كيف يرى بيب جوارديولا كرة القدم!
في عالم تدريب كرة القدم، تظهر لغة النظر إلى اللعبة، فالمدرب يحاكي كرة القدم كي يتعلم منها، ويملك القدرة على التعامل معاها كيفما يريد… وإذا تسائلنا عن مدى رؤية بيب جوارديولا لكرة القدم فإننا نجد أنفسنا أمام تجربةٍ تحتاج لمزيدٍ من البحث والتنقيب كي نجدَ الطريقة الفضلى أو التفسير الأفضل لرؤيته لها.
وهذه النقطة تذهب بنا لبداية بيب جوارديولا ممارسةَ مهنة التدريب، فعندما سمعنا عنه كان أحدُ مدربين فرق الناشئين في نادي برشلونة الإسباني، والقادم بعد فترةِ تعثر حدثت في العام 2007، ورئيس متواجد بالنادي يسعى لعمل طفرة في تاريخ الفريق… هنا بدأت الحكاية وبدأ جوارديولا يحاكي كرة القدم في شكل لم نرَ له مثيلًا من قبل، لم نكن نعرف عنه الكثير وهناك الكثير من المتابعين والمحللين توقعوا سقوطَه السريع لأنه لن يستطيعَ قيادة هؤلاء اللاعبين للعودة والظهور بشكلٍ مشرّف لهم!
“أينشتاين كان مهووسًا بموتزارت، قال أنه بينما بيتهوفن صنع الموسيقى.. موزتزرات عثر عليها كما لو أنها تُرِكَت له في الكون!”
كذلك فى كرة القدم وخصوصًا الكرة الهجومية، الجميع بدأوا ممارسة التدريب.. منهم مَن أبدع هنا، ومَن أبدع هناك، لكن بيب جوارديولا وجد سحرَ ومتعة كرة القدم بفلسفةٍ تتناسب مع رؤيته للعبة وبدأ في صياغة أفكاره فيما يُسمى بمنظومة “التيكي تاكا” حينها ذهب جوارديولا لمكانةٍ بعيدة تاركًا المنافسين في منطقةٍ متأخرة عنه.. شيئًا فشيئًا رأينا ثمارَ هذه الرؤية تُتَرجَم إلى ألقاب وأرقام لم نعتادَ عليها في كرة القدم، رأيناه يجعل فريقَه يسجل أهدافًا غزيرة في دقائقَ معينة من المباراة، وفي كل مرةٍ لا يستطيع أحدٌ إيقافَه ولا أحد يستطيع حفظَ الرتم الذي يقدمه جوارديولا في أرض الملعب.
وفي إحدى المرات ذهب أحد الإعلاميين إلى إحدى تدريبات فريق برشلونة تحت قيادة بيب جوارديولا، لأنه قرر أن يرى كيف يتدرب هؤلاء اللاعبون الذين لا يقومون بارتكاب أخطاءً فى تمرير الكرة على الرغم من أنهم يقومون بتمريرها لمدة 90 دقيقة دون أن يشعروا بالملل؟! حينها رأى جوارديولا في إحدى فقراته التدريبية يجعل كل لاعبٍ يقف في مكانه المحدد فى الملعب، ويضع على عينيه شارةً سوداء تحجب عنه الرؤية تمامًا، ويأمر اللاعبيين بالمناداة على حامل الكرة الذي لا يتحرك وينتظر حتى يسمع من أين يأتيه الصوت حتى يمرر الكرة في هذا الاتجاه!!
من اللحظة الأولى التي تقرأ فيها هذه الكلمات تشعر بانبهارٍ يملؤه قليلٌ من عدم القدرة على التصديق بما يحدث… جوارديولا استطاع أن يجعل دقةَ تمرير لاعبيه في أحسن ما يكون، جعلهم يصلون إلى جودة في الإحساس بالكرة والملعب أعلى من المعدل الطبيعى لباقي اللاعبين…
أيضًا إذا ذهبنا إلى فكرة افتكاك الكرة، جوارديولا جعلهم من أغرب قاطعي الكرة فى العالم، أعلم أنك ستقول باستنكار: هم يمتلكون الكرة طوال المباراة فكيف يفقدوها؟! وهنا أتحدث عن لحظاتٍ قليلة نادرة كانت تحدث من الفرق الأخرى، فعندما يقومون بقطع الكرات تجد مجموعةً مكونة من 3 أو 4 لاعبين يحاصرون مالك الكرة كي يستردوها في ثوانٍ قليلة تمضي بعد فقدان الكرة.. هنا طبق بيب جوارديولا إحدى طرق الضغط العالي على الخصم في استرداد الكرات بأسرع وقت ممكن…
من ناحيةٍ أخرى، وجدناه يعطي اللاعبين تعليماتٍ تجعلهم قادرين على تأدية دورهم على أحسن وجه بشكلٍ غريب، وهنا أقصد بها الطريقة التي كان يعطي بها التعليمات، فبعد رحيلِه عن برشلونة رأينا أحد اللاعبين يذكر بأنه كان يهتم بأدق التفاصيل ويشرح لكل لاعبٍ على حدة أهمية وكيفية الدور الذي سيؤديه في أرض الملعب بشكلٍ تفصيلي بدون أي إضافات تصدر من اللاعبين -ما عدا اللاعبين المبدعين فقط هم من تم السماح لهم ببعض الإضافات، وعلى رأسِهم ميسي- وهكذا حوّلهم جوارديولا من مجرد لاعبي كرة قدم إلى سحرةٍ من الطراز الرفيع…
إذًا فمن الممكن أن ترى مدربين يرون كرةَ القدم على أنها مجموعةٌ من أحد عشر لاعبًا يتم تحريكُهم بواسطة تعليماتٍ مباشرة ليس إلا… الفيلسوف جوارديولا رآها بشكلٍ لم يرَه أحدٌ قبلَه، استطاع أن يجدَ فلسفةً تجعلَه يستطيعُ تقديمَ أفكارٍ تبدو للعاقل كأنها دربٌ من الجنون الذي لا يتوقف أبدًا…!