يوهان كرويف يزرع، وتاريخ برشلونة يحصد
هكذا صارت الأمور من ١١٩عامًا من تاريخ إنشاء واحدٍ من أكبر الأندية في تاريخ كرة القدم وأمتعهم كرويًا في رأي الكثيرين، إنه نادي برشلونة الإسباني صاحب فلسفة اللاماسيا والتي تعني المزرعة وبطل قصتها يوهان كرويف.
بدأت أحداث القصة على طاولة جلس عليها ٢١ لاعبًا من الفريق ومدربهم لويس أراجونيس أمام جوسيب لويس نوتيز– رئيس النادي-
بدأ إسناد الحديث إلى اللاعب خوسيا رامون متحدثًا باسم لاعبي الفريق قائلًا: “سيدي الرئيس، أنت فضَّلت مصلحتك الشخصية على النادي، أنت لا تحبنا كلاعبين، ولكن تحب نفسك فقط؛ لذا نطالب بالرحيل…”
صارت الأمور أسوأ، فبرشلونة – صاحب المراكز الأولى دائمًا في جدول الترتيب، وطرف من طرفي نهائي البطولة الأوروبية -صار في مركزٍ متأخر في الليجا.
الإحباط يسود والوضع أصبح على وشك الانهيار، هنا يبقى منطق المجازفة هو الحل الأمثل حينما لا يكون هناك ما تخسره أو بالمسمى الأفضل تكون أوراق اللعبة قد نفذت بالشكل الكامل.
خطوةً ليست بالهينة قام بها رئيس النادي، الذي اجتمعت الآراء حول رحيله في أقرب فرصة ممكنة.. قرر عزل مدرب الفريق لويس أراجينوس من منصبه، وعين بدلًا منه يوهان كرويف -المدرب الفائز بكأس هولندا مرتين متتاليتين مع اياكس، ومُتوَّج ببطولة أوروبا لأندية أبطال الكؤوس-لكن هل ينجح كرويف في ظل هذه الفوضى داخل جدران كاتالونيا!؟
هذا السؤال دار في ذهن الكثيرين بدايةً من رئيس النادي الذي ألقى بآخر أوراقه وهو يعلم أن نجاحها لا يتخطى ال ٥٠٪، والمدرب ذاته الذي يعلم أن هذه المغامرة قد تفلح للأبد أو تُحطِّم جدران صمدت طويلًا. والجماهير تشاهد العرض وسط حالة من حبس الأنفاس في أحد أهم مشاهد العرض.
بدأت سطور الرواية بدراما كبيرة حيث أن المدرب الجديد قرر بيع ١٥لاعبًا من بينهم لاعبين كبار أمثال: ( رامون كالديري، وڤيكتور مونوز، وبيرند شوستر- الذي انتقل للغريم ريال مدريد-)
مع إضافة ١٢اسمًا جديدًا، أمثال: (أوزيبيو- أحد أساطير خط الوسط الدفاعي في تاريخ كرة القدم)
ورغم كم الاستغناءات التي قام بها كرويف إلا أنه احتفظ بالقائد أليكسانكو، الذي كان يمثل القائد الحقيقي للفريق وللَّاعبين داخل وخارج الملعب.
بدأ تغيير الأداء نتيجة تغيير فلسفة برشلونة بشكلٍ خاص وفلسفة كرة القدم ولاعبيها بشكلٍ عام، فبعدما كان العالم يعترف بلاعب كرة القدم إذا كان ذا قوة بدنية ومواصفات جسدية قوية، غَيَّرَ كرويف هذا المفهوم وأصبح لاعب كرة القدم الحقيقي هو ذاك اللاعب صاحب القدرات العقلية والمهارة العالية، فذكر يروكن: “أنا لا أريد لاعبين في أجسام المصارعين فـ كرة القدم هي رياضة العقل والمهارة.” وأضاف قائلًا: “كان لدي لاعبون من نوعية (ألبيرت فيرير، وجويرمو أمور) لاعبون كانوا يمررون الكرة على الأرض بطريقة مبهرة، لكنهم ليسوا طوال القامة أو أقوياء البنية فتجدهم مثل الفئران؛ يتسللون بين المدافعين فيرفعون نسق الضغط على المنافسين.”
من هنا أعلن كرويف حدوث تغيير جذري في كرة القدم ومعايير اختيار اللاعب.
فعادت برشلونة إلى الحياة مرة أخرى، وظهرت بالشكل الأمثل فيما يعرف بتيكتيكا اللاماسيا مُنصَّعَة باسم كاتلونيا العريقة، فعادت الألقاب مرةً أخرى إلى خزائن النادي التي كان وجودها أمرًا بديهيًّا، ولمَ لا! وأنت تشاهد كرة قدم يعجب منها أساتذة العالم في الكرة ويتمتع بها مشاهدو العرض في ساحات “الكامب نو” وخارجه.
كرويف بدأ الرحلة بتغيير الخطة من (٤-٣-٢-١) إلى (٤-٣-٣) وعمَّمَهَا في كل فرق الناشئين داخل النادي، وبالفعل نجحت الخطة وفرضها على أسلوب لعب الفريق بكل عناصره، فكان المنتج نجومًا تركت تاريخًا طويلًا بعد ذلك، أمثال (ألبيرت وجويرميو، اموروسرجي باروخان) هذه الأسماء لم يكن يتخطى طولها ١٨٠سم باستثناء جوارديولا، وهنا إثبات تام على صحة خطة كرويف، فهذه الأسماء خاضت أكثر من ١٠٠٠ مباراةٍ بألوان البارسا.
نعود الآن إلى أوزبييو.. فكنا قد تركناه منذ قليل وهو أُولَى صفقات كرويف، وبعد أعوامٍ طويلة منذ ذلك الحين، ويجلس الآن على مقاعد جيرونا ومن قبله ريال سوسيداد كمدير فني لهذه الفرق، وكان قبلها مدربًا لهذه الفرق ومن قبلها مدربًا للفريق الثاني في برشلونة عام ٢٠١٥م.
يقول أوزيبيو: “مرّ ٢٨عامًا على رحيل كرويف عن برشلونة، لكنني دائمًا أشم رائحته في طريقة لعب فريقي، كرويف غَيَّرَ كرة القدم في برشلونة وفي إسبانيا ككل والجميع من بعده يسير على دربه.
بعد مرور أعوامٍ وأعوام على ذلك التغيير الجذري في طريقة اللعب وأداء برشلونة، ووصولًا إلى يومِنا هذا عاد برشلونة لنفس طريقة اللعب، فبات برشلونة لا يعتمد بشكلٍ كُلي على الصفقات المُبْرَمَة في كل فترة انتقالات، خاصًة مع ظهور الفرق أصحاب الأموال الطائلة، والتي من الصعب مقارنتها في حرب الانتقالات، فأصبح الاعتماد بالشكل الأكبر على تصعيد اللاعبين الشباب ليكونوا أعمدةً جديدة للفريق كما حدث مع أسطورة كرة القدم الحيَّة وأفضل لاعب في تاريخ المستديرة.. ليونيل ميسي.
وعلى الرغم من اعتراض البعض على عودة برشلونة لطريقة اللاماسيا في الآونة الأخيرة أمثال: ( بيدرو- لاعب برشلونة السابق- وغيره من اللاعبين) فإن برشلونة يكون أفضل عندما يعود بالذهن إلى طريقة مَن كان له الفضل الكبير في وصول برشلونة إلى هذا الكم من الأرقام والألقاب، فهنيئًا كرويف.. فما زالت اللاماسيا على قيد الحياة!