عن أهمية النظرية الاجتماعية النقدية

تعتبر المقاربات النظرية وضمنها النظرية النقدية في العلوم الاجتماعية مشاريع نظرية، وشكل من أشكال المعرفة العلمية التي تهم العلوم الاجتماعية بشكل خاص، وهي دائمة الراهنية ما دامت تسعى إلى مواكبة السياقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للاجتماع البشري. 

إنها نظرية نقدية تتجاوز التفسير والشرح، نحو تحديد الكيفية التي يكون للإنسان فيها دور في صنع التغيير، أي أنها تدع المجال واسعًا أمام الأفراد ليصنعوا تاريخهم، فهي ذات مساعٍ نقدية دافعة نحو التغيير. فالنظرية النقدية هي التي تحقق المصلحة الاجتماعية، وتراعي التطور الاجتماعي التاريخي.

كما ترفض النظرية النقدية النظر إلى الوقائع الاجتماعية على أنها أشياء، ومن ثم ترفض طابع الحياد الذي تتسم به الوضعية في دراسة الظواهر الاجتماعية كأشياء، وتحاول في المقابل أن تطرح فكرًا لا يفصل بين النظرية و الممارسة.

وقد وُلدت النظرية النقدية تاريخيًّا في معهد البحوث الاجتماعية في مدينة فرانكفورت، ودخلت في صورة مشروعٍ نظري موحد في وعي الرأي العام. وهي من بين المحاولات التي جرت في التاريخ بين الحربين العالميتين لتطوير الماركسية، وتحتل النظرية النقدية مكانة مهمة،  وما يميزها عن غيرها هو تحديدها المنهجي لأهدافها، وقد وضعت النظرية النقدية جميع فروع البحث في  العلوم الاجتماعية ضمن مشروع نظرية مجتمعية. 

وبما أنها تدرس العالم الاجتماعي فإنها بذلك تسعى إلى تغييره، وذلك  عبر انعتاق الأفراد من ظروف الهيمنة والقهر في مجتمعاتهم،  وأساس ذلك هو الاعتراف بكل الفئات. 

وتعد أفكار (كارل ماركس) الانطلاقة الأولى لهذه النظرية، إلا أن مؤسستها كانت مع مدرسة فرانكفورت في ثلاثينيات القرن العشرين. تأسست النظرية النقدية مدرسةً فكرية بشكل أولي، من خلال منظري مدرسة فرانكفورت: (هربرت ماركوزه)، (وتيودور أدورنو)، و(ماكس هوركهايمر)، و(والتر بنيامين)، و(إريك فروم.). وتأثرت النظرية النقدية الحديثة بالإضافة إلى ذلك، بأعمال (جورج لوكاتشو(أنطونيو جرامشي)، فضلًا عن (الجيل الثاني) من مفكري مدرسة فرنكفورت، وعلى وجه التحديد (يورغن هابرماس).

فالنظرية النقدية في عمل هابرماس  على سبيل المثال، تجاوزت أصولها النظرية في المثالية الألمانية وأحرزت واقتربت بشكل متزايد من البراجماتية الأمريكية. حيث يحثل مفهوم “العقلانية التواصلية” في نظرية هابرماس المكانة المفصلية نفسها التي كان يحتلها مفهوم العقلانية الأداتية في “جدلية التنوير” وكما فعل كل من أدورنو وهوركهايمر، انطلاقًا من شكل ترشيد معالجة الطبيعة، انطلق هابرماس من إمكانات ترشيد الفعل التواصلي، من أجل إعداد دينامية تطور للعملية التاريخية التي توصل للحاضر المدرك على شكل أزمنة.

  ويُعد الاهتمام بفكرة البنية التحتية والبنية الفوقية الاجتماعية، واحدة من المفاهيم الفلسفية الماركسية المتبقية في الكثير من النظرية النقدية المعاصرة تعمل النظرية النقدية فيما بعد الحداثة على تسييس المشكلات الاجتماعية من خلال وضعها في سياقات تاريخية وثقافية، لتدفع بنفسها في عمليات جمع وتحليل البيانات، ونسبية نتائجها. 

ويعتبر (ماركس هوركهايمر) هو أول من حدد ماهية النظرية النقدية، إذ ميز في مقالته “النظرية التقليدية والنظرية النقدية” النظرية النقدية عن التوجه التقليدي للفلسفة الاجتماعية، وذلك بسعي النظرية النقدية إلى التغيير والبحث في أعماق الحياة الاجتماعية وليس فقط فهمها وشرحها. 

وتشكل نظرية  الممارسة لدى “بيير بورديو” واحدة من أبرز النظريات في السوسيولوچيا النقدية التي أفرزت خطاطات نظرية جديدة وراهنية تدرس الحقول المتداخلة في العالم الاجتماعي، حيث يرى بورديو أنه لا وجود لتفسير مطلق للفعل الاجتماعي، لذلك لجأ بيير بورديو إلى تفسير الحياة الاجتماعية من خلال الممارسات التي تخص تاريخ كل مجتمع باعتبار أن الممارسات خالية من التفسير القصدي العقلاني المحض، وإنما هي تلقائية وعملية يحكمها “الهابيتوس”.

وتبين لنا نظرية بيير بورديو  أشكال التمايزات الاجتماعية الدقيقة، التي على أساسها تتم إعادة الإنتاج داخل الحقول وضمن العالم الاجتماعي وبذلك فإن النظرية الاجتماعية النقدية لها راهنيتها ما دامت تُجرَّب وتُنتقَد وتتراكم فيها المعرفة، غنه التراكم المنظم للعلم والمعرفة وهو ما يتيح لنا  وصفًا وتفسيرًا أعمق للوقائع الاجتماعية. 

المراجع:

  1. «هونيت أكسل، الإجتماعي وعالمه الممزق: مقالات في فلسفة اجتماعية، ترجمة: ياسر الصاروط، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى 2019.
  2. «هوركهايمر ماركس»، النظرية التقليدية و النظرية النقدية، ترجمة: ناجي العونلي، بيروت: منشورات الجمل، الطبعة الأولى، 2014.
  3. L. Pinto, Albin Michel, Pierre Bourdieu et la Théorie du monde social, A.M. BB.IDEES , 2014.
  4.  Bourdieu P, Esquisse d’une théorie de la Pratique: précédé de trois études d’ethnologie kabyle,Paris,Seuil.coll,2000