فلاسفة كبار قد يساعدونك في فهم الفوضى السياسية الحالية
الناشر | the conversation |
تاريخ النشر | ٧ أكتوبر ٢٠١٩ |
العنوان | It’s a mad world: but these great thinkers may help you understand the current political mess |
الكاتب | Michael hauskeller |
تشهد الديمقراطيات الغربية وضعًا متأزمًا، فقد انهار النظام الليبرالي الذي أُنشِأ بعد الحرب العالمية الثانية، ونحن لا نعرف بالتحديد ما الذي يجري أو ما يمكننا فعله حيال ذلك، لحسن الحظ يمكن لبعض الأدبيات والفلسفات العظيمة الماضية مساعدتنا في فهم ذلك بل ربما أيضًا إيجاد طريقة للخروج من هذه الفوضى.
بدايًة علينا أن نتخلى عن فكرة كون العالم منظم بشكل عقلاني، فهو لم يجن جنونه، لقد كان كذلك من الأصل. يقول الفيلسوف الألماني “آرثر شوبنهاور” أن جوهر كل شيء – حتي نحن – ليس مُسببًا وإنما هو محض إرادةٍ حرة، تُفسر لنا مقُولته سبب الحالة المؤسفة التي يمر بها العالم بينما نحن مستمرون في خوض حروبٍ عديمة الجدوى ملحقين الضرر بأنفسنا وببعضنا البعض.
في رائعته – المزعجة الي حد ما – ” موبي ديك ” ، يعتقد “هيرمان ملفل ” أن حياتنا هي مقلب قاسٍ قامت به الآلهة معنا و أن أفضل ما بوسعنا هو أن نسايرهُم ونشاركهم ضحكاتهم.
أعلن “فريدريش نيتشه” موت الإله ،وعليه فإننا أحرار في فعل ما يحلو لنا وجعل إرادتنا الحرة مقياسًا لكل شيء.
الفيلسوف الفرنسي ” ألبير كامو ” وصف العالم بالمكان الغريب الذي لا يهتم كثيرًا باحتياجاتنا ورغباتنا الإنسانية.

صورة بواسطة ” جوستاف أدولف شولتز”
من ” ويكيبيديا كومنز”
ما يمكننا تعلمُه من هؤلاء الكتاب هو أن أول ما علينا القيام به لفهم ما يحدث في العالم اليوم هو أن نضع جانبًا اعتقادنا بوجود معني لأيّ من هذا. الجنون هو القاعدة – ليس الاستثناء -.
الحاجة إلي الفوضى
في عالم مجنون، من المتوقع للبشر أن يكونوا مصابين أيضًا ببعض الجنون، وهذا ما يتحتم علينا إدراكهُ في المقام الثاني، نحن نميل لفرضية أن الناس يفعلون الأشياء و يريدونها لأسباب حسنة؛ لكننا في كثير من الأحيان نرغب في أشياء لا يوجد منطقٌ يبرر رغبتنا فيها، كونها ضارة بشكل قاطع، فعندما يحاول شخص ما أن يحاورنا مشيرًا إلي ما نرتكبهُ من أخطاء منطقية و واقعية فإننا نتجاهلها و نواصل كما في السابق.
سيكون الأمر محيرًا بحق إذا كنا حيوانات تمتاز بالعقل. علي أننا لسنا كذلك، فنحن بالتأكيد نمتلك القدرة علي أن نكون عقلانيين و منطقيين، المشكلة أننا لا نريد أن نكون كذلك بشكل دائم؛ التعليل يصيبنا بالملل، في بعض الأحيان نريد القليل من الفوضى ونحتاج إليها، بل حتي الكثير من الفوضى.
” ثيودور ديستويفسكي ” مؤلف ” الجريمة و العقاب ” و غيرها من الروايات العظيمة عن عالم ضل طريقه، علق ذات مرة في روايته الصادرة عام١٨٦٤ بعنوان “مُذكرات من العالم السفليّ ” أن الناس أغبياء بشكل عام و لا يشعرُون بالامتنان، فلن يصاب بالدهشة أبدًا، يقول:
” إذا ظهر فجأة وسط معقولية المستقبل العالمية رجلاً مهمًا من قلب الأوهام، أو ربما من الفسيولوجيا الوعرة الرجعية، سيظهر مباعدًا بين ذراعيه ويقول لنا جميعًا: “حسنًا أيها السادة، لماذا لا نحيل كل هذه المعقولية إلى أنقاض بضربة واحدة قاصمة! و إرسال كل هذه اللوغاريتمات إلى الشرير والعيش مرة أخرى وفقًا لإرادتنا الغبية “

ولا شك قد ظهر لنا بالفعل رجل بهذه الأوصاف، بل و أكثر من رجل، ولا تكمن المعضلة هنا، لأن المسيء حقًا وفقا ل ” ديستويفسكي ” هو إمكانية تأكد هذا الرجل من عثوره علي أتباع وهذه هي “آلية ترتيب الإنسان”.
مبتكرون و منفذون
كان “نيتشه ” أيضا يعلم مدي سهولة تسييرنا للأمور بشكل خاطئ وتدمير أشياء لا تستحق الدمار وتقدير أشخاص لا يستحقون التقدير، في “هكذا تكلم ” زرادشت ” كتب : “حتي الأشياء الأفضل في العالم تصبح عديمة القيمة دون وجود شخص يؤديها، هؤلاء المؤدون هم من تلقبهم الجموع بالعظماء، وقليل ما يستوعب الناس ما هو عظيم، المبتكرون بالتحديد، لكنهم يستطيعون تذوق ما يقدمه ممثلي الأشياء العظيمة ومؤديها.
مشكلتنا تتمثل في الإثناء علي الفنانين المؤديين دون المبدعين، أولئك الذين يزعمون إنجاز الأمور و جعلها رائعة، وهم بارعون في اقناع الاخرين بهذا دون انجاز شيء حقيقي عظيم علي الاطلاق، يمتلك المؤدي علي حد قول ” نيتشه ” :
” روح الضمير، يؤمن دائما بما يجعل الناس يؤمنون به بقوة! وفي الغد سيؤمن بمعتقد جديد، وفي اليوم الذي يليه بآخر أحدث سريع الأدراك هو، مثله مثل الناس، متغير الحالات . أن تُزعج هو أن ” تُثبت ” ، أن تثير الجنون هو أن ” تُقنع ” ، والدم هو ما يفضله بين جميع الأسباب، والحقيقة التي تنزلق إلى بعض الآذان المرهفة يدعوها كذبًا و نكرة، هو يؤمن فقط بالآلهة التي تُحدث قدرًا كبيرًا من الضجة في هذا العالم” .
ماذا نفعل الآن؟
اذًا هل من شيئ بإمكاننا فعله حيال هذا كله ؟ كيف بإمكاننا التعامل بشكلٍ واضحٍ مع عالم غير واضح ؟ كيف نحافظ علي تعقلنا في عالم يتزايد جنونه دقيقة تلو الأخرى؟ كتابنا العِظام اقترحوا استراتيجيات مختلفة للتكيف:
“شوبنهاور” يري أن علينا إيجاد طريقة تمكننا من نبذ رغباتنا وإدارة ظهورنا للعالم إلي الأبد، اقترح “ميلفل” الاستمتاع بالانفصال، “مارسيل بروست ” يفضل الهروب الي عالم الفن، ” تولستوي ” وجد المعني في الإيمان كما وجد فيه التعزية، ” ديستويفسكي ” في حب العالم، بينما الفيلسوف الدينماركي “سورين كيركجارد ” في جعل حياته مرتكزة علي الرب، يعتقد ” نيتشه ” بوجوب أن نحب ونتقبل أيًا كان ما يحدث لنا، في حين يري ” لودفيج فتنجنشتاين ” أن نعيش في كل شيء جميل حسن بل نعيش لأجله.

المكتبه الوطنية النمساوية.
لكن لتغيير العالم؛ علينا بتتبع نهج أكثر حيوية وعدائية، بدلًا من محاولة الهرب مما يحدث أو تقبله، يمكننا أيضًا –كما اقترح كامو-أن نتمرد ونحارب الظلم في مختلف أشكاله، تمرد كهذا قد يكون متواضعًا للغاية في مداه، ليس بالضرورة أن يكون صاخبًا و براقًا، بل فقط ما يلزمنا لنبقي – برغم كل التحديات التي تواجهنا اليوم – أشخاصًا شرفاء عقلانيين.
الفقرة التالية مُجتزأة وملخصة بشكل جيد من الخطاب الذي ألقاه ” ويليام جيمس ” ببوسطن في العالم ١٨٩٧ بمناسبة كشف الستار عن تمثال ” روبرت جولد شاو “، النصب التذكاري للحرب الأهلية الأمريكية :
” إن ألد أعداء الدول وأكثرهم دموية ليسوا أعدائها الأجانب، بل أولئك القاطنين داخل حدودها، والحضارة في حاجة دائمة الي الخلاص من هؤلاء الأعداء في الداخل، فالأمة المباركة فوق الأمم جميعًا هي التي تنقذها عبقرية مدنييها يومًا تلو الاخر بأفعالهم دون تدخل خارجي، فقط بالتحدث والكتابة والتصويت من قِبَل الجموع التي تعرف الرجال الحقيقيين حين تراهم، ويفضلون تنصيبهم كقادة علي الغاصبين أو الفارغين من الدجالين .”
نصلي لأجل ذلك.