تطور علم التاريخ في الحضارة الاسلامية
مقدمة:
لاريب أن علم التاريخ بدأ مع بداية وجود المجتمع الإنساني نفسة منذ بدأ الإنسان يسجل مظاهر حياتة بشكل أو بأخر ، مبتكرا بذلك مجالا جديدا لمعرفة الإنسان بذاته ولا شك أن هذا النمط المعرفي قد جاء تلبية لحاجات اجتماعية فرضت نفسها منذ البداية على الجماعات الأنسانية ، ومن ثم من الجائز أن نقرر أن للتاريخ وظيفة اجتماعية من حيث أنة يلبي حاجة الجماعة البشرية إلى معرفة ذاتها.
تعريف علم التاريخ:
قد جاء في تعريف علم التاريخ أنة معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعادتهم وصنائع أشخاصهم وأنسابهم ووفياتهم ، إلى غير ذلك وموضوعه أحوال الأشخاص الماضية من الأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء والملوك والشعراء وغيرهم ، والغرض من علم التاريخ الوقوف علي الأحوال الماضية ، وفائدته العبرة بتلك الأحوال والتناصح بها وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تقلبات الزمن ليحترز من تقلبات وعدم تكرار أخطاء الماضي وكذلك يستجلب نظائرها من المنافع وهذا العلم يفيدنا التخطيط للمستقبل.
وصف علم التاريخ:
اتصف علم التاريخ الإسلامي بالأصالة والاستقلال ، لنشأته من داخل المجتمع الإسلامي تلبية لحاجات هذا المجتمع وأغراضه ولم يكن التاريخ الأسلامي ظلا لما عند الآخرين اقتباسا لأعمالهم التاريخية وأفكارهم عنة كما كان تلبية لشعور المؤرخين الديني ومتمما للعلوم الدينية وكان التقويم الهجري الأساس الذي اتخذه التاريخ الإسلامي في تسجيل أحداثه وتحديد أزمنة.
الدراسات التاريخية:
بدأت الدراسات التاريخية الإسلامية حيث قامت في البداية على سيرة الرسول وأخبار غزواته ومن اشترك فيها من الصحابة وتسجيل أخبار هجرة المسلمين الأوائل إلى الحبشة ثم المدينة المنورة وكانت مكة والمدينة المركز الرئيسي لنشاط هذه الحركة التاريخية وكان المؤرخون يعتمدون على الروايات الشفهية كما كان يفعل المحدثون ، وبهذا تعد كتب المغازي والسيرة أقدم الكتب التاريخية التي تجمع بين الحديث والتاريخ ، وكان سبب الاهتمام هو اهتمام المسلمين بأقوال الرسول وأفعاله للاهتداء بها والاعتماد عليها.
علماء التاريخ الأسلامي:
كان من أشهر علماء التاريخ الاسلامي ابان بن عثمان بن عفان ، ومحمد بن شهاب الزهري ، وابن إسحاق ، واعوانة بن الحكم الكلبي ، ويوسف بن عمر الكوفي ، المدائني الذي يعد من أهم الاخبارين وذلك لاعتماده على كثير من الاسناد في الحديث اكثر من غيرة واتباع أسلوب المحدثين في نقد الروايات وتمحيصها وتنظيمها.
مناهج الكتابة التاريخية:
كتب السيرة النبوية:
حيث دفع اهتمام المسلمين بأقوال الرسول وافعاله الاهتداء بها والاعتماد عليها في التشريع الإسلامي والنظم الإدارية الكتاب إلى التصنيف في سيرة الرسول ويمكن تقسيم رواة السيرة إلي ثلاث طبقات الاولى من أبرز رجالها عروة بن الزبير بن العوام ، وأبان بن عثمان ، وشرحبيل بن سعد ، والطبقة الثانية محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ويعد من أبرز وأعظم مؤرخ سيرة الرسول ، أما الطبقة الثالثة ومن أشهر رجالها محمد بن اسحاق وتنسب إليه أقدم كتب السيرة التي وصلتنا في سيرة الرسول علية افضل الصلاة والسلام.
كتب الطبقات:
عرفت الثقافة التاريخية الإسلامية منذ وقت مبكر كتب الطبقات وهي تلك التي تتعلق بتدوين الحديث الشريف وتوثيقه فأدى ذلك إلى النظر في اسانيد الحديث وأحوال الرواة ومن ثم ولادة فكر الطبقات نفسها.
إقرأ أيضًا: اسهامات المسلمين للعالم في علم الجغرافيا
كتب التراجم:
وهي مصنفات تعرض لسير حياة المشاهير من الناس التي تجمعهم صفة الشهرة وفي مجال تخصصهم وبشكل موسوعي وتتناول الأدباء والعلماء والقادة والخلفاء واشهرها “معجم الأدباء” لياقوت الحموي ، “أسد الغابة في معرفة الصحابة” لابن الأثير ، “ووفيات الأعيان” أحمد بن ابراهيم بن خلكان ، ومن أشهر كتب التراجم “فوات الوفيات” لابن شاكر الكتبي.
كتب الفتوح:
وهي التي اهتمت فتوح الأمصار والبلدان مثل كتاب “فتوح مصر” وكتاب “فتح المغرب والأندلس” لابن عبد الحكم 257 هجريا وكتاب ” فتوح البلدان” للبلاذري كتاب “فتوح الشام ” للواقدي.

كتب الأنساب:
وتهتم بأنساب العرب وأصولهم وقد كان للعرب ولع خاص بهذا العلم ، نظرا للعصبية القبلية التي كانت متأصلة فيهم قبل الإسلام وكان من أشهر النسابين محمد بن السائب الكلبي صاحب كتاب “جمهرة النسب” ومصعب الزبيري مؤلف كتاب ” نسب قريش” ، وهناك ايضا كتاب ” جمهرة أنساب العرب ” لابن حزم الأندلسي.
التواريخ المحلية:
وهي المصنفات التاريخية التي كرست لتاريخ بلد معين بكثير من التفاصيل ومن أشهرها كتاب “ولاة مصر وقضاتها” لابن عمر الكندي ، “وكتاب تاريخ بغداد” للخطيب البغدادي ، وكتاب “تاريخ دمشق” لعلي بن حسن العساكر ويقع الكتاب في ثمانين مجلدا وكتاب “البيان المغرب في أخبار المغرب” لابن عذاري ، وكتاب ” النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة” لجمال الدين يوسف بن تغري بردي في سنة 874 هجريا.

كتب التواريخ العامة:
توسعت اهتمام المؤرخين فنشأت إلى جانب السير والتراجم مؤلفات أرحب وأوسع وأشمل يطلق عليها كتب التواريخ العامة ، وهي التي تعني بكتابة التاريخ مسلسلا وفق تعاقب السنين ويسجل فيها المؤرخ تاريخ البشرية منذ بدء الخليقة ، مرورا بالرسالات السماوية قبل الاسلام كذلك التاريخ الجاهلي، وعصر النبي والخلفاء الراشدين الي التواريخ الإسلامية اللاحقة.
الكتابة التاريخية:
وهناك صور أخرى من صور الكتابة التاريخية التي أوصلها بعض المؤرخين إلى نحو من ألف نوع من أنواع الكتابة التاريخية وذكر العالم الذهبي أربعين نوعا من الكتابة التاريخية منها السيرة النبوية ، وقصص الأنبياء ، وتاريخ الصحابة ، والخلفاء ، والملوك والدول ، والوزراء ، والأمراء ، والفقهاء والقراء والحفاظ والمحدثين والمؤرخين ، والادباء والزهاد والصوفية والقضاة ، والولاة والمعلمين ، والأطباء والفلاسفة.
اسباب نضح علم التاريخ الأسلامي:
كان وراء نضج علم التاريخ الإسلامي عند العرب والمسلمين عدة عوامل وهي ، دراسات المحدثين وتنميتهم النقدية في تعريف أصول الحديث الشريف وكذلك ظهور الفتوحات الإسلامية وما نجم عنها من احتكاك بشعوب مختلفة لها تاريخها وحضارتها مما دفع المؤرخين العرب إلى استطلاع أمورها ومدوناتها التاريخية ، وكذلك تكامل أطر الدولة العربية الأسلامية وتنوع دواوينها ووفرة ثقافتها ووثائقها التي هي مصدر جوهري للتاريخ الإسلامي ، وكذلك التنافس والصراع السياسي الأدبي بين العرب والموالي .
وكذلك تشجيع الخلفاء والأمراء والسلاطين ورجال الحكم بصفة عامة في المشرق العربي والمغرب والأندلس بل توظيف مؤرخين رسمين للدولة ، وكذلك ظهور حركة الترجمة عن اللغات الأجنبية كالفارسية واليونانية والسريانية وترجمتها الى العربية ، وظهور النهضة الفكرية التي شهدها العصر العباسي بارتقاء العلوم الدينية واللغوية ، وكذلك ظهور المؤسسات والمكتبات العامة مثل مكتبة بيت الحكمة في بغداد ، وكذلك تطور تقنيات الكتابة وتوافر وسائل التدوين ، وتوافر الورق بعد أن تعرف العرب على صناعة الورق في القرن الثاني الهجري وكذلك وفرة النساخين المثقفين.
خاتمة:
ليست الحضارة الإسلامية مجرد حلقة من حلقات التاريخ الإنساني وليست الإسهامات الإسلامية مجرد اضافات الي حضارات الدنيا حيث أن الحضارة الإسلامية قدمت النموذج الحضاري الذي يجب أن يحتذي به من العالم اجمع ، وابرز ما في هذا المقال هي زيادة اهمية الكتابة في هذا الموضوع من الهجمة الشرسة الموجهة إلى الإسلام والمسلمين ووصفهم بالجمود والهمجية حيث أن العالم الغربي ينكر تطور حضارة المسلمين ،وإنما هي حضارة يتحتم على العالم أن يعرفها بل أن يدرسها.
المراجع:
- ماذا قدم المسلمون للعالم ، تأليف راغب السرجاني.
- الرؤية الحضارية للتاريخ ، تأليف قاسم عبده قاسم.
- العبر وديوان المبتدأ والخبر ، تأليف ابن خلدون.
- فجر الإسلام ، تأليف أحمد أمين.
- تاريخ الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى ، تأليف عبد المنعم ماجد.
- سير أعلام النبلاء ، تأليف الذهبي.
- تهذيب التهذيب ، تأليف ابن حجر.
- شذرات الذهب ، تأليف الأصفهاني.
- معجم الأدباء ، تأليف ياقوت الحموي.
- الأعلام ، تأليف الزركلي.
- موقع تاريخ الإسلام إشراف الدكتور راغب السرجاني.