حياتك على رقعة شطرنج

Comments 0

مرحباً عزيزي القارئ، دعنا نأخذ جولة صغيرة بداخل متاهات أفكاري علَّنا نصل سويًا إلى مخرج، وربما لا نصل! ولكننا قد نكتشفها معًا فنجد ما يسرنا، لكني لا أعدك بشيء، فأنا مثلك لا أدري ماذا سأقابل عند المنعطف القادم…

ولكي نبدأ رحلتنا دعني أسألك بعض الأسئلة، هل لعبتَ الشطرنج يومًا؟ هل لمست من قبل قطَعَه الصماء تلك؟ هل راودتك أحلام كأحلام العصرية عندما تدب فيها الحياة وتتفاعل معك؟ أيًا كانت إجابتك فربما لديك بعض المعلومات السطحية عنه أو على أقله تعرف أنه هناك ما يُدعى بالشطرنج، وهذا كل ما نحتاجه.

وإذا لم تراودك أحلام العصرية؛ كمطاردة أحد قطع الشطرنج لك، فلِمَ لا نصنع لك واحدًا؟ فلتخلق معي في خيالك حياة قد تتماثل فيها قطع الشطرنج مع حياتك الخاصة. والآن لنبدأ اللُعبة!

لنلق بأوراقنا كلها ونماثل الصورة كاملة، وبداية حياتنا بانطلاق عداد الوقت الخاص ببداية مباراتك، ولكي نجعل هناك بعض الإنصاف، فلنجعل البداية مع أول مرة ستفكر فيها مع نفسك، أو لنقل عند بداية اختبار الحياة الحقيقي وتبدأ بأخذ قرارتك بملء إرادتك، لتكن الفترة السابقة هي فترة تعلمك لقواعد اللعبة، وستحدد حركاتك القادمة أي الخطط تعلمت ومن علمك قواعد هذه اللعبة بالأساس، ولتعلم عزيزي القارئ أنه كان من المفترض أن تلتزم بمدة ستحددها بنفسك قبل أن تبدأ، ولكن لنصعب الأمور أكثر فأنت لا تعلم ما الوقت الذي ستأخذه المباراة بأكملها، وكل خطوة ستأخذ من الوقت الكلي ما تأخذه، ولا يعنيني بتاتًا أي قطعة ستحرك ومدى فاعليتها على المباراة بأكلمها، ولا تظن أني أُضيق عليك الخناق، ولكن هذه هي القواعد الأساسية في الأصل لرحلتنا.

والآن لنحرك أول بيدق (جندي) وننتظر الحياة لتدلي بأولى خطواتها، بعد أول حركة ستبدأ الاحتمالات في التزايد فكل خطوة ستخطوها تزيد من عشوائية الوضع، فبعد الخطوة الثالثة مثلًا يصبح هناك ثمانية مليون موضع محتمل لقطع الشطرنج، وعندها ستبدأ في التخلي عن قلقك بعض الشيء وستحتاج أن تتبع استراتيجيتك الخاصة وتركزها على هدفك الأساسي. وبطبيعة الحياة فلن تفوز باللعبة إلا بتقديم بعض التضحيات، مع عدم فرضية أنك تلاعب هاويًا بالطبع فهذا خارج الاحتمالات، فلربما تضحي ببعض من بيادقك والتي قد نماثلها بالعاديات لمجرد الوصول لهدفك، وهذا يعني بالأساس وجود هذا الهدف.

فإذا بدأت بحماية بيادقك وبدأت في التراخي ناحية أوراقك المهمة فسأضمن لك خسارة مذلة، بل وسريعة! أما إذا بدأت بتقييم نفسك بعض الشيء ومعرفة نقاط قوتك وأي قطعة تستطيع استخدامها بحرفية وأيها سيدعمك لآخر الوقت، فلربما تفوز، أو على أقل تقدير تماطل حتى انتهاء الوقت.

وقد توضع أمام خيارات عدة، فلربما تحتاج للتضحية بأقوى وأكبر قطعك لمجرد أن تتخطى أعتى عقباتك وتطيح بالملكتين لمجرد أن تعطي لنفسك بعض المتنفس، أو على صعيد آخر لتتخلص من خوفك من فقده بالأساس أو لتشكيل ملكة خصمك خطرًا عليك، أو لربما تستغل إحدى العاديات لدعم نقاط قوتك إما كهواية ومهنة أو أن تهرب بها من صخب الحياة و تحظى ببعض الراحة أو ما يسميه البعض (الهروب من الواقع) فتحمي إحدى قطعك ببيدق فلا يجرؤ أحد على مهاجمتك، أو على أقله تبدأ في تضييق الخناق على حركات بعض قطع الخصم، وقد تمتلك مهارة التلاعب بكلامك كما يتلاعب الحصان بين خطوط العدو، فتذهب إلى بيت الأسد وتخرج دون أن يَمسَّك سوء لمجرد أنك بارع بمهارة معينة تعطيك أفضلية على خصومك.

وقد يكون القدر رحيمًا بك أحيانا وتخسر كل قطعك ولكن تنتهي اللعبة بالتعادل، فإذا شُلت حركة ملكك ولم يبقَ معك غيره وامتلك خصمك كل لوازم الفوز فستعتبرك الحياة تعادلت معها، وتخرج أنت مرفوع الرأس ولكنك قد بللت سروالك في الأساس!

ولكن الفشل الذريع يكمن في أغلب الأحيان في التركيز على رقعة ما داخل اللعبة (كعملك مثلًا) وغيرها من الفرضيات التي سأتركها لمخيلتك. وإهمال باقي الرقعة الأصلية، فلربما تبدأ بالتلاعب بخصمك وتتمايل حول ملكه يمينًا ويسارًا لمجرد التمتع بإهانته فيباغتك هو بحركة تكلل كل هذا بخسارة تمس كرامتك! بل إنها تأخذها من أعلى جبل إلى أسفل سفحه لمجرد أنك تعاليت عليها وظننت أنك بدأت تملكها، وقد تتفاجأ بحركات لم تتوقعها مع كل احتياطاتك وتأميناتك فمن يتدارك تلك المباغتات ويكمل طريقه فسيكلل فوزه ببعض الفخر، أما من يتداعى تفكيره ولا يلملم شتات نفسه وينهار فما هي إلا مسألة وقت حتى يتجرع هزيمة مذلة!

أحيانًا ستجبرك الحياة على خوض معارك دامية تجبرك فيها على اللعب بجميع أوراقك دفعة واحدة، وأحيانًا تقرر التراخي عن فعلةٍ كهذه، وفي الحقيقة لا أعلم أي استراتيجية هي الأنجح، ولكن ما أعرفه أنه يجب عليك أن تعي بنسبة كبيرة ما تفعل، فكل خطوة ستكلفك، ولا نعلم الأقوى والأثمن بينهم، بإمكانك إسقاط هذا المنظور على فترات أو على الكل، أيهما تحب.

عليك أيضًا أن تعرف أي قطعة ستحمي وأي القطع أكثر أهمية، أهو الملك أم الملكة؟ فلربما تخسر أقوى قطعك ولكن سيمكنك إكمال المباراة، ولربما تحمي أقواها وتنسى مغزى اللعبة من الأساس وهو الوصول بملكك سالمًا إلى النهاية.
 قد يكره البعض مبدأ هذه اللعبة بما تحويه من إيحاءات الحرب والتضحية بالجنود لأجل القادة وأنا أكره هذا التشبيه أيضًا، من منَّا لا يكره الحرب!

ولأضعك في الصورة أكثر، إن كنت من محبي أفلام الإثارة والتشويق فسترى جانبًا من أفكاري في فيلم “Sherlock Holmes: a game of shadow” فسنرى المحقق والمجرم يتلاعب بعضهم ببعض، ينتصر أحدهما على الآخر في جولة، وما يلبث أن يرد عليه الآخر، ولربما تلاحظ أيضًا وجود بعض الاعتلال الفكري فيهما، بل ويصفهما البعض بالمختلين، وأتمنى ألا يجلب لك هذا عزيزي القارئ مثل هذه الاعتقادات ناحيتي، فلقد أخبرتك منذ البداية أننا لا نعلم ماذا سنجد في تلك المتاهة!

فأنا أحيانًا أعلَق بها لأيام، ولحسن الحظ هذه المرة لم تأخذ رحلتنا دقائق بل وأظننا شارفنا على الوصول، لا أعلم إن استنتجت شيئًا من المسارات التي اتبعناها أو أي كلمة رسمناها مع كل خطوة نخطوها داخل هذه المتاهة، وإذا جذبت انتباهك الآن يمكنك تتبع تلك الخطوات مرة أخرى علَّك تستكشف تلك الأحجية الصغيرة، أو لربما كنت أعرف الطريق من الأساس وأردت أن أُحادثك قليلًا، أتمنى ألا تستاء..

و إن شعرت ببعض السوء فلك كامل اعتذاراتي، ولكن أتمنى أن تكون قد رأيت المخرج، سأتركك الآن لتعثر عليه بنفسك، ونرى هل فهمت ما أعنيه أم لا! وسأعود أنا لأكتشف متاهاتي الأخرى.

انتهت.