بفيروس HIV وبنوع من سرطان الدم يعرف باسم ليمفوما هودجكين. وقد استجاب بنجاح لعملية زراعة نخاع عظمي من متبرع يتمتع بمقاومة جينية نادرة لكرات الدم البيضاء لعدوى الإصابة بالفيروس، وأدت زراعة النخاع لشفاء الرجل من مرض السرطان وفيروس HIV.
ويتيح التقدم الطبي رصد الإصابة بالفيروس مبكرًا، ويمكن للأدوية الجديدة السيطرة عليه، كما أن هناك سبلًا لمنع انتشاره. وتمنح حالة “مريض لندن” الأمل للعلماء والباحثين الذين أمضوا عشرات السنين في البحث عن سبل للقضاء على الإيدز. وقالت شارون لوين الخبيرة بهذا الفيروس إن عاملين كانا على الأرجح وراء شفاء هذا المريض يتمثلان في المقاومة الجينية والأثر الجانبي لزرع النخاع الذي هاجم خلايا المناعة.
بينما قالت لوين الرئيسة المشاركة بمجلس الأبحاث العلاجية الاستشاري بالجمعية الدولية للإيدز والباحثة بمعهد دوهرتي بأستراليا “النخاع العظمي الجديد مقاوم لفيروسHIV، كما أنه يعمل بنشاط على القضاء على أي خلايا مصابة بالفيروس”. وكان الفيروس قد اختفى من جسد صاحب حالة الشفاء الأولى تيموثي راي براون المعروف بلقب “مريض برلين” بعلاج مماثل تمت فيه زراعة خلايا جذعية عام 2007.
وانطوت تلك العملية على هدم جهاز المناعة لديه وزراعة خلايا جذعية بتحوير جين يطلق عليه اسم CCR5 مقاوم لفيروس HIV، ويستخدم فيروس الإيدز الجين CCR5 للنفاذ إلى الخلايا، إلا أنه لا يستطيع إصابتها إذا كان الجين محورًا، وشبه ستيفن ديكس خبير فيروس HIV بجامعة كاليفورنيا أثر هذا التحوير بمعركة ضارية بين جهازين مناعيين، فخلايا المناعة المزروعة من المتبرع بالجسم تبحث عن كل خلايا المناعة في جسد المريض وتدمرها، بما فيها الخلايا التي يمكن لفيروس HIV الاختباء فيها، غير أن عمليات الزراعة هذه معقدة وباهظة الكلفة، وفي غاية الخطورة على المرضى إذ قد تؤدي إلى الوفاة.
وقالت روينا جونستون مديرة الأبحاث بمؤسسة أمفار الأميركية لأبحاث الإيدز إن فرقًا في معامل بمختلف أنحاء العالم وشركات أدوية تُجري دراسات علاجية في مراحلها الأولى. غير أن فكرة البحث عن علاج ينطوي على زراعة النخاع للقضاء على الأجهزة المناعية لكل المصابين بفيروس HIV وإبدالها مجهضة من البداية.
ويتمتع عدد كبير من المرضى الوقت الحالي بقدر جيد من السيطرة على المرض والتعايش معه بعلاجات مثل دواء بيكتارفي المضاد للفيروسات الرجعية، ويجمع بين ثلاثة أدوية في قرص واحد يوميًا. وقال أنتوني فاوتشي مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية “أفضّل تناول القرص الواحد يوميًا بقدر ضئيل جدًا من المواد السامة على المجازفة بشيء في خطورة عملية الزرع”.
وتؤكد حالة “مريض لندن” -وفق فاوتشي وآخرين- أهمية استخدام عنصرين هما المقاومة الجينية للجين CCR5 وتوصيلها لكل الخلايا، وبفضل تلك الطريقة العلاجية الجديدة تم الإعلان عن الحالة الثالثة التي تعالت تمامًا من مرض قتَل الملايين على مستوى العالم.