عن كتاب تكوين مصر للكاتب محمد شفيق غربال
“لا يجب اعتبار الدولة شيئا أفضل من كونها اتفاقا على المشاركة في المنافع ، بل هي مشاركة في العلوم كافة ، ومشاركة في الفنون كافة ، و مشاركة في الفضائل كافة، و في الكمال كله”
لمشاهدة المقال على قناتنا على اليوتيوب:
تكوين مصر عبر العصور
خلال برنامج إذاعى باللغة الانجليزية فى ستينيات القرن الماضي، قدم الدكتور محمد شفيق غربال رؤيته حول تكوين مصر، تم تفريغ وترجمة الحلقات فى كتاب يحمل اسم تكوين مصر عبر العصور.
لكن من هو الدكتور محمد شفيق غربال؟
ولد بالإسكندرية عام 1894 ودرس بها حتى المرحلة الثانوية، وانتقل إلى القاهرة ليلتحق بمدرسة المعلمين العليا، وأكمل دراسته بجامعة ليفربول إبان الحرب العاليمة الأولى، وأشرف على رسالة الماجيستر الخاصة به المؤرخ البريطانى الشهير (أرنولد توبيني)، وبعد عودته إلى مصر عمل أستاذً بجامعة القاهرة، وهو أول من تولى منصب كرسي أساتذة بكلية الاداب قسم تاريخ، و قام بإنشاء الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وكان عضوًا بالمجمع العلمى المصري ومجمع اللغة العربية.

والآن… ننتقل إلى محتويات الكتاب
يبدأ كاتبنا بمعارضة الجملة الشهيرة لهيرودت مصر هبة النيل، ويرى كاتبنا أن مصر كما شكلتها الطبيعة… فقد شكَّلها الإنسان، ليؤكد أن مصر هبة المصريين، ولا يعطي أهمية للمسائل المتعلقة بأصل المصريين أو جنسهم، فهو يرى أن المصري هو كل من وصف نفسه بهذا الوصف ولا يشعر بشيء ما يربطه بشعب أو وطن اخر، مهما كان أسلافه غرباء عن مصر، وليؤكد على مقولته بأن مصر هبة المصريين يقول “تأمل النيل مجتاز. آلاف الاميال… هل تجد على طول مجراه إلا مصر واحدة؟” بل إن المصريين حين واجهوا أزمات جفاف النيل في بداية تشكل مصر، تمسكوا بالبقاء ولم يرحلوا عنها، فمصر هبة المصريين.
الاستمرار والتغيير فى تاريخ مصر، يرسي الكاتب فكرة أن التفاعل بين المبدئين المتقابلين (مبدأ الاستمرار ومبدأ التغيير) .. يكون مادة التاريخ، ويستعرض الكاتب التغيرات الاجتماعية والثقافية التي حدثت فى مصر، ويعتمد الكاتب فى رصد هذه التغيرات على ما أطلق عليه (ملازمة الوقائع)، حيث يقوم بفصل النواة الأساسية للثقافة المصرية، ثم ملاحظة ما تأثر تلك النواة بما طرأ عليها من مؤثرات فى الحياة المصرية، ليخلص إلى قول المسيو رينان عن مصر.
“إن مصر ولدت مكتملة النمو وكأنما ولدت شيخًا هرمًا وأنها كانت تتسم بسمات الطفولة والشيخوخة معًا”
ويضيف الكاتب أن الفلاح المصري فى القرن التاسع عشر وكأنما يعيش كما كان يعيش أجداده في عصر الأهرام، ويتوقف أيضًا عن ملاحظة شديدة الاهمية، وهي أن المعلومات التي لدينا عن حال مصر إنما مصدرها جانب واحد، جانب أجنبي فإن الإغريق اليهود ومن إليهم من الغرباء هم الذين رووا عن المصريين ما رووا، وهى ملاحظة يجدر بنا أخذها بالاعتبار فهم من رسموا صورة شعب متهجم عبوس عنيد ومحافظ يكره كل ما هو غريب عنه فهل هذه هى حقيقة المصريين فعلًا؟
الإنسان والمجتمع فى مصر
يبدأ الدكتور محمد شفيق غربال هذا الفصل بتساؤل، هل خُلق الفرد من أجل الجماعة؟ أو خلقت الجماعة من أجل الفرد ؟
يذهب الكاتب إلى دور العقيدة الدينية على اختلافها لدى المصريين، وأنها لم تُرجِّح كفة الفرد فى مواجهة المجتمع، ويرى أن مصر هي من تفرض نوع الحياة على المصريين، فالإنسان المصري شديد التعلق بقريته أو حيه أو مدينته.. بمجتمعه، مهما ساءت الاحوال .. أو توالت الكوارث.
المدينة والريف في تاريخ مصر، يخبرنا الكاتب أنه على الرغم من أنه كان لمصر مراكز حضرية، إلا أن الحضارة مع ذلك كانت حضارة الريف وسكان الريف، ففي مصر القديمة كانت هناك أقاليم.. ولكنها فى حقيقة الأمر كانت قرى كبيرة، وبعد زوال العصر الفرعونى كانت للمدينة المقام الاول، وكان الإسكندر الأكبر هو أول من أزاح الستار عن ذلك الفصل الجديد، فكان يري ” أى الاسكندر الأكبر” أن المدينة هي حجر الزاوية فى الإمبراطورية.
أما في العصر الإسلامي، فكانت المدينة هي المسيطرة والمهيمنة، فثقافة مصر الإسلامية ثقافة حضارية، ثم ظهر توجه جديد فى عصرنا الحديث، إدماج المدينة والريف فى فكرة المواطنة المشتركة ونمو فكرة الدولة.
يمكنك أيضًا قراءة: الصراع الدائم بين الفصحى والعامية