الجزء المنسي في عالم كرة القدم
في الحياة تجارب كثيرة وآراء مختلفة ولكل شخص حياة حافلة بالنجاحات والفشل، يتذكر كُلٌّ منا النجاحات فقط.. نراها صوب أعيننا طوال الوقت لكن من منا يتذكَّرها على هيئة نجاحات مثل ألقاب كرة القدم وهناك من يُريد أن يتذكّر الكيفية التي نجح بها وتغلب على سقوطاته لأنها تجعله يشعر بقيمة نجاحاته.
لعل الوضع ينطبق أيضًا على عالم الساحرة المستديرة، هناك من يتذكر الفترات الكبيرة للمدربين والأندية ويحصرها في الأرقام التي وصلوا إليها والألقاب التي أنجزوها وفي المقابل هناك من يريد أن يتذكرها بالكيفية التي حقق بها هؤلاء الألقاب والطرق التي لعبوا بها.
ظلموك يا ساكي

أريجو ساكي
عندما تتذكر “أريجو ساكي” فإنك تتحدث عن الألقاب التي غزا بها العالم في التسعينات لكنك لا تُريد أن تتحدث عن أنه دافع بسياسة الليبرو والدفاع المتقدم والضغط المتواصل على الخصم وكيف أنه جعل المسافة بين خط الوسط والدفاع 25 مترًا، أنت لا تريد أن تتذكر تكتيك الشبح الذي قام به “ساكي” ليجعل لَاعِبِيه يتدربون بدون كرة وكيف جعلهم يركزون أكثر على تصرفات الغير لتوقع أي أفعال يقوم بها الخصم… أنت لا تريد أن تتذكر هذه التفاصيل، فقط تريد الألقاب التي حققها وتختزل نجاحاته في أرقامٍ بسيطة جدًا وهذا ظلمٌ كبير جدًا.
قللوا من شأنك يا كرويف

الجميع يعشق “كرويف”، يعشق فكرة تأسيسه لمجد برشلونة وأنه بدأ الفترة الذهبية لبرشلونة فالفريق من قبله لم يكن من الكبار على الساحة العالمية لكن بعد قدومه إلى القلعة الكتالونية أصبح فريق تاريخي… لكنهم أيضًا قاموا باختزال مجهوداته في مجموعة ألقاب لعينة حققها الرجل كي يُوضع اسمُه بين الكبار ولم يتحدث أحدهم عن أنه جعل الجميع يهتم بمدرسة اللاماسيا “مدرسة الناشئين في برشلونة” وطبَّقَ طريقة أياكس في اكتشاف المواهب في أعمارٍ صغيرة وتدريبهم على دقة التمرير والاستحواذ ولم يتحدث أحدٌ عن سياسة الكرة الهجومية التي وضعها الرجل في أرجاء برشلونة… فعندما تتحدث عن “كرويف” في برشلونة عليك أن تضع عينيك تجاه أسلوبه وليس ألقابه.
حتى الأب الروحي لم يسلم من بين أيديهم

“أنشيلوتي” الأب الروحي للكرة الأوروبية في العقد الحالي من الكرة الحديثة هو أيضًا لم يسلم من الفكرة التقليدية، هم يتذكرونه فقط في الألقاب التي حققها والدوريات التي غزاها لكنهم لا يتحدثون عن طريقة سيطرته على الأمور الداخلية والكواليس والتفاصيل التي تحكم بها، لم يتحدث أحدٌ عن قيادته الحكيمة للأندية التي دربها، لم يتحدث أحدٌ عن أنه حكم أوروبا مع ميلان بين 2005 و2000 وكيف أنه بعد ذلك قاد ريال مدريد يمشوارٍ صعب فشل فيه من سبقوه لتحقيق البطولة العاشرة أوروبيًّا للملكي بينما هو حققها بإدارته الناجحة، لم يتحدث أحدٌ عن قوته التكتيكية في أرض الملعب.
سقطت من نظرهم يا بيلسا

بيلسا
“بيلسا” هو أحد أهم المدربين في عالم كرة القدم، مدرب يغفل عنه الكثيرون، لأنه لم يُدرب أحد الكبار ولأنه لم يُحقق الألقابَ العالمية التي يُريد الجميع أن يسمعها… “بيلسا” هو أحد أساتذة الكرة الشاملة والذي قدم لكرةِ القدم الكثيرَ من الأفكار وكونه مدرسة تخرج منها مدربون مثل “بوتشيتينو” مدرب توتنهام والعديد من المدربين، واستنسخ منه “جوارديولا” بعضَ الأفكار التي طورها في منظومة “التيكي تاكا” التي أبهرت الجميع.
هكذا هو “بيلسا” كما يجب أن نتذكره.
خدعوك فقالوا
خدعوك فقالوا أنها لعبة أرقامٍ فقط، إنما هي قصص وخبايا في الداخل.. تفاصيل تحدث لا يفهمها إلا قلة قليلة جدًا، فلا يفهم أحدٌ كيف كانت تفاصيل نجاح اليونان لتحقيق اليورو في 2004 وكيف قادهم “ريهاجل” لتحقيق المعجزة، كيف حَوَّلَ ليڤربول تأخره بثلاثية ليُسجل ثلاثية في ست دقائق فيما يُسمى بمعجزةٍ إسطنبول وتفاصيل أُخرى يغلب عنها أشخاص أثرت عليهم السطحية الرقمية في تذكر أمجاد كرة القدم وأعتقد أنهم فئةٌ غافلة عن المتعة الأساسية التي تُصدرها كرة القدم والتي يجب أن نحظى بها جميعًا حتى نفرح ونسعد بكرةِ القدم كما يجب أن تكون.
هكذا هي الأحوال
أحوال البشر والصفات الإنسانية تُجبرهم على ذلك، أنت كإنسان تُريد أن تتذكر الأشياء التي تهتم بها على هيئة قصص، لا تُحب الإحصائيات تُريد أن تستمتع بالكواليس وما حدث وراء الستار بعد أن ترى نتائجَه، لأنك تهوى أن تعرف ما لا تفهمه حتى تشعر بالاستمتاع الكامل والنشوة العقلية.
كيف يتوجب علينا أن نذكرهم؟

قالها “جوارديولا” بدون أية شكوك، تحدى الجميع بعد مسيرة حافلة بالألقاب والحكايات وأخبر الجميع عن الطريقة التي يُحب أن يتذكره بها الآخرون فيما بعد في أحد اللقاءات الصحفية:
“إذا تذكَّرونا سيحدث ذلك لأنهم تمتعوا بمشاهدتنا، لكنهم إن تذكَّرونا بعد 25 عام من الآن لن يتحدثوا عن الألقاب التي حققناها وإنما سيتحدثون عن الطريقة التي لعبنا بها.”
إذًا الطريقة هي التي تحكم الأمور والتي يجب أن نتذكرهم بها، الطريقة التي غزا بها “ساكي” أوروبا مع الميلان والتي قام “بيلا غوتمان” بإيقاف قطار الريال الأوروبي في الستينات والطريقة التي بنى بها “كرويف” منظومة البارسا والطريقة التي جمع بها “ديل بوسكي” أساطير كرة القدم في منظومة الجلاكتيكوس المدريدي.. سأظل أتذكر كيف أبهرنا ليڤربول في معجزة إسطنبول والطريقة التي لعب بها “جوارديولا” مع برشلونة والطريقة التي لعب بها “زيدان” مع الريال في الفترة الأخيرة، نعم عليَّ الاعتراف أنني استمعت بالطريقة عوضًا عن الألقاب التي حققوها جميعًا، لأن الطريقة هي السر الأعظم في عالمِ كرة القدم.