فلسطين التى تناسيناها
ربما إذا حاولت أن تمر على اهتمامات أغلب مواليد ما بعد عام 2000 لن تجد فلسطين، ستجد أمور أخرى لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالقضية الفلسطينية وأنا لا ألومهم فكل شيء حولهم ساعدهم على الدخول في حالة من السطحية والبعد عن الإيمان بأي قضية كبرى وتذكّر أنني قلت أغلبهم وليس جميعهم لا أريد أن أجعلك تدخل في حالة من النوستاليچا والحنين إلي وقت أقدم لأنك إذا عدت ستجد أن فلسطين لم تتغير عن الآن مازال النضال، ومازال الأسرى والشهداء يدفعون أثمان باهظة، ومازالت المؤتمرات والوفود العالمية تبحث عن حلول أو تبخس حقوق، ومازال العدو الصهيوني يحاول أن يطمس أي هوية فلسطينية وينجو بأي أفعال وحشية تجاه الفلسطينيين بدون حساب! ولكن يوم 29 نوفمبر هو اليوم العالمي للتضامن مع فلسطين وهو الاسم الأكثر تحضرًا لذكرى تقسيم فلسطين على يد الأمم المتحدة منذ 72 عامًا لا نحتاج إلي يوم عالمي للتضامن مع فلسطين؛ ففي كل يوم أسباب عديدة للتضامن فقط ذكرى التقسيم والتفكير في كيفية التضامن يجعل للأمور شكلًا آخر. فالتعاطف باستخدام سلاح المقاطعة للبضائع التي بها شبهة دعم للصهيونية وبالمظاهرات الطلابية وحرق العلم الإسرائيلي كانت من الممكن أن تكون مُلهمة ومُحركة للمشاعر منذ 15 عام مثلًا، لكن الآن يجب أن نتعاطف بذكاء لأن الوضع العام حتي في بلادنا مصر تغيّر ويجب أيضًا أن نراجع موقفنا ماذا بعد التعاطف؟ اكتفينا من الخطب الحنجورية أعتقد الآن
إن الدور الهام الذي مُلقى علينا هو محاولة غرس قضية فلسطين في نفوس الأجيال القادمة وفي تفكيرهم واهتماماتهم وذلك بشكل واضح وبسيط بدون إلهاب للمشاعر ولا إلقاء اللوم على حكومات والدخول في معضلة نتيجتها نسيان الشعب الفلسطيني وبدون أيضًا تزييف للوقائع؛ نواجه أنفسنا بصدق حتى نستطيع أن نكون جزء من الحل، المعرفة بداية الحل وحتى لا نقع في نفس أخطائنا السابقة ونتعاطف بدون معرفة حقيقية فيتوقف التعاطف عند حد الشعور بمظلومية ومعاناة الشعب الفلسطيني وأحقيتهم في أرضهم بدون معرفة وقائع سلب هذه الأرض فيصبح التعاطف مجرد لحظي وعابر.
تعال لنسرد معًا ونتذكر في ذكرى تقسيم فلسطين ما حدث من الأمم المتحدة ووقائع هذا التقسيم الظالم، كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني وفي فبراير 1947 وضعت بريطانيا القضية بين أيدي الأمم المتحدة لزعمها أنها لا تستطيع التوفيق وحل النزاع بين المليون و250 ألف عربي فلسطيني و ال600 ألف يهودي المقيمين فيها، وكانت الحركة الصهيونية في ذلك الوقت نشطة وتسعى بشتى الطرق لإحداث اضطرابات مع زيادة عدد المهاجرين اليهود القادمين من أوروبا،
كان على الأمم المتحدة ضغوط كبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية وبعد عرض مشروع التقسيم والذي عارضته الجامعة العربية وفلسطين بالطبع بشدة لما به من ظلم بيّن، فكيف يمكن لشعب أن يقبل بالحل التقسيمي الذي يجعل بلا أي حق الأراضي الفلسطينية تحت الحكم الصهيوني، فالأقلية اليهودية لم تكن تملك أكثرمن 5.6٪ من مجمل أراضي فلسطين وأي حل تقسيمي سوف يضع أكثر من نصف أراضي فلسطين تحت الحكم الصهيوني مما يعني طردهم منها فيما بعد، وهو ماحدث بالفعل مع التنكيل بهم، تمت الموافقة على مشروع التقسيم في 29 نوفمبر 1947 بأكثرية 33 دولة ووقف ضد التقسيم 13 دولة وامتنع عن التصويت 10 دول.
لقد أقرّت إذًا الأمم المتحدة تقسيم فلسطين دون أخذ رأي سكانها، ضاربة عرض الحائط بحق تقرير المصير وبحق الاستقلال بعد الانتداب وبكل الحقوق والمعطيات، وأقرَّت زرع دولة يهودية مُصطنعة في أرض فلسطين وفي قلب الشرق العربي، كان هناك جهود مصرية دبلوماسية لمنع هذا التقسيم وكانت الجهود المصرية مُركِّزة على الدول متغيرة المواقف على أمل أن يؤدي رفضها لمشروع التقسيم أو حتى الامتناع عن التصويت إلي عدم حصول القرار على أغلبية الثلثين اللازمة لصحة القرار ولكن ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية كانت أقوى على الدول، وقد وضّح الدكتور محمد حسين هيكل -رئيس وفد مصر في الجمعية العامة للأمم المتحدة عند عرض مشكلة فلسطين – ذلك أثناء حديثه بالأمم المتحدة “إن الخبرة التي اكتسبناها خلال السنتين الأوليين من انعقاد هيئة الأمم المتحدة، قد علمتنا أنه يكفي أن تتخذ دولة من الدول الكبرى موقفًا معينًا ازاء مشكلة دولية لكي يكون هنالك احتمال بأن تنال وجهة نظرها تأييد أغلبية الأمم المتحدة ” وأوضح أيضًا بكل قوة أن المشكلة الفلسطينية لا تحتمل إلا حلًا واحدًا، هو إعلان استقلال فلسطين وليس تقطيعها وهي مملوءة بالسكان لإنشاء دولة وهمية باسم الدولة اليهودية، لا تقوم على أساس الجنسية بل على التمييز في الجنس أوالعقيدة الدينية وهو ما يحرمه ميثاق الأمم المتحدة صراحةً.
وحذَّر محمود فوزي -مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة آنذاك- أيضًا الأعضاء من نتيجة التسرع في اتخاذ قرار بشأن فلسطين لأن ذلك من الممكن أن يؤدي إلي فقد الأمم المتحدة هيبتها واحترامها أمام الرأي العام العالمي، كما أشار إلي تلك المناورات الخطيرة التي تحيكها السياسة العالمية لمحاولة فرض التقسيم بالقوة عن طريق تجميع المهاجرين في موانىء البحر المتوسط تمهيدًا لدخولهم فلسطين ثم ينضمون بعد ذلك إلي العصابات الارهابية مما يزيد من حدود الاضطرابات والقلاقل التي تكون من نتيجتها فرض التقسيم كانت هذه محاولات مصرية دبلوماسية جادة مؤمنة بحق الفلسطينيين في أرضهم ولكن الضغوط كانت أقوى من أن تقف مصر ومعها الدول العربية أمام الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا(الاتحاد السوڤيتي وقتها) وبريطانيا ونفوذهم القوي، وتغلغل الصهيونية في أغلب مفاصلهم ولكن داخل مصر بخلاف المظاهرات الشعبية والخطب الحماسية والاجتماعات بالأحزاب الكبرى تردد صدى التقسيم داخل البرلمان بمجلسيه آنذاك النواب والشيوخ، ففي مجلس النواب عقدت جلسة خاصة أول ديسمبر 1947 لمناقشة هذا الموضوع بناء على ما تقدم به كل من النائب محمد فكري أباظة وحسين محمود سعيد للاستفسار عن موقف الحكومة والمجلس من قرار هيئة الأمم، كي يعرف العالم العربي والغربي موقف ممثلي الأمة المصرية وأيضًا موقف الحكومة، وقد صرح لهم رئيس الجلسة النائب علي أيوب برفض مجلس النواب الامتثال لقرار التقسيم فقال:
لقد علمتم بالقرار الذي أصدرته الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين وأن هذا القرار الصادر من هيئة غير مختصة بإصداره يعتبر باطلًا بطلانًا جوهريًا لذلك أظنني أعبر عن رأي هذا المجلس اذا أعلنت من فوق هذه المنصة استنكارنا لهذا القرار وتصميم البلاد على عدم الرضوخ له وأن مصر بالتعاون والاتفاق التام مع الأمم العربية قد عقدت العزم على التمسك بفلسطين عربية موحدة وأننا لنرجو من حكومتنا ومن الحكومات العربية عملًا حاسمًا حازمًا في غير هوادة أو تردد. ولست بحاجة إلي أن أردد هنا أن شعب مصر يقدر واجباته ويعرف حدوده وأنه لذلك يحترم ما للمواطنين والنزلاء على اختلاف جنسياتهم ومعتقداتهم من حرمات وحقوق فليطمئن الجميع لأن مصر المضيافة المجاهدة التي تعرف حدودها مصممة على التمسك بما لها من حقوق
كما تبرع في ديسمبر 1947 أعضاء مجلس الشيوخ بما يوازي مكافأة ثلاثة أشهر لمد يد المعونة لأهالي فلسطين كانت المحاولات كثيرة ولكن كما قلنا غير منظمة يملؤها المشاعر؛ فحدث ما حدث في حرب 1948 وأصبحت الخسائر أكبر تضامنًا مع فلسطين وحاول أن تعرف أكثر عن القضية وكن على ثقة بأنك إذا ساعدت في زيادة وعي ولو شخص واحد فقط فأنت تقوم بعمل عظيم لن نستطيع مواجهة إسرائيل سوى بمعرفة تاريخنا ونقاط القوة التي نمتلكها وبأن نمنع أي سيطرة على عقولنا بأي شكل من الأشكال.
أجيال جديدة تخرج وتُحمّلنا مسئولية استنقاذها ومساعدتها على معرفة معنى أن تعيش وأنت تؤمن بقضايا كبيرة!