احتفالات المولد النبوي.. ألف عام ويزيد

Comments 0

منذ ما يتجاوز الألف عام يحتفل المصريون بالمولد النبوي، وأجمع المؤرخون على أن بداية الاحتفال بالمولد كانت في العصر الفاطمي كنوع من التقرب للشعب المصري المحب للمظاهر الاجتماعية المصاحبة للأعياد والمناسبات الدينية.

صُنعت حلوى المولد على أكثر من ألف شكل أشهرها عروس، وفارس يمتطي جواده شاهرًا سيفه، وكانت تسمى (بالعلاليق) حيث تُعلق على أبواب الحوانيت في سوق الحلاويين بالقاهرة القديمة.

 ويصف تقي الدين المقريزي مظاهر الاحتفال في كتابه (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط  والآثار) نقلًا عن ابن المأمون قائلًا: “فإذا كان اليوم الثاني عشر من ربيع الأول تقدم بأن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارًا من السكر اليابس، حلواء يابسة من طرائفها، وتُعبَّى في ثلاثمائة صينية من النحاس”.

 وكان يُقصد هنا الخليفة، أما عن دار الفطرة فهي مخزن للمواد الغذائية بناها العزيز بالله الفاطمي خارج القصر الكبير في القاهرة الفاطمية.

ويؤكد أبو العباس القلقشندي في كتابه (صبح الأعشى) قائلًا: “في الثاني عشر من شهر ربيع الأول وكان عادتهم فيه أن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارًا من السكر الفائق حلوى من طرائف الأصناف، وتٌعبَّى في ثلاثمائة صينية نحاس”.

 وبعد زوال الفاطميين حاول الأيوبيون طمس معالم ومظاهر الاحتفالات التي أقامها الفاطميون بحجة الانشغال بالحروب، وعدم وجود وقت يسمح بالرفاهية، إلا أنهم فشلوا في محو الاحتفال بالمولد النبوي لتمسك المصريين بإقامته حتى الآن.

 وعن عصر المماليك الجراكسة وتحديدًا آخر احتفال لهم  بالمولد النبوي والذي أقامه قانصوه الغوري، يصف ابن إياس الحنفي مظاهر الاحتفال في كتابه (بدائع الزهور في وقائع الدهور) قائلًا “وفي يوم الإثنين الحادي عشر عمل السلطان المولد الشريف النبوي على العادة، ونصب الخيمة العظيمة التي صنعها الأشرف قايتباي، قيل أن مصروفاتها ستة وثلاثون ألف دينار وهذه الخيمة كهيئة قاعة وفيها ثلاثة لواوين وفي وسطها قبة على أربعة أعمدة عالية، لم يعمل في الدنيا قط لها نظير، وهي من قماش ملون، وهذه الخيمة لا ينصبها إلا ثلاثمائة رجلٍ من النواتية، فنصبها بالحوش، ونصب الشربدارية في الحوش أحواض جلد ممتلئة بالماء الحلو، وعلقوا شوكات بالكيزان الفاخرة، وزينوا بالأواني الصيني والطاسات النحاس.

وأوسعوا في زينة الشرابخاناه أكثر من كل سنة، ثم جلس السلطان في الخيمة وحضر الأتابكي سودون العجمي وسائر الأمراء من المقدمين وغيرها، وحضر القضاة الأربعة وأعيان الناس من المباشرين على العادة، ثم حضر قراء البلد قاطبة والوعاظ على العادة، ثم مد السلطان السماط الحافل وأوسع في أمره، وكان ذلك اليوم مشهودًا وأبهج مما تقدم من الموالد الماضية.

 أما عن فترة الحملة الفرنسية يروي عبد الرحمن الجبرتي محاولات نابليون لامتصاص غضب المصريين في كتابه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) قائلًا “سأل صاري عسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم!

فاعتذر الشيخ البكري بتعطيل الأمور وتوقف الأحوال فلم يقبل وقال لا بد من ذلك وأعطى له ثلاثمائة ريال فرانسا معاونة وأمر بتعليق تعاليق وأحبال وقناديل واجتمع الفرنساوية يوم المولد ولعبوا ميادينهم وضربوا طبولهم ودبادبهم وأرسل الطبلخانة الكبيرة إلى بيت الشيخ البكري واستمروا يضربونها طوال النهار والليل بالبركة تحت داره وهي عبارة عن طبلات كبار مثل طبلات النوبة التركية وعدة آلات ومزامير مختلفة وصواريخ تصعد في الهواء (وفي ذلك اليوم) ألبس الشيخ خليل البكري فروة وتقلد نقابة الأشراف. 

هكذا احتفل المصريون بمناسبة دينية على غرار الاحتفالات القومية باختلاف الحاكم على مر العصور حتى دهش إدوارد وليم لاين وتساءل في كتابه (عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم) عن سبب احتشاد بعض الأقباط لحضور الذكر… فهناك ما يزيد عن ألف عامٍ من الأجوبة.

المراجع : 

  • المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، تقي الدين المقريزي 
  • صبح الأعشى، أبى العباس القلقشندي
  • بدائع الزهور في وقائع الدهور، ابن إياس الحنفي 
  • عجائب الآثار في التراجم والأخبار، عبد الرحمن الجبرتي 
  • عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم، إدوارد وليم لاين