دردشة درويش

Comments 0

الحب

هذا الطفل الصغير الذي يلهو بألعابه على حافة جبل الزمن ، سأبقى معك الى الابد، سأحبك دائما، سأكون هنا في كل وقت، العاب هذا الطفل ماهي الا كلمات ولكن ليست ملكا له فهي كبيرة على عمره فالحقيقة أنها ملك الزمن.

الزمن

هذا الجندي الضخم القوي الذي يأكل كل ما يريده ولا يأكله شئ فهل من العقل أن يأتي الطفل الصغير ويلعب بألعابه على شاطئ الحياة ويكتفي الزمن بالمشاهدة !
الأبدية ..
الديمومة ..
البقاء ..
يالهذا المسكين الذي لا يدري ما ينتظره من الرجل الكبير
سيقلع رأسه ..
ويحطم عظامه ..
سيأكل روحه ..
لا مفر لهذا الطفل الا الخضوع وتقديم الولاء وإظهار فائق الاحترام
سيتركه يلعب ويحبو سيتركه يكبر وينضج  ، ولكن هل يأكل الطعام الا بعد ان ينضج ؟

لن يجبر احد الزمن علي أكل ماهو ليس ناضج ليشبع رغبته في الأكل اللذيذ وليس هناك ألذ من حب ناضج ، فأحذر فعندما تصرخ ان حبك خالد وان عشقك سيموت امامه الزمن ، هنا عليك ان تحذر وتدعوا ان كلماتك لم يسمعها الزمن.

ولكن كيف وهو موجود في كل مكان ويسير في كل لحظة الى الامام ؟

فطريق النجاة هو الاستسلام  له وعدم المعارضة وحفظ سره ، فهو كالسيف لو حمله صاحبه ألف عام لا يفرق في القطع بين رأس صاحبه وراس اخر ويبيح دم كل من هو امام موضع القطع ، وهكذا يباح دم المحبيين كما قال السهروردي المقتول :

وارحمتا للعاشقين تكلفوا
ستر المحبة والهوى فضاح
بالسر إن باحوا تباح دمائهم
وكذا دماء العاشقين تباح

حال المحب مترنح بين وصل وفصل فأختر محب يحافظ على أكبر قدر من الوصل ويقل من الفصل ، اما انت فلا أمر ولا نهي إلا الرضي في الحالين وعليك أن تلتمس دوام الوصل فاقم حال الفصل بينك وبين الهالك يكن لك دوام الوصل مع الخالد . فهذا حب ابدي لا يموت ولا يقدر عليه زمان ولا مكان فتعلقك بالفاني يفنيك وتعلقك بالباقي يبقيك ببقائه
فكما وصف منصور الحلاج شهيد العشق الالهي حال المحبين بقوله :
( الناس موتى واهل الحب احياء )

ان كنت محب صادق لم يشغلك شئ عن ذكر محبوبك ومراقبته في كل حال فعلى قدر البذل يكون الجزاء.

وفي هذا المعنى قال الشيخ الصوفي أبو مدين الغوث :
أهل المحبة بالمحبوب قد شغلوا
وفي محبته ارواحهم بذلوا
وخربوا كل ما يفنى وقد عمروا
ما كان يبقى فيا حسن الذي عملوا

فكيف يكون هذا القرب ؟ وما الذي يليق بالمحبوب لنقدمه ؟ كيف نقدم له شئ وهو بيده كل شئ ومالك كل شئ ؟

فهو عزيز لا يذله أحد، غني لا يمسه فقر، قوي لا يهاجمه ضعف، قادر لا يعجزه شئ، وما عليك الا ان تتقرب له بما ليس فيه ذلك فقرك .. ضعفك، وعجزك ..

فهي صفاتك التي تنزه هو عنها فداوم على مناجاته من خلالها فمن للذليل غيرك ياعزيز ؟ ومن للفقير غيرك ياغني ؟ ومن للضعيف غيرك ياقوي ؟ ومن للعاجز غيرك ياقادر ؟ اما المراد من القرب فهو غالي جدا وهو المشاهدة ولا سبيل الا الوقوف على الاعتاب حتى يؤذن بفتح الابواب .

فليكن كل مطلبك نظرة منه، لا دنيا ولا اخرة، لا جنة ولا نار، لا ثواب ولا عقاب، فقط هو، فقف على الباب ظاهرا صفاتك حتي تغلبها صفاته وقد وصف الغوث هذا بلسان الحال قائلا :

ويكسي جلالا بالوقار لانه
أقام بإذلال على باب عزنا
رفعنا له حجبنا منحناه نظرة الينا
واودعناه من سر سرنا

الغيرة

اخت الحب فلا يوجد حبيب لا يشعر بالغيرة على محبوبه وعلى قدر المحبة تكون الغيرة وعلى قدر الحبيب تكون ايضا. فهو يغار على قلبك كما يجب أن تغار أنت عليه ممن يقترب أكثر منك فهو عندما يغير يسوق البلايا والمحن علي قلب عبده المؤمن من اجل ان ينكسر ويتذكره ويفر إليه من  وكذلك يؤكد الحبيب المصطفىﷺ عندما تعجب الصحابة من غيرة سعد بن عبادة في موقفه الشهير عندما سأل ماذا يفعل لو وجد رجلا مع امرأته، فقال اضربه بالسيف غير مصفح بلا شكاية او شهود كما جاء في الشريعة  ، فقال النبيﷺ لأصحابه أتعجبون من غيرة سعد ! والله إني لأغير من سعد ، وإن الله أغير مني ومن سعد .

فلنسال انفسنا اين نحن من غيرته هو علينا !؟

جاء في الإحياء للشيخ الغزالي حديث قدسي يقول :
( ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين )

تخيل ان قلبك الذي ينبض بصدرك هو محل نظره هو. مشهد عظيم ان ينظر الى قلبك فيجده مملوء بغيره فاتجه إليه بكليتك فأنت لا تعرف متى تكون لحظة النظر وعليك أن تكون مشتاق لهذه النظرة فعظمة المشتاقين تكون من عظمة المشتاق إليه ، فافهم .

إعلان الحب

في حديث شريف عن الحبيبﷺ يقول :

( اذا احب الله العبد قال لجبريل ، يا جبريل قد احببت فلانا فاحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء إن الله احب فلانا فاحبوه ، فيحبه اهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الارض )

مشهد يعجز الإنسان عن تخيله من شده جماله ولكننا نراه في وجوه احبائه دون أن نلاحظه ويصوره لنا السيد علي بن محمد بن وفا في قصيدته قائلا :

ولا تعترضنا في الأمور فكل من
اردناه أحببناه حتى أحبنا
ينادي له في الكون أنا نحبه
فيسمع من في الكون أمر محبنا
اذا اتاني يمشي اتيته هرولة ..
 ماهذا الحب !
وما حجم هذا الشوق !
والاعظم ممن يكون !

والسؤال الأصعب هل بدأت بالمشي إليه ؟

الطرق إليه بعدد أنفاس الخلق ، ولك حرية الاختيار ولكن التجربة أثبتت أن أقصر هذه الطرق هو العشق ، فالعاشق لا يرد ابدا مهما حمل على اكتافه من سوابق . كما عرضنا علي اعينكم القليل من رسم الحروف عن المحبوب المطلق .. وختاما نعرض على أسماعكم كيف انشد المحبين عنه بكلمات العشق فانصتوا .

سائلين أن ينادي على اسمائكم فتكونوا من المحبوبين ، وأن يفيض علي قلوبكم من سر المحبة ، وان يديم عليكم حال الوصل والأنس به . وأن يشغلكم به عن غيره وأن يشغل غيركم به عنكم .