البرد الدافئ
هل يعقل أن طقس يحتضن البشر ، أن برودة تأتى بدفئ وان كان ليس بالدفئ الجسدى ولكن الروحى .. يصطدم النسيم بوجوهنا ، ولن يمر مرور الكرام ، لكنه يتسلل أعماقنا حتى يصل الى أقصى الروح ، فأينما اختبئت السعادة تنبعث وتطفو..
إِنه الطقس المنتظر .. الذى تنمو به عواطفنا ويزداد فيه الدوبامين ونصل الى الشغف والبهجة التى طالما بحثنا عنها بداخلنا ولكنها ظهرت عندما سمعنا صوت مطر ممزوج بكلمات الشتاء ، إِذ أنه صوت فيروز ..
فيروز التى وقعت فى غرام الشتاء وغنت له ، وكأن الشتاء هو بداية إِلتقاء الأحبة ، كأن المشاعر التى تولد تحت المطر لا تنتهى , وكأن الحب يختلف هنا .. قد يكون نقاء المطر كالقلوب فكل منها حينها يتحدث بصدق , يسعد بصدق , يشعر بصدق ..
يأتى درويش هنا ” كنت أحب الشتاء “
“هواء يرى من بعيد على فرس تحمل الغيم … بيضاء بيضاء . كنت أحب الشتاء ، وأمشى إِلى موعدى فرحا مرحا فى الفضاء المبلل . كانت فتاتى تنشف شعرى القصير بشعر طويل .. ترعرع فى القمح والكستناء . ولا تكتفى بالغناء : أنا والشتاء نحبك ، فابق إِذا معنا ! “..
إِنه طقس العودة الى الطفولة ، والجرى تحت المطر فى هذه الأجواء .. أجواء احتضان الأهل والأصدقاء والأحبة ، نوع من الإِحتضان الغير مألوف الذى نحتاج له جميعنا كى نشعر أننا بخير ، كى يداوى كل جرح بداخلنا ، ليخمد الالام ويرفعنا إِلى طرق نتمناها ونودع كل المطبات التى مررنا بها .. شعور كالِإِرتفاع الى السماء فجأة ولمس النجوم .. فإِنه الشعور الذى لا يضاهيه شعور قط .. فإِنه يقتلع الحزن من الجذور ..
وإِن كان هناك تضاد لهذه السعادة العارمة .. الحزن الحى الذى ينبت من جديد ، فربما قصة انتهت فى مثل هذه الأيام ، أو فقدان شخص عزيز ذهب ولم يعد .. ولكنه حزن من نوع صحى لأنه يعيد الذكريات فنسبح بها كأنها حية أمامنا ونستطيع لمسها والغوص فيها ، فنشعر بالسعادة لكوننا نستطيع استخراج السعادة من الألم ..
إِنه طقس الحنين ، العطش إِلى ما كان والإِنحناء بجانب الزجاج لمشاهدة قطرات المطر وعدم الشجاعة على الشعور بها تسرى على الجسد ، البرودة الشديدة ولكن لهيب القلب فى هذه المرة يدفئ كل ما هو بارد ويحل الظلام .. ظلام الحنين النابع من عثرات الانتظار ، والمدفون فى أنحاء ما بداخلنا لا نستطيع الوصول اليها ولكنها تفرض نفسها خروجا فى الشتاء .. الشتاء المدلل الذى يشعر حقا بما يحدث لنا ويعلم بمدى حاجتنا له ..
مرضى بالأمل نحن ..
أرى أن هذا المرض هو الوحيد الذى لا يجب البحث له عن دواء .. انه المرض الصحى الحقيقى الذى يمنعنا من رؤيه الحقائق وتوقف العقل لبرهة وإِطلاق المساحة الهائلة للقلب ليكون له الكلمة الأولى والأخيرة ، إِطلاق الخيال للتأمل والقلب للنبض والنفس لمروره بدون عوائق أو ألم ينغصه كما هو حالنا ، إِطلاق الأحلام لتذهب كل منها أينما شاءت حتى تلمس السماء وان كانت تصل بعدها أيضا فلا بأس ..