من الأرجنتين لبقية العالم.. مع راقص التانجو أحمد قمر

Comments 0

تخيل معنا أنك تمسك بالكمان، يدك اليسرى تتلاعب بالأوتار محددةً النغم أمّا اليمنى فهي السحر؛ تمسك بالقوس واصلةً حركته في الجزء الأول من اللحن. تحرّك القوس باستمرارية (ليجاتو في لغة الموسيقى) فنسمع صوت النغمات متصلًا. الآن راقب اتصال حركة الراقصين بطرف عينيك، راقب اتصال أقدامهما في حركة من العناقات مستمرة مع الموسيقى. ثم انتقل للجزء الثاني في المقطوعة، لا تزال اليد اليسرى تختار النغمات ولكن اليمنى تقطّع حركة القوس (ستاكاتو في لغة الموسيقى) وبطرف عينيك راقب تقاطيع حركة الراقصين التي أضافتها هذه الحركة الموسيقية البسيطة لرقصتهما. اضغط الآن بقوة على القوس عند اختيار النغمات في الجزء الأخير من المقطوعة (فورتيسيمو في لغة الموسيقى) فيتحركان بشكل مفعم بالقوة والحيوية.

بداية الرحلة

ربما شاهدت مشهد آل باتشينو الشهير في فيلم Scent of a woman، رقصة التانجو تلك على بساطتها كانت ملهمة لصديقنا أحمد قمر في عمر الأربعة عشر سنة ليكتشف اتصاله بهذا النوع من الرقص. موسيقى خلابة للموسيقار كارلوس جاردل (por una cabaza) وحركات متوافقة بين الراقصين بكل جمال وأناقة. رقصة تخطف القلب لقدرتها على التعبير عن المشاعر والأحاسيس التي يشعر بها الراقص في بضع حركات ومن هنا كانت الرحلة.  

https://www.youtube.com/watch?v=KXCiLub8DZg

 كانت بدايته في الرابعة عشر من عمره واستمر قمر أكثر من عشر سنوات ممارسًا لرقصة التانجو. كانت بداية احترافه لها في عام 2013 راقصًا محترفًا ومدربًا في الإسكندرية. يخبرنا قمر عن رحلته الطويلة مع التانجو أنه كان مساحة أساسيّة له على المستوى النفسي السايكولوچي والمستوى الروحاني لاكتساب العديد من الأشياء؛ تبدأ من استعادته لإحساسه واكتشاف ذاته وإضافة الجرأة لشكل حركة ومشية جسده وذوقه الفنيّ والموسيقيّ. 

التعبير والأداء الجسدي في التانجو

كل المشاعر والأحاسيس  تستحق التعبير، وفي التانجو نعبّر عن كل شيء

تانجو

يقول أحمد قمر أنّ الرقص يرتبط بحالته النفسيّة فيقول أن التأهب والارتباط بالحالة الداخلية والنفسية تحس به عضلات الظهر والصدر والقدمين، يقوم بضبط طريقة وقوفه ويستشعر كل عضلة تتحرك أو تتأهب للحركة في جسده، وأنهما للراقص تمامًا مثل الممثل هما العاملان الرئيسيان لنجاح الرقصة. فكما يقول أستشعر الطاقة تتخللني فأحس أنّي أمتلك القوة المناسبة للحركة في مساحة الرقص المحيطة بي، أنا الآن المتحكم في هذه المساحة والقادر على التحرك مجسدًا ما أشعر به فيها وقيادة الشريكة بالطريقة الأمثل.

ومثل التمرينات الرياضية يجب على الراقص أن يحس بكل جزء بسيط يتحرك في جسده حتى لا تقوم عضلة بأداء حركة في غير محلها، وعند هذه الحالة، عندها فقط يبدأ الراقص باستشعار اتصاله مع ساحة الرقص والشريكة ويظهر مفهوميّ الانسيابية والتدفق في الحركة. 

الرقص دون روح وإحساس حقيقيين يتحول لأداء روتيني لبعض الحركات 

أحمد قمر 

القيادة والمتابعة في التانجو (Leading and Following)   

في التانجو كما في الرقصات الاجتماعية التي لا تتم بدون شريك، هناك مصطلحان وهما القيادة والمتابعة (Lead and follow)، يقوم الراقص بأداء حركاته ويقدم إشارة أو فكرة أو نيّة لشريكته حتى تتحرك معه بالطريقة التي يريدها، لا يمكن أن تقوم برقص التانجو منفردًا بكل تأكيد والقيادة السليمة تحتاج قدرة وحسًّا استثنائيًّا للتواصل. فيقول قمر الرقص كالحياة لا يمكنك أن ترقص وحدك فالرقص كالحوار (Dialogue) مبني على التفاهم بين طرفين متناغمين يتحركان سويًا بإحساس عالٍ لأداء حركاتهما وغياب ذلك يؤدي لفشل الرقصة وهذا ما أقوم بتدريب الشباب عليه دائمًا.

التانجو وعلاقة جاردل وبيازولا

كارلوس جاردل مؤلف التانجو الفرنسي الأصل كان فنانًا متعدد المواهب بين التلحين والغناء والتمثيل، ففي أوائل القرن العشرين ساعد جاردل في نشر التانجو في أوروبا بين الطبقات الغنية بالأخص بعد أعماله السينمائية التي مثّل وغنى فيها، أمّا النصف الثاني من القرن العشرين فكانت الشهرة الأكبر لأستور بيازولا المؤلف الأرچنتيني وعازف الباندانيون الشهير

قام بيازولا بعمل طفرة نوعيّة في موسيقى التانجو ودمج عناصر من موسيقى الجاز والموسيقى الكلاسيكية وسمي تانجو بيازولا بتانجو نويفو الجديد (Tango Neuvo) ويمكننا مقارنة أعمال المؤلفين بالاستماع لنسخة موسيقى Por una Cabaza من الإثنين، فعلى الرغم من أنه لحن واحد إلا أن النسختين يختلفان عن بعضها. 

وأمّا اللقاء الذي جمع الاثنين فكان عام 1934 حينما سافر جاردل لنيويورك للعمل على أحد أفلامه وصادف أن قابل بيازولا صاحب الثلاثة عشرة سنة حينها حيث لعب دور بائع جرائد في فيلمه وفي حفلة من حفلات جاردل أعطى فرصة لبيازولا لعزف موسيقى Arrabal amerco في أول مرة يستشعر فيها بيازولا طعم موسيقى التانجو بعد أن كانت علاقته مع الموسيقى مرتبطة بأعياد وحفلات اليهود في المعبد اليهودي في أيام السبت حيث كان عمله المتواضع في تنظيف ووضع المينورا أو الشموع. 

روح الرقص  

يقول قمر أنه يستطيع الرقص على مؤلفات جارديل وبيازولا وذلك عن طريق خلق قصص لحظيّة لما يشعر به من خلال الموسيقى. يخلق القصة في ذهنه ويتواصل مع شريكته في الرقص التي بدورها تخلق قصة أخرى، وتكون نقطة الاتصال هي المشاعر التي تضفيها الموسيقى على قلبيهما. 

حتى في نقلات السلالم والألحان يستطيع قمر بالإحساس أن يتوقع تغيّر الموسيقى وبالتالي يستعد لخلق مشهد جديد في قصته الذهنية قبل أن يعرضها في رقصته، لذلك يجيب قمر على سؤالنا حول أكثر الفتيات التي يحب الرقص معهن، بأنه يحب صاحبة الشعور الحيّ القادرة على تجسيد اللحظة الحاضرة ولا تنتظر منه في كل مرة إشارة لبدء الحركة. فتكون الرقصة حوارًا بين شعورين وحسين وليس جسدين آليين. 

في رقص التانجو مساحات كبيرة من التعبير الجسدي والشعوري يمكننا أن نستكشف ذاتنا ونرتقي بقدرتنا على التواصل مع الآخر ومع جسدنا فقط بأن نترك هذه الثقة العمياء في أننا نفهم أنفسنا حق الفهم، نترك ذواتنا للتيار لنستكشف كل دفقة جديدة بداخلنا مع الحياة المتغيرة المتدفقة دائمًا وأبدًا، السلام والرضا النفسيين لا يتحققان بالإنكار بل بالتعبير وهكذا يستطيع التانجو أن يساعدنا على اكتشاف لحظات تستحق الحياة.