عقدان وعامان ولم أدنُ من الاكتفاء

عِقدان وعامان، هو الحاصل الزمني لما قضيته من عُمرٍ،  وعلى الرغمِ من شُعوري النسبي بِكِبَر هذا العدد إلا أنني لم أدنُ يومًا من الاكتفاء. كَجميعِ من يسردون حِكَمهم المُتعلقة بالحياةِ في جمل كـ “الدنيا دَوَّارة” وأن “الفراق هو سنة الحياة”، اعتقدتُ أنني قد أتقنتُ التَفرُسَ في وُجوه الناس؛ وبالتالي اختيار من ألغي بيني وبينهم ما أفرض عادةً من حواجز -والتي هي قليلة أصلًا- بل وأُعطي لنفسي الحَقَّ في الحُكْمِ عليهم. ولكن ذلك لم يَكن سِوَى نقصًا في فهمي لذاتي، وتسرعًا  في وَضعها في مَوضِع يربو لأن تُقَارَنَ فيهِ بغيرها من النُفوس؛ فكم بلغتُ أنا من الكمال حتى أوزّع نسبًا  على الآخرين؟ في تلك النقطة تحديدًا يَكمن أنه “لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”، وفي تلك النقطة تحديدًا وجدتني أغبِطُ أصحاب الذنوب التي عصمني الله منها على صلتهم بالله في مَواضعِ يَشُوبها الكثير من الضَعفِ عندي، بل ورُبما أيضًا الانعدام. عِقدان وعامان، ومازلت ألجأ لصديقاتي حين أحتاج عقلًا! فأولئك المُعتَدُّون بأنفسهم، الزاعمون أنهم لم يثقوا يومًا سِوى بعقولهم، لا أفهمهم .. فبينما أني قد عشت معي أطول علاقةٍ في حياتي، لازلتُ أقود مشاعري ببعض المُبالغَة، والكثيرُ الكثيرُ من التَهور، وأحتاج دومًا أن تُخبرني فاطمة أني قد أظلم أحدهم بهذه الطريقة، أو أن تُخبرني نسرين أني آخذ هذا الأمر بجديةٍ غير مبررة، بل وفي اتجاهٍ خاطئ،  وأن تذكِّرني مَريَم أن بداخلي مُضغة تحتاج لأن تعيش ببساطة! عِقدان وعامان، لم يُعنِ أن أُمضِي جُلَّهُم في مسؤولياتٍ بسيطةٍ أني قد أتقنت إحداها. فبينما يتنافس الجميع في عدد سنوات خِبرتهم في مجالٍ ما زاعمين أن هذا هو مقياس الحِرفية، ها أنا عند تَغيُّر الفُصول أحاول إطلاق إحدى مهاراتي فلا أجدها. ورَغم أنني أحفظُ عن ظهره أنه “يجب أن يحب ما يعمل حتى يعمل ما يحب”..  أجدني دائمًا أنتظر حُضورَ قَلبي في كُل شيءٍ فلا يحضر ؛ مُدَلَّلٌ لم يُخبره أحدٌ أن المستَقبَل يستقبِل فقط أولئك الذين يُقَدِّمون قرابين الاجتهاد والمثابرة، ليُهديهم بعض الإرادة المغلفة بالنجاح. عِقدان وعامان، ولا تسلني عن اهتماماتي، فَجميع الإجابات صحيحةٌ وَخاطئة. فبينما أنت تقرأ مقالي ربما اعتَقَدتَ أنني كاتبةٌ، فهل تعلمُ ما أولُ ما يَنصَحون به الكُتَّاب؟ ينصحونهم بالقراءة، بالكثيرِ من القراءة والتي هي أثقل أعمال الدنيا على قلبي وأكثرُها مللًا إذا سألتني، غَيرَ أنني أحترم حقاً من يكتبون، فقط لا أقرأ. عِقدان وعامان، لا أؤمن بالتاريخ، أؤمن فقط بالبشر. فبينما يُعيد التاريخ نفسه، لا يتَنَبَّأ قُرَّاءُه بنتائج الإعادات! وَحدها خِبرات البشر الفردية وانطباعاتهم تَستَحِقُّ أن تُقرأ، لهذا استمع للجميع، بل واستمتع بالجميع. ولولا هذا الضيق الذي ورثته مؤخرًا من ضغوطات الحياة لَتَعرفت على كل من ألقاهم يوميًا، فهذا حقًا ما أحب؛ محادثةٌ عشوائيةٌ أحلل كلَّ كلمةٍ قيلت فيها، فمصدر تلك الكلمة هو جزء من تاريخ المستقبل، مصدر تلك الكلمة إنسان تَجَمَّع فيه واحد من سبعة مليارات من خبرات الحاضر، نسبةٌ قليلة؟ لم تُحزر. أجدني دومًا في مواقف الآخرين، كأحد أبطال قصصه، وهُنا فقط يحق لي أن أقارن بين ردود أفعالهم وما كنت لأفعله مكانهم، وهذه فقط هي الخبرات التي أؤمن بها. عِقدان وعامان، بسببهم تعتقد أمي أنني لم أعد صغيرتها المتهورة؛ فهل يوجد بداخلي ما أفتخر به سوى التهور؟ ففي المفارقة بين التهور والإقدام، ربما يُستَحسَنُ أن أختار الإقدام، فلن تجد مُقْدِمًا يندم على ما أَقدَمَ عليه من إيجابية. لكن عندما تتلخص حصيلة خبراتي الشخصية في أخطاء، فأنا أعترف أنني مازلت مُتهورة؛ لكن بعكس المتهورين، فقد تعلمت ألا أندم.

هذا الإدمان إذًا هو ما سَأُمضي فيه عِقدَيَّ التاليين، أدرينالين التجارب الجديدة.