جذور الطبقية الرأسمالية

Comments 0

منذ وُجد الإنسان على الأرض وهو يحاول وضع نظام شامل يكفل أقصى حد ممكن من التنسيق بين أفراده اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا.

ولعل النظم الاقتصادية كانت أكثرها تأثيرًا على حياة الأنسان، ولذلك كانت تأخذ الحيز الأكبر من تفكير القائمين على الحكم عامة، والفلاسفة خاصة، محاولةً منهم لتشكيل أفضل وأنسب نظام لمجتمعاتهم لحفظ الحقوق وتقسيم الممتلكات؛ مما يوفر نوع من التوازن بين جميع أفراد المجتمع.

الرأسمالية كنموذج للنظم الاقتصادية

بدأت الرأسمالية كنظام اقتصادي في الظهور بشكل تدريجي منذ أوائل القرن السادس عشر، إلى أن تطورت إلى شكل القائم. ولكن هل كانت هذه هي البداية الحقيقية للنظام الرأسمالي؟ أم كانت لخصائصه بدايات أقدم وإن اختلفت المسميات؟

إذا كنت تعتقد أن هذه هي بداية ظهور أفكار الرأسمالية فاجلس وأغمض عينيك، لنأخذك في رحلة إلى البداية الحقيقة لتكوين للنموذج الرأسمالي.

بداية التقسيم الطبقي للبشر

بعد أن كان التجانس والمساواة في الفقر هو الطابع المميز للمرحلة البدائية، أصبح هناك اختلاف وتميز بين مستويات الناس، نتيجة لبداية ظهور فائض في الإنتاج تزيد عما يلزم للاستخدام المباشر في المعيشة اليومية، وظهر الفرق بين الغني والفقير والقوي والضعيف، وكان هذا التميز هو ذاته بداية استغلال الإنسان للإنسان، إذ إن تراكم الثروة ولو على نطاق ضيق يتيح للغني أن يستعين بالفقراء في استثمار ممتلكاته، ويستغل ضعف مركزهم من أجل فرض شروطه عليهم.

الطبقية الرأسمالية في الحضارات القديمة

الحضارة اليونانية

عندما اتسع نطاق الحروب التي يخوضها اليونانيون، أصبح الأسرى في هذه الحروب يستعان بهم في الأعمال المنزلية في بداية الأمر، واكتسبوا بالتدريج صفة الرقيق الذي يتحكم سيده لا في عمله فحسب، بل في شخصه أيضًا، وأصبح لهذه الصفة أساس قانوني ينظم العلاقة بين السيد والعبد.

وباستمرار التطور أصبح الرقيق يستخدمون في الإنتاج الاقتصادي، وصاروا يمثلون قوة عمل رئيسية تتولى القيام بالأعمال اليدوية المرهقة، وتوفر على السادة عناء العمل وتكفل لهم فرصة الحياة المريحة على حساب الآلات البشرية التي تنتج لهم كل ما يحتاجون إليه في معيشتهم، وتضيف إليه فائضًا يحقق لهم ما يشاؤون من أرباح.

دولة المدينة

وكذلك يظهر هذا التقسيم في دولة المدينة في بلاد اليونان ولنأخذ النظام في أثينا كنموذج لتطبيق فكرة الهرم الاجتماعي الثلاثي وما تبعه من اختلاف في الواجبات والحقوق من الناحيتين السياسية والاقتصادية.

وقد عاشت الطبقة الرئيسية التي تتربع على قمة الهرم (المواطنون) في رفاهية من العمل اليدوي الذي يقوم به عنهم العمال (العبيد). وقد كانت التفرقة في البداية على أساس الأصل والنبل، ثم أصبحت على أساس الغني والفقر!


صورة توضح التدرج الطبقي في المجتمع الفرنسي

أرسطو

تأثر أرسطو بالتجربة اليونانية، وعليه فقد دافع عن ضرورة وجود العبيد (طبقة العمال) فعلى حد قوله هي مفيدة للطرفين السادة والعبيد على حد سواء، 

حيث أنه يحقق الاكتفاء الاقتصادي والإنتاجية من جانب العبيد وبذلك يستفيد السادة، بينما هو مفيد للعبيد حيث أنه يوفر لهم جهود مواجهة المشاكل واتخاذ القرار على أساس عدم قدرتهم الذهنية والاقتصادية!

الإمبراطورية الرومانية

كان النظام السياسي والاقتصادي الروماني قائمًا على أساس تركيز القوة في يد أقلية من الأسر الأرستقراطية التي كانت تتولى السلطة من خلال حكومة ملكية، وعليه تمركزت قوة رأس المال لدى الأقلية الحاكمة قبل أن ينهار النظام الملكي -نحو سنة خمسمائة قبل الميلاد- الذي تمكن الشعب من الاشتراك معه في السلطة، حتى قامت الجمهورية بعد صراع طويل بين الشعب والأسر الأرستقراطية للسيطرة على السلطة.

عودة إلى أرض الواقع

والآن لنعود إلى عصرنا الحالي مرة أخرى، ولننظر كم هو مدى الشبه بين هذه النظم البدائية والنظام الرأسمالي، فكل ما سبق من توضيح لشكل بعض النظم السياسية والاقتصادية في حضارات الإنسان القديم ما هو إلا تطبيق حقيقي لمضمون الرأسمالية المتمثل في:

• أولًا: النظام الطبقي الذي يقسم المجتمع إلى طبقة الملاك وطبقة العمال.
• ثانيًا: التعزيز الواضح للملكية الفردية على حساب الملكية العامة.
• ثالثًا: افتقاد العدالة، وظهور الفقر في الطبقة العاملة.
• رابعًا: التفرقة بين الأفراد على أساس الغنى والفقر.

وهكذا يتبين لنا أن الرأسمالية في صميمها مذهب مادي، يُفقد القيم الإنسانية معناها الحقيقي الذي شوهه وابتذله، ويهدف في نهاية الأمر إلى أن ينشر بين الناس اتجاهات غير أخلاقية عرفتها البشرية في عهودها السابقة التي كان يشيع فيها استغلال الإنسان للإنسان وامتهانه لكل ما يعتز به من قيم.

المصادر

  • كتاب في الفلسفة السياسية – تأليف د. منال أبو زيد الشهابي.
  • كتاب آفاق الفلسفة – تأليف فؤاد زكريا.