أحمد خالد توفيق .. كيف تميز عن غيره؟
“بل الموت يختار ببراعة بل يختار الأجمل والأشجع والأنبل”
أحمد خالد توفيق
الثاني من إبريل عام 2018 كان آخر أيام دكتور أحمد خالد توفيق، اليوم الذي وصل فيه قطاره محطة الإسكندرية يومه الأخير الحياة، شهد فراقًا حزينًا للغاية تابوت بني يتحرك على أكتاف العديد والعديد من الشباب الذين تعلقوا به وأحبوه ومواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التليفزيونية والجميع يتحدثون بلا انقطاع مشهد ليس بغريب لرجل أحبه الناس لكنه غريب على أديب معاصر لم نراه من قبل.
وهذا ما لفت انتباهي وهذا ما سأحاول توضيحه لماذا هو دون غيره وكيف اختلف عن باقي أدباء جيله؟ بالطبع لا يمكننا الاختلاف على مدى تمير د. أحمد خالد توفيق عن غيره من الأدباء فسواء مسيرته الأدبية أو حياته الشخصية فكانت مليئة بالكثير والكثير الذي يمكننا الوقوف عنده.
سنبدأ أولًا بحياته الأدبية:-

” أنا مرهق ظللت أتكلم قرابة الربع قرن بلا توقف، حكيت أشياء كثيرًا وهناك أشياء أكثر لم أحكها بعد. لقد تعبت وأشعر أن كتفي يزنان عدة أطنان.. لكنهم يطالبونني بالمزيد أولئك الذين ارتبطوا بي وارتبطت بهم وأشعر بالمسئولية تجاههم”
الكتابة تعبرعن أنفسنا بشكل ما، يكتب أحدهم بينه وبين نفسه في مذكراته الشخصية التي لن يراها أحد يكتب ما يدور في حياته يكتب عن من يحب وما يحب ولما يحب. وهذا هو بيت القصيدة. لذا ليس بالضرورة حينما تتحول من الكتابة في مذكراتك الشخصية للكتابة على المنصات أو في الكتب أن يتغير ذلك وتكتب أو تقول ما يحب أن يسمعه غيرك لمجرد التربُح وهنا يظهر الفرق.
وأصعب مرحلة لأي كاتب هي بداياته أن يحاول أن ينشر أفكاره وتكون أصعب إن كانت كتاباتك مختلفه عن السوق، وفي حالة د. أحمد خالد توفيق كان الرائج آنذاك هو القصة البوليسية، فأي مجال يختار الكتاب الشاب؟ اختار مجال أدب الرعب الذي قوبل بشيء من الغرابة في البداية لكنه راهن عليه وهذا ما حدث وصار بذلك أول كاتب عربي يصنف كأديب رعب.
وهنا يظهر لنا أول فرق، مجال أدب الرعب مجال جديد ويغامر به وينجح فيه نجاح غير مسبوق. فالرعب كما وصفه كاتبنا هو أنك تقارب الموت ولكن لا تموت نفس فكرة ألعاب الملاهي، السقوط من مكان عالي لكنك لا ترطم بالأرض.
حكايات عمو أحمد خالد توفيق:-
أذكر مرة وقع في طريقي مقال يقدم نصائح للكتاب الشباب وكان هناك نصيحة وقفت عندها وهي أن تكتب سلاسل روايات وتصنع شخصيات يرتبط بها قراءك فينتظرون القصص التالية، لا أعتقد أنها نصيحة سليمة لكنه أظن أنها قام بتحليل مسيرة د. أحمد خالد توفيق الأدبية نقلها لمن يخاطبه.
فسلاسلة ما وراء الطبيعة التي قدم فيها 80 عددًا وسفاري وفانتازيا لاقت ارتباطًا قويًا مع جمهوره، وأبطال أعماله كان لها نصيًا وخاصة شخصيته الأشهر رفعت إسماعيل التي نالت نصيبًا من المحبة أكثر من كاتبها وشخصية علاء وشخصية عبير التي استمدها من فتاة كان يراها تقرأ بنهم بعيدًا عن صخب العالم، جميعها شخصيات مختلفه لكنها تتفق فيما بينها لأنها تشبنا كثيرًا بها ما بها من العيوب والمميزات شخصيات عادية جدا تخوض مغامرات فقط بعقلها. فعند قراءة أي من كتبك سيجد القاريء بعضًا منه ومن عيوبه فيها.
والسبب الأخير والأهم في نظري لانتشار سلاسلة، فلم تقدم فقط للتسلية وهذا ما لمسته عندما قرأت حب في أغسطس العدد 36 من سلسلة فنتازيا، فبعدما انتهيت منها وجدت نفسي ملم بأحداث هيروشيما والقنبلة الذرية، فتفتح آفاقًا كثير أما قراءها لاكتساب ثقافات متنوعة ويعرف قصة دراكولا وشخصيات مثل جمال حمدان وسميراميس وأدباء ونظريات سياسية التي يكتسبها بشكل غير مباشر.
وشيء آخر يظهر فيه الاختلاف هنا فهو حرصه الشديد في استخدام ألفاظه وتقديم رسائلة من خلال تلك السلاسل، لأنه يخاطب في سلاسلة فئة صغيرة السن تحبه ومتعلقه به، قد تتأثر بأي شيء يقوله. ويؤكد دائمًا على ذلك فذكر في أحد لقاءاته أن أحد معجبيه أخبره أن صديق له بدأ في شرب السجائر متأثرًا بشخصيته رفعت إسماعيل ومن بعدها توقف بشكل مباشر عن ذكر السجائر في سلسلته. ووصف ذلك بأنه إن كنت أبًا لبنت تقرأ أحد كتبه فلا تقلق ولا تخاف هي الآن مع عمو أحمد خالد توفيق.
والأمر تغير بعض الشيء عند تحوله لكتابة الرواية، ليتكلم بحرية ويتحدث في الجنس والأفكار اللاهوتية، وتحرر أكثر في الكتابة ليخاطب فئة أكبر في السن، وحرص فيها على تقديم أفكار وأشهرها بالطبع رواية يوتوبيا التي تقدم محاكاه بلون الديستوبيا محاكاه لواقع بشكل صريح وقاسي بعض الشيء.
حياته الشخصية:-
بعد البحث في حياته الشخصية التي كانت أشبه بدراكولا، يمارس حياته في الصباح وعند منتصف الليل يخرج دراكولا، كان يمارس حياته كأستاذ لطب المناطق الحارة بجامعة طنطا في الضباح وبعد منتصف الليل يبدأ الدخول لعالم كتابته ويخرج الأديب ليبدأ في الكتابة وينتج أعماله الفنية الكثيرة بلا انقطاع.
وأهم شيء فيها هي سواء كانت حياته الشخصية أو حياته كأديب أنها بدأت وانتهت في بلدة مولده في طنطا وكأنه تحدى الجميع على نجاحه من مدينة بعيده عن العاصمة ليستقل عن سلطتها، وتحدي أيضًا أنه سيأتي بهم لطنطا حتى أن صحفيين غير مصريين عندما طلبوا عمل لقاء معه، أتو به إلى طنطا والتقطوا له صورًا بجوار السيد البدوي باعتباره رمز للمدينة.
وآخر الأسباب وأهمها هو مدى ارتباط هذا الرجل مع الشباب الذين أحبهم وأحبوه بكم تواضع وتلقائية وداعم كبير لهم وبشخصية لم تتغير كما تغير الجميع وكما خذلنا الجميع.
علاقته بالسينما
تمنى أن يقدم عملًا فنيًا يعرض في السينما لحبه الشديد لها، الأمر الذي حاول فيه مرات لكنها لم تكتمل وذلك من تأثير بعده عن العاصمة، ولكن بعد وفاته ما حدث كان غير متوقعًا.
رفعت إسماعيل يخرج من إطار ورقات روايات جيب “ما وراء الطبيعة” ليُعرض على نتفلكس أول مسلسل مصري يتعاون معها، في نقلةٍ قوية للدراما المصرية. وثالث عمل في الشرق الأوسط، سيكون المسلسل من إخراج المخرج عمرو سلامة الذي ترشح عمله الشيخ جاكسون لجائزة الأوسكار عن فيلم أجنبي، مما نرى أنه لا دهشة من اختياره للعمل.

وصرّح عمرو سلامة بعدها قائلًا: “أنا في غاية الحماس لهذا المشروع حيث كان حلمي منذ بداية مشواري في صناعة الأفلام هو تحويل روايات ما وراء الطبيعة، وتقديمها برؤية مختلفة مع الاحتفاظ بروح ما وراء الطبيعة. ولا أستطيع الانتظار لتقديم هذه القصص المثيرة إلى جمهور نتفليكس في 190 دولة حول العالم.”
شهرة غير مسبوقة لأديب مصري لكنها في محلها ولرجل يستحق، والفن من أقوى الوسائل على الإطلاق، وله أخلاقه ومعاييره وشخصيته، واستخدامه بشكل هادف وتقديمه بشكل جميل ومسلي والتعبير عن شخصية الكاتب وتكون شخصية الكاتب عظيمة وغير مفتعلة. خليط يمكننا الوقوف عنده والأخذ منه ومدحه باستمرار. وداعًا أيها العراب.
وداعًا أيها الغريب
أحمد خالد توفيق
كانت اقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة
عسى أن تجد جنتك التى فتشت عنها كثيرًا