هل تعتقد أنك الوحيد المتحكم في استهلاكك؟
شهد العالم تطورًا اقتصاديًا كبيرًا في القرون الماضية لظهور الرأسمالية ودعمها لنظام السوق الحر، فما مدى تأثير ذلك الظهور على السوق الاقتصادي وما درجة استفادتنا
-نحن المستهلكون- من ذلك الظهور؟
فالرأسمالية هي نظام اقتصادي قائم على فكرة أن القطاع الخاص يملك ويتحكم في عوامل الإنتاج، ويستخدمها في إنتاج وتسويق منتجاته أو خدماته في سوق حر بهدف الربح.
وقد ظهر مفهوم السوق الحر معتمدًا على الرأسمالية كفكرة، من خلال امتلاك الفرد مُطلق الحرية في اتخاذ أي طريق أو سلوك لزيادة ممتلكاته وثرواته، وقد انبعثت فكرة السوق الحر من الفكر الليبرالي، والذي بدوره كان متبنِّيًا للحرية الشخصية والفكرية والاقتصادية والسياسية.
ولقد ارتكزت الفكرة على عُنصري الطلب والإنتاج أو العرض، فالأصل أن الإنسان كائن اجتماعي يتعايش مع غيره وتزداد احتياجاتُه مع مرور الوقت، ولكي يُشبِع هذا الاحتياج كان لا بُد من الطلب فالاحتياج يخلق الطلب، ولكي يُحقق هذا الطلب ويُشبِع احتياجه لا بد له أن يُنتج ما يكفيه من احتياجات.
والأصل أن يوجد اتزانٌ ديناميكيّ بين العرض والطلب، فتتوقف درجة عرض وإنتاج المُنتج على حجم الاحتياج له والطلب عليه، فكلما زادت قيمة المنتج زاد الطلب عليه، فيجذب المنتجين للاستثمار فيه، فيزداد حجم إنتاجه، ويحاول المستثمر جذب أكبر عدد من الناس فيخفض ثمنه مع ازدياد الطلب ليحقق أرباحًا أكثر، إلى هنا العرض مكافئ للطلب وهناك اتزان بينهما، ولكن كلما زاد الربح يعمل المستثمر على زيادة إنتاج المنتج حتى يصل السوق لمرحلة التشبُّع، وربما غرق السوق بالمنتج فتنهار قيمته تمامًا، وفي هذه الحالة يقل درجة اهتمام المستثمر بالإنتاج حتى يقل العرض ونعود لحالة الاتزان مرة أُخرى.

والسوق الحر يتشابه مع هذه الحالة، حيث أنه مثل الفقاعة التي تُحدِث ضجة لجذب المستهلكين بشتَّى الطرق لتحقيق الربح المادي، وهنا تظهر قيمة التسويق الذي يُروِّج للمنتجات، فيساهم في زيادة الطلب عليها، بغض النظر عن كونها مهمة أو من ضمن أولويات المستهلك أو مناسبة لقدرته الشرائية من الأساس.
فالتسويق عبارة عن مجموعة الأنشطة والعمليات التي تعمل على اكتشاف رغبة المُستهلك، والعمل على إنتاج المنتجات وفقًا لتلك الرغبات، وتحقيق الأرباح خلال فترة معينة من الزمن.
ويستخدم التسويق، وفقًا لمفهوم السوق الحر في توجيه المستهلك نحو سلعة بعينها، فيعمل على زيادة الطلب عليها، أو إعادة إحياء قيمة منتج معين شهد عزوفًا من المستهلك، وذلك من خلال استخدام عدة أدوات منها الإعلانات المسموعة والمرئية
والمقروءة والعروض والتخفيضات واستخدام المشهورين في الدعايا وجذب المستهلكين.
وفي عصرنا الحالي تطور التسويق عبر الإنترنت تطورًا كبيرًا لما فيه من جذب أكبر عدد من المتسوقين، وتكلفته المنخفضة بالنسبة للمستثمر علاوة على تحقيقه لأرباح هائلة، وكثيرًا ما يقصد الناس بالتسويق الإلكتروني (التسويق عبر الإنترنت) ولكن الأصل أن التسويق الإلكتروني مفهومه أوسع، فهو يعني التسويق عبر الأجهزة الإلكترونية عمومًا.

وتُعد وسائل التواصل الاجتماعي أحد أبرز طرق التسويق عبر الإنترنت في الوقت الحالي، فمن خلالها ينتشر المنتج لأكبر عدد من الناس في وقت قصير، وتتميز بخاصية قياس رجع الصوت؛ أي يمكنك الحصول علي رأي الناس عن مُنتج معين وهذا التقييم قد يدفعك لشراء ذلك المنتج.
والتسويق نفسه ليس شيئًا سلبيًا، بل له دور فعال، كإعلام المستهلك بالمنتج، ولكن الجانب السلبي منه يتضمن استغلال احتياج الناس ودفعهم لشراء منتج معين قد لا يتناسب مع احتياجاتهم الأولية أو قدراتهم الشرائية أو مدى جودة المنتج نفسه.
فلا بد للمستهلك أن يرتب احياجاته وفقًا لأولوياته، ولا يجعل نفسه أداة في يد غيره بل لا بد أن يعي أن القوة الشرائية بيده لا بيد غيره.وأن يكون على وعي بألا يساند بماله بعض المجرمين الذين يستغلون حاجة الناس ويستخدمون قوتهم المادية في سفك دماء الأبرياء والهجوم عليهم، فمساندته لهم تكون بدعم منتجاتهم وصناعتهم، في حين يمكنه الاستغناء عنها والبحث عن بديل.