اللاعنف أعظم قوة حظيت بها البشرية

Comments 0

اللاعنف أعظم قوة حظيت بها البشرية

المهاتما غاندي

-العنصرية، العنف، الاستعمار، الاستبداد، الظلم، كلها مظاهر تولد في النفس البشرية الغضب والخوف وتدفعها إلى المقاومة للتخلص من الآثار السلبية التي تتركها ولكن هل العنف هو الحل الوحيد؟

اللاعنف فلسفة قديمة يجب أن تولد من جديد فهي طبيعة إنسانية، غريزة داخل الفرد السوي مشكلتها أن العصر الحالي يميل إلى المادية والانفصالية التي دفعت الإنسان إلى الاغتراب وفقد هويته الإنسانية، وكأنه آلة كل دورها العمل والصراع مع غيره لتحقيق أكبر قدر ممكن من سطوته، وطبعا رفض أي شكل للمقاومة الهادئة.

اللاعنف عند غاندي
غاندي

وهذا الصراع إما يكون بين الأفراد أو بين الدول والمؤسسات في سبيل فرض السيطرة على الأضعف واستغلال إمكانياته وثرواته لمصلحة الأقوى.

وفي سياق توضيح الفرق بين اللاعنفي والسلبي يقول أحد أشهر من استخدموا قوة اللاعنف لتحرير السود من القمع في الولايات المتحدة مارتن لوثر كينغ:

غالبا ما يُعطي مصطلح المقاومة السلبية انطباعا خاطئا بأنّه أسلوب عدم القيام بشيء حيث يقبل المقاومُ الشرَّ بهدوء وسلبية، ولكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، فالمقاوم اللاعنفي يبقى سلبيا لمدة معينة بمعنى أنّه لا يلجأ إلى العنف الجسدي فيتعامل مع الخصم ويبقي عقله وعواطفه في حالة نشطة ويحاول بشكل دائم إقناع هذا الخصم أنه على خطأ.

والفكر الغالب يعتقد أن طريق اللاعنف يتخذ رد فعل واحد إما الاستسلام أو رد العنف، بمعنى أوضح إما اختيار الهرب أو الحرب. والحقيقة أنه في كلا الحالتين سنسمح بالعنف ضدنا أو ضد غيرنا أو سنزيد من العنف بالرد عليه بنفس طريقته، وهذا من وجهة نظر فلسفة اللاعنف لا يعد طريقا أصلا لذلك يقدم لنا طريقا ثالثا للخروج من المعضلة أساسه التعاطف والتعاون، لذلك فاللاعنف أداة فعالة لتحقيق التغيير الاجتماعي والقوى المهيمنة في التطور.

أنت تستخدم اللاعنف أيضا

جميعنا نستخدم فلسفة اللاعنف بدون أن نلاحظ في حياتنا اليومية بأشكال مختلفة.عندما تلتمس العذر لشخص أساء إليك وتقول لنفسك أنك تخطئ مثله فأنت استخدمت طاقة اللاعنف.

عندما تصافح جارك المزعج فأنت تستخدم طاقة اللاعنف وتوجه له رسالتك بشكل هادئ.

عندما وقفت في صفوف المتظاهرين السلميين تطالب بحقوقك فأنت تستخدم طاقة اللاعنف ضد الحكومات.

 عندما تسعى دولة محتلة لتحقيق استقلالها من خلال المنظمات العالمية فإنها تستخدم طاقة اللاعنف أمام المستعمر.

إذا فلسفة اللاعنف لها منهج عام يمكن تطبيقه في جوانب كثيرة سواء شخصيا أو اجتماعيا أو حتى دوليا فالحل ليس دائما العنف واستخدام السلاح فقط، علينا البدء بالعودة إلى إنسانيتنا وتوفير مكونين أساسيين.

أولهما أن تقترن مواقفنا بنوايا سليمة فنحن لا نحتاج أن نكون ضد سلامة أي شخص.

ثانيهما أن نوفر الأدوات المناسبة لتحقيق الهدف من المقاومة على حسب الموقف.

بناء الروح اللاعنفية

الجميع يتعرض لمشاكل ولكن طريقة الحل تختلف حسب الموقف والشخص وهنا يجب عليك أن تصفي خصومتك وليس خصمك. فالبشر عائلة واحدة، مبدأ عام مطلق اتفقت عليه كل الأديان والفلسفات فكن دائما ضد المشاكل وليس ضد الأشخاص.

فهذا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يدعو أتباعه لمساعدة الجميع فسألوه عن كيفية مساعدة الظالم فيقول من خلال رده عن الظلم.

ثم يأتي غاندي بعده بقرون ليقول أن اللاتعاون الحقيقي هو اللاتعاون مع الشر وليس مع الأشرار.
ثم يعلن إبراهام لينكولن في عبارته الشهيرة أن أفضل الطرق لتدمير عدو هي تحويله لصديق.
وهكذا والأمثلة كثيرة ولكن الجميع اتفق على أن الشخص ليس هو المشكلة فالغاية هي الحفاظ على الجميع.

نموذج مانديلا

عند خروجي من السجن أدركت أنني إن لم اترك كراهيتي خلفي فإنني سأظل سجينا، كنت على علم بأن الناس يتوقعون مني شعورا بالحنق تجاه البيض لكنني لم احمل أي ضغينة نحوهم إطلاقا، لقد خف حنقي تجاه البيض داخل السجن ولكن بغضي للنظام العنصري تضاعف.

كلمات رجل سجن سبعة وعشرين عاما بسبب لون بشرته ونضاله ضد العنصرية في جنوب أفريقيا، رجل قرر أن يحارب المشكلة نفسها وليس الإنسان، المرض وليس المريض. نموذج عظيم لتطبيق قوة اللاعنف علم العالم كله في العصر الحديث كيف يتعامل المظلوم في وقت هزيمته ثم في انتصاره.

اللاعنف عند مانديلا
نيلسون مانديلا

تطبيق مثالي لمبدأ نبي الإسلام عند دخوله مكة فقال لمن اعتدوا عليه وطردوه

اذهبوا فأنتم الطلقاء.

مانديلا الذي حارب العنصرية متخطيا حدود بلاده فدافع عن القضية الفلسطينية، وعمل على إنهاء الحرب القبلية في بوروندي، وهاجم الرئيس الأمريكي بوش الابن بسبب حربه على العراق. مانديلا الذي استخدم السلاح والقوة ضد من قاتلوه فقط عندما اضطر لذلك ولكن لم يتخذه منهجا في النضال وصرح أنه الوسيلة الوحيدة المتاحة لدفع العنصريين وأنه بمجرد قبول المفاوضات السلمية سيوقف القتال فورا وهو ما تحقق بالفعل.

“اللاعنف قانون نوعنا” هكذا ببساطة قالها غاندي وكأنه يؤكد على أن طبيعتنا تميل لهذا القانون المبني على الحب والمساواة ومقابلة حتى العدو باللين إلى أن تؤكد له خطأه وتضمه إلى صفوف الإنسانية بدلا من مبادلته العنف بالعنف، لأن ببساطة لو فعلت مثله فأنت في الصفوف الأولى لتطبيق قانون الغابة البعيد كل البعد عن إنسانيتك

الصراع ليس سهلا على الاطلاق لتطبيق هذه الفلسفة فهو قبل أن يكون صراعا جسديا بين طرفين فهو صراع شخصي داخلي مع مشاعرنا الطبيعية ولكن في النهاية ستنتصر الفطرة الإنسانية.

وهذا ما أوضحه الدكتور فاندانا شيفا قائد المقاومة الريفية في الهند خلال محاضرة حديثة قائلا أننا إن لم نتبن اللاعنف فإننا نخاطر بإنسانيتنا.

وبالمثل يقول الناشط العراقي أرام جمال صابر إن اللاعنف قد يكون أصعب وقد يتطلب أيضا تضحية أكبر من العنف ولكن لن تفقد إنسانيتك في هذا العمل.

وإذا كان الضد هو ما يظهر المعنى ويوضحه فبالنظر للحالة التي عاد بها جنود الاحتلال الامريكي بالعراق لبلادهم وكم حالات الانتحار والاكتئاب في صفوف العائدين يمكننا استخلاص حقيقة البشرية الطبيعة.

وأفضل ما ننهي به استعراض كلام بعض الجنود في أحد الأفلام الوثائقية بعد حرب العراق، قال أحد الجنود ” لم أعد أحب أم أكون، لقد فقدت روحي في العراق.”

صرح آخر ” مازالت تطاردني الأشياء التي فعلناها أنا مستعد للتخلي عن أي شيء

مقابل العودة إلى الماضي وعدم القيام بالأمور التي فعلناها لكنني لا أستطيع ذلك.”

من خلال هذه الكلمات يمكننا معرفة تكلفة العبث بطبيعتنا الإنسانية وكذلك معرفة الطريق للعلاج.

المصادر:

  • دليل اللاعنف إرشادات عملية للعمل اللاعنفي تأليف مايكل ناغل
  • الانسانية قبل التدين تأليف الحبيب علي الجفري