أين سيذهب مشروعي؟ أين ستذهب أموالي؟
ينتاب مجتمعنا الكثير من الأنظمة الحياتية، من ضمنها الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها.. وكما يرى الكثيرون أن أهم هذه الأنظمة والذي تتحدد عن طريق شكل معاملات الشعوب الثقافية والمادية في بادىء الأمر هو النظام الرأسمالي. هو النظام الذي تتبعه الكثير من الدول وذلك لعدة أسباب من ضمنها.
هل تعتقد أن أن من ضمن هذه الأسباب الحرية المالية للكثير من التجار وأصحاب المصانع بعد الحرب العالمية الثانية الناتجة عن استخدام النظام الرأسمالي أم لأن الرأسمالية كانت سببا في التقدم الصناعي؟
ولكن مثل كل شيء يوجد من اتفق ويوجد من اختلف مع النظام الراسمالي.. فمثلا كان رأي أصحاب المصانع بأن هذا النظام هو أفضل نظام اقتصادي عرفوه حيث حقق لهم أكبر ربح كما أنه منع الدولة من أخذ أموالهم بدون حق كما حدث أثناء الحرب العالمية حيث أعلنت كثير من المصانع إفلاسها بسبب إجبار الدولة لهم على شراء الأسلحة بأموالهم لاستخدامها في الحرب، ولكن نظام الرأسمالية الحالي يمنع ذلك.
وهناك العمال الذين اختلفوا مع النظام الرأسمالي حيث إنه كان سببا في زيادة استبداد أصحاب المصانع لهم في خفض أجورهم وزيادة ساعات عملهم أي أن النظام الرأسمالي كان من أسوأ الأنظمة التي شاهدتها فئة العمال.. وبالتالي هنا يمكننا أن نقول مرة أخرى أن الرأسمالية مثل أي شيء آخر، يوجد لها ما يميزها وما يعيبها .
ولكن هل خطر في بالك يومًا أن الرأسمالية أثرت في كثير من المشاريع من حيث إقامتها اوإيقافها تمامًا؟
إذن هل تعلم كم عدد هذه المشاريع التي أثرت فيها الرأسمالية بشكل إيجابي أو بشكل سلبي؟؟
ولكن وقبل كل شيء هل تعلم هذه المقولة؟
“نحن لا نحصل على عشائنا بسبب كرم الجزار أو الخباز، ولكن بواقع سعيهم وراء مصالحهم الذاتية”
. تلك الجملة البسيطة، التي وردت في أشهر كتب علم الاقتصاد ” ثروة الأمم” المنشور سنة 1776 لصاحبه آدم سميث، هي الجوهر الحقيقي للفكرة الرأسمالية. عبقرية “سميث” تكمن في وضع يده على هذا الجوهر: المصلحة الذاتية كمحرك للحياة الاقتصادية في أي مجتمع. هو جادل، بصورة بالغة الإقناع، بإمكان تنظيم المجتمعات الإنسانية حول هذه الفكرة. “سميث” ليس أول من يكشف عن المصلحة الذاتية، بل وغريزة الجشع، كمحرك للسلوك الإنساني. ولكنه أول من كشف للناس أن هذه الغريزة الأولية يمكن أن تكون محركا للكثير من الأمور الجيدة والنافعة لهم. بهذا المعنى، يمكن النظر لما أتى به الرجل باعتباره “ثورة” حقيقية.
لاحظ أن السوق الرأسمالية كانت موجودة طوال التاريخ. لم يخترع “آدم سميث” السوق. كانت قديمة قدم المجتمعات الإنسانية. الجديد كان إمكانية تنظيم المجتمع كله على أساس من الفكرة الرأسمالية القائمة على الاستثمار والمخاطرة. طوال التاريخ شكلت مراكمة رأس المال مشكلة كبرى. المشروعات تحتاج إلى أموال لا يسهل الحصول عليها. من لديهم الأموال لا يريدون المخاطرة، خاصة إن كانت ـ كما هو الحال في أغلب الأحيان ـ عالية وفوق مستوى التحمل. الثروة والغنى كانا مرادفين للادخار والاكتناز. الرأسمالية، بما وفرته من أدوات مالية مبتكرة مثل البنوك والتأمين والشركات المساهمة، خففت من عامل المخاطرة. هكذا نشأت مجتمعات كاملة في أوروبا، ثم في الولايات المتحدة، على أساس من التنظيم الرأسمالي. هذا ما يطلق عليه “المجتمع التجاري” (Commercial Society)، تمييزا له عن المجتمع الزراعي أو الإقطاعي. رأى “سميث” أن في مثل هذا المجتمع يتحول كل شخص -نوعا ما- إلى تاجر يسعى إلى تلبية حاجاته من خلال السوق. أول امبراطورية رأسمالية خالصة ـ تقوم على أساس التجارة ـ ظهرت في هولندا، ثم زاحمتها فرنسا وبريطانيا…
ولكن الآن هل تعتقد أنه من الممكن لنا أن نقول “إنها ثورة بدأت من قديم الزمن”؟
نعم من وجهة نظري.
والآن هيا نعدد بعض الأشياء التي أحدثتها الرأسمالية في الوقت الحالي.. قبل ذكر أي شيء يجب ذكر فضل الرأسمالية على العالم حيث إنها كانت بداية الثورة الصناعية…
أفضل أن أبدأ بمجهود الرأسمالية في زيادة التطور الصناعي فلم تكن فقط بداية الثورة الصناعية ولكن ساهمت أيضًا في إنشاء المشاريع الضخمة والصناعات الحديثة والتنافسات على الإبداع في التكنولوجيا ومن ضمنها بناء برج إيفل ثم وضح التنافس جدا في بناء برج خليفة في دبي كما وظهرت شركتان مثل مايكروسوفت و أبل ( شركات تنافسية تكنولوجية ) كما يوجد الكثير من التنافسات التي أظهرت مصانع الأغذية والمواد المصنعة الأخرى ..المستخدمة في حياتنا اليومية وبالتالي كان لها دور كبير في تسهيل حياتنا بشكل كبير جدا وتطورها حيث كانت حجر أساس في التطور الدائم الذي نشهده الآن في شركات كثيرة مثل مايكروسوفت و أبل وفيسبوك وغيرها.
إذن فإن هذه هي بعض المشاريع التي أقامتها الرأسمالية، فماذا عن تلك التي هدمتها ؟؟
هنا سنبدأ في الحديث عن هذا الموضوع ولكن على غير العادة في السرد فلن نتكلم من الماضي وصولا للحاضر ولكن سنتكلم عن الحاضر اولاً .
هاني عازر

هو من قام بالإشراف على بناء المحطة الألمانية ” Berlin Hauptbahnhof” وحصل على شهرة عالمية. نتيجةً لذلك قامت بتكريمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم ٢٦ مايو ٢٠٠٦ عند افتتاح محطة القطار تلك وكرم من قبل محمد حسني مبارك يوم ١ أكتوبر ٢٠٠٦.
إذن دعونا نرجع قليلا إلى الوراء فهذا المشروع كان هاني عازر قد عرضه على الحكومة المصرية من قبل تنفيذه في ألمانيا ولكن كان للرأسمالية رأي آخر حيث كانت تكلفة المشروع ضخمة جدا. ولكن ما هو هذا المشروع ؟ كان المشروع عبارة عن بناء أكبر محطة للقطارات وكان هاني عازر يتعهد بأن المشروع لكن يكلف مصر حقًا ولكن ما حدث قد حدث…
يجب قبل ذكر صاحب هذا المشروع ذكر نبذة بسيطة عنه ..
لطالما كانت مقولة “منزل أبي الذي كُلّ خطوة فيه لها معنى”، للكاتب الفرنسي، أنطوان دو سانت إكزوبيري، حاضرة في ذهن المعماري المصري حسن فتحي ودائم السعي لتمثّلها في بحثه عن المعنى والروح الكامنة في البناء، وفي تصاميمه المتجاوزة لحدود الوظائف المباشرة،المرتبطة بالهوية والمعنى والبيئة.
إنّها عمارة مختلفة، مفعمة بالحياة والمعنى، تلك التي آمن بها حسن فتحي وأمضى عمره في سبيلها؛ إنها عمارة للإنسان، وفي سبيل الإنسان ، قبل أيّ غاية أو منفعة أخرى.
حسن فتحي

ولد حسن فتحي في الإسكندرية مطلع القرن الماضي، عام 1900، وبعد إتمامه الدراسة الثانوية بالإسكندرية، التحق بكلية الهندسة في جامعة الملك فؤاد بالقاهرة، وهناك بدأت مسيرته الطويلة في سبيل “عمارة الفقراء”.
كان فتحي يحلم منذ شبابه بتصميم بيت مصري حقيقي يعبّر عن الشخصية العربية المصرية.
كانت التوجهات السائدة في مصر وعموم المشرق منذ أواخر القرن التاسع عشر، في مختلف مناحي الفكر والثقافة والفن، تنحو باتجاه الانبهار بكل ما هو غربي، والسعي لمحاكاته وتقليده والاحتذاء به. وكان ذلك حال المعماريين وأساتذة العمارة حين درسها في الجامعة، حيث كان الاتجاه المعماري السائد في مصر خلال النصف الأول من القرن الماضي هو الاتجاه الغربي، بأنماطه المختلفة، من الكلاسيكي المُحدث (النيوكلاسيك)، إلى الباروك، إلى الحداثي العالمي.
وفي ظلّ هذا المناخ، وبعد تخرّجه من الجامعة عام 1926، كانت أولى المشاريع التي صممها فتحي غربية الطراز، موافقةً للاتجاه العام، الذي كانت مخالفته تعتبر تخلفًا عن الرَكْب، إلّا أنّ ذلك لم يكن ليرضي طموح فتحي وتطلعاته، وهو الذي كان ينظر إلى فوضى العمارة من حوله، الناتجة عن محاولات التقليد والاستنساخ، ويحلم أن يصمم بيتاً مصرياً حقيقياً يعبّر عن الشخصية العربية-المصرية-الشرقية.
ومع بداية الثلاثينات حدث ما يحلم به…
في الثلاثينيات، كانت الفلل تُبنى وفق الطرز الأوروبية بالكامل، ونلاحظ ذلك بوضوح لو نظرنا إلى الأحياء الراقية الناشئة في تلك الفترة، كـ “مصر الجديدة” و”جاردن سيتي”. وهنا، بدأت ثورة فتحي، ففي عام 1937 قام فتحي بتصميم “فيلا جرافيس” لصاحبها “إيزابيل جرافيس”، واستخدم فيها عناصر تصميم من العمارة المحلية والعمارة العربية الإسلامية، وهو ما لم يكن مألوفًا في حينه، ولتكون بذلك نموذجًا يحتذى به في إحياء العمارة المحلية وتحديثها وإعادة تجديدها، واحتوت الفيلا على عناصر ومبادئ كـ: الفناء المركزي، والمشربيات، والفصل بين المساحات العامة والخاصة.
900 منزل من الطين:
كانت هذه المشاريع هي الولادة الفعلية وبداية التطبيق لاتجاه فتحي في العمارة، ثم جاء مشروع قرية “القرنة الجديدة” التي كانت فرصته لبناء قرية كاملة وتطبيق مبادئه على مقاس أكبر.
بدأت أعمال البناء بـ “القرنة الجديدة” عام 1946، وهي العمل الذي اكتسب شهرة عالمية، خصوصاً بعد عرضه تجربة بنائها في كتابه الأشهر “عمارة الفقراء”. كانت قرية القرنة بأسوان مُشادة على موقع أثري، وكان سكانها يستولون على قطع الآثار ويبيعونها، فجاء القرار بنقلهم إلى قرية جديدة، حيث تولى فتحي تصميم القرنة الجديدة بعد تقديمه العرض ذو الكلفة الأقل، وكان من المقرر أن تضم 900 منزلاً، إضافة إلى ثلاث مدارس ومركز طبي، وجامع.
استلهم فتحي في هذا المشروع تقنيات وأساليب البناء من العمارة الصعيدية والنوبية، التي تعتمد مادة الطين في البناء مع إعادة تجديدها وتأسيسها وفقًا لمبادئ التصميم وأساليب البناء والاحتياجات الحديثة. وهذه العلاقة هي التي كان يؤمن بها فتحي مع عمارة الماضي؛ علاقة الاستلهام والاستئناف، وعدم الاكتفاء بمجرد الاستعادة.
ولكن بعد البدأ في هذا المشروع توقف وذلك بعد ثورة يوليو.
وذلك لأسباب: من ضمنها أن الأهالي الذين تم نقلهم من بيوتهم كانوا يريدون الرجوع مرة أخرى إليها، كما توقفت أيضا لبعض المشاكل المالية…
أي أن الرأسمالية كانت غير راضية عن هذا المشروع…
ويوجد أيضا الكثير من المشاريع التي تبنتها الرأسمالية ويوجد من ألقت بها في صندوق الأفكار التي مازالت تحت الاختبار ولكن هل يجب علينا الاستسلام لهذا النظام الذي حطم الكثير من المشاريع العملاقة؟
إن كان يمكنك أنت فإنه من الصعب عليَّ فعل ذلك، ويجب أن نكون كلنا كمثلا مهما اختلفت طرق الدفاع عن أفكارنا وإبداعاتنا فاليوم إن كان لك فلا أضمن لك الغد، فدافع اليوم ولا تنتظر للغد.
كن دائما واثقًا من ذاتك، ولا تجعل بعض الأنظمة التي خلقتها الغريزة بداخلنا تفعل بك ما تشاء..
وفي النهاية:.
كن واثقا من نفسك
كن فخرا لعائلتك
كن مصباحا يضيء الظلام ..