رأي غير مألوف عن دخول مصر لحرب اليمن

Comments 0

هذا تاريخ لم يٌقص عليك فى محاولة لفرض رواية أحادية عن وطن يجب أن يفرض عليه الحياد دائمًا، أن يتخلى عن قضاياه أو إن شئت قلت أن يتقبل أنه وطن بلا قضية غير قضية التنمية والبناء وهى بلا شك قضية تبدو على السطح قضية سامية ومهمة فى آن واحد ولكنها لم تكن أبدًا غاية أو قضية بل يجب أن تكون وسيلة لأجل غاية وقضية.

كما صنف بعض الجغرافيين السياسيين العالم لقوى بر أى تكمن قوتهم فى مساحة بلدانهم الجغرافيه ومواردها الذاتيه وتمتلك قوة عسكريه برية قوية تجعلها تتوسع على من يجاورها من البلدان، وقوى بحر أى قوة جزرية تفرض عليها جزيرتها الإندفاع نحو البحر والتوسع ع حساب البلدان الأخرى محتميةً من قوى البر فى جزيرتها وخلف أساطيلها (بريطانيا مثالًا) بينما تحتمي قوى البر من قوى البحر فى مساحاتها الشاسعة وجيوشها العملاقه (روسيا مثالًا)، والنوع الثالث من البلدان هى القوى البينية أو الأمفيبية أى القوى التى غالبا ماتكون حاجزًا بين قوى البر وقوى البحر، تتمتع بإمكانيات برية وبحرية فى آن واحد ولكنها لسوء حظها دائمًا محطة البر للسيطره على البحر ومحطة البحر للسيطرة على البر لذلك دائمًا ماكانت تقع ضمن أطماع القوى المتصارعه (مصر والعالم العربي مثالًا).

حكم الإمام.. عائلة بن حميد فى اليمن

عاش شمال اليمن فى فترة حكم الإمام يحيى بن حميد منذ عام 1904 وأبناؤه حتى عام 1962 حقبة ظلامية هى الأكبر فى تاريخه، انتهج أئمة اليمن سياسة عزل اليمن عن العالم الخارجى خوفًا من ثورة الشعب اليمنى عليهم، حتى وصل الحال فى اليمن إلى عدم وجود أى يمني متعلم، لا يوجد مدرسين يمنيين، أطباء يمنيين، مهندسين يمنيين، كل الاعتماد كان على مجموعة من المتعلمين الأجانب الذين يخدمون سلطة الإمام، بجانب التخلف كان الفقر وانعدام الخدمات والبنية التحتية فى جانب آخر نصيب الشعب اليمنى فى الشمال فلا كهرباء ولا مياة نظيفة ولا مدارس ولا مستشفيات ولا أى شيء، وأكثر مايدل على وضع اليمن الشمالي تخلفًا كلمات الدكتور رالف بانش مبعوث الأمم المتحده إلى اليمن عام 1962:

لقد كنت حتى الآن أتصور أنني رأيت أسوأ صور التخلف فى الكونجو، ولكن مارأيته هنا فى اليمن أقنعني بأن هناك ماهو أسوأ فى التخلف من الكونجو.

لم يكن اليمنيين راضين كل الرضا عن حكم الأئمة الظلامي فقامت ثورتان أحدهما عام 1948 والتى لقبت بثورة الدستور حيث طالبت بحكم دستورى والأخرى عام 1955 وكلاهما فشلتا بسبب دعم الملكيات العربية لحكم الإمام والدعم البريطاني وتم إعدام الثوار الذين تزعموا الحراك.
أما جنوب اليمن فلم يكن تابعًا لحكم عائلة بن حميد فى الشمال، لكنه كان مقسمًا بين العديد من السلطنات والقبائل والتى تتنازع فيما بينها ويغذى الخلاف بينهم التواجد البريطاني فى مدينة عدن (كانت مازالت محتلة من بريطانيا فى سبيل تأمين خطوط مواصلاتها للهند حيث أن عدن تتحكم فى مضيق باب المندب).

ثورة سبتمبر عام 1962

أفاق العالم يوم 26 سبتمبر على خبر قيام بعض الضباط من الجيش اليمنى بإنقلاب على الإمام أحمد والذى تم إغتياله أثناء حصار قصره بصنعاء من قبل بعض فصائل الجيش وقد لقب الضباط أنفسهم (الضباط الأحرار) وهذه المرة لم تقف الثورة اليمنية الثالثة على حكم آل حميد وحيدة فى وجه البريطانيين أو الملكيات العربية فقد وجدت فى مصر آنذاك ملاذا لها حيث اعترفت مصر بالثوره منذ أيامها الأولى ودعمتها بكل قوة عندما أثارت تلك الحركة والتى لاقت دعمًا شعبيًا يمنيًا كبيرًا ودعمًا من الجيش اليمني أيضًا حفيظة العائلة الحاكمة فى السعودية والتى بدورها استضافت إبن الإمام أحمد المقتول، وأعلن إبنه البدر من السعوديه عن مقاومة الانقلاب بتكوين جيش مناصر للملكيين فى السعوديه حيث بدأت الحشود تجتمع فى نجران، لم تكن فقط من أنصار بعض القبائل اليمنية المؤيدة للملكية والمستفيدة من بقائها ولكن كانت من المرتزقة الأوربيين القادمين من الكونجو وبتمويل سعودى بريطاني فرنسي، فمفهوم أن السعوديين وقفوا دائمًا ضد أى حراك جمهورى فى اليمن يخلص اليمنيين من هذا الحكم الظلامي، أما البريطانيون فرفعوا شعار (عدن لن تكون السويس) فى دلاله أن إنتصار الجمهوريون فى اليمن سيجعل جنوب اليمن هو الآخر يثور عليهم وعلى نفوذهم مما قد يؤدي لجلائهم عن عدن، وتلميح لهزيمة بريطانيا فى حرب 1956 والتى فقدت فيها شريان الحياة الإمبراطوري خاصتها وهى قناة السويس، والفرنسيون الذين لم يفيقوا بعد من هزيمة السويس حتى هزمتهم الثورة الجزائرية العظيمة بدعم مصري مازالوا يحتلون جيبوتي على الطرف الآخر لليمن من مضيق باب المندب، فكان لفرنسا الدور الأكبر لنقل المرتزقه المحاربين من الكونجو لليمن.

بيمنا ظن المصريون أنهم يقفون وحيدًا داعمين لثورة اليمن ضد من تآمر عليها من الملكيات ومن القوى الكبرى كفرنسا وبريطانيا حدث شيء من أغرب الحوادث فى حينه، حيث كان ينزل بمطار ألماظة الطيارون السعوديون الذين كلفوا بنقل الأسلحه والذخائر التى كانت تحمل ختم المعونة الأمريكية لمؤيدى الملكية فى نجران، فقد نزل مره ثلاث طيارون، ثم تلاهم آخرون، ثم كانت المفاجآة الكبرى بنزول ثلاث طيارين أردنيين بطائراتهم أيضًا بعدها بعدة أيام فى مطار ألماظة محملين أيضًا بالأسلحه للملكيين ولكن الصدمة كانت أن أحدهم كان قائد سلاح الجو الأردنى سهل حمزة والذى طلب بدوره اللجوء السياسى لمصر، إن هؤلاء الطيارين رفضوا أن يمولوا أعداء ثورة اليمن بالسلاح والذخائر التى حتمًا ستقمع ثورة شعب اليمن وجيشه وحتما ستجعل مصيرها مثل سابقاتها حيث تنتهى بعودة الإمام وإعدام الثائرين، لهذا الحدث حينها آثارًا كبيرة حيث قررت مصر إرسال سرب طائرات مصرية لدعم الثورة اليمنية تلاها قوات مصرية تدريجيًا فى الفترة من نوفمبر 1962 وحتى عام 1967 قدرت بنصف الجيش المصري، بينما على صعيد آخر خشى السعوديون والأدرنيون وداعمى الملكية من الإعتماد على الجيوش العربية فى تلك المعركة لأن الشعوب العربية كانت متعاطفة بالضرورة مع شعب اليمن وظهر هذا التعاطف فى هروب الطيارين المكلفين بحمل السلاح لأنصار الملكية إلى مصر بطائراتهم وأسلحتهم فتم الإعتماد أكثر فأكثر على جيوش المرتزقة من الأجانب، وتم الاعتماد فى التمويل على شركات البترول العالميه مثل أرامكو والملكيات، وفى التلسيح على أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل!

القوات المصرية في اليمن لتدريب القوات الجمهورية

الدور المصري فى حرب اليمن

.لماذا يحب اليمنيون المصريين؟ الإجابه هى حرب اليمن
إن مصر خلال الخمس سنوات التى تلت سقوط نظام آل حميد فى شمال اليمن لم تألوا جهدًا فى الدفاع عن ثورة اليمن حيث قاتل جنود الثورة اليمنية جنبًا إلى جنب مع المصريين والذين فقدوا العديد من أبنائهم فى تلك الحرب، فقد كانت حرب عصابات عانى فيها الجيش المصرى كثيرًا، وكانت البيئة الجبلية والقبلية وتغيير القبائل اليمنية لولائها بالمال والتهديد عوامل كثيرة أطالت من مدة الحرب لكنها بلا شك كانت حربًا لأجل حرية اليمن السعيد، كان هذا فى الشمال، بينما دعمت مصر جبهة تحرير جنوب اليمن والجبهة القومية فى جنوب اليمن فى حربهم الاستنزافيه ضد البريطانيين فى عدن، لذلك مازالت قبور جنود مصر العظماء مزارًا سياحيًا فى اليمن يعترف فيه أشقاء الشعب اليمني بالدور المصري فى حمايتهم من عودة حكم الإمام الظلامي حينما طلبوا العون من مصر، ودور مصر فى مساعدتهم فى التخلص من البريطانيين فى آخر موطئ قدم لهم فى اليمن وهى عدن.

عبد الحكيم عامر في صنعاء في ثورة 26 سبتمبر اليمنية

فى تلك الحقبه التاريخيه من عمر الأمة العربية إنضم لمعسكر القومية العربية السوريون والعراقيون والجزائريون بعد نجاح ثورتهم فأصبح ذلك المعسكر داعمًا لمصر فى اليمن وداعمًا لليمنيين بالسلاح وبالدبلوماسية، وخلال تلك الأعوام الخمسه دعمت مصر عبد الله السلال قائد الثورة اليمنية ورفاقه عسكريًا على الأرض وعسكريًا من خلال تدريب الجيش اليمني فى الكليات الحربية في مصر، حيث تم تأسيس نواة الجيش اليمني من خلال تشكيل 4 ألوية تم تدريبهم وتسليحهم فى مصر ومن مصر والذين بدورهم عادوا إلى اليمن لينضموا إلى صفوف الدفاع عن ثورتهم وحريتهم وحق اليمن فى التخلص من حكم الإمام الظلامي.

حصار صنعاء وانتصار الثورة وجلاء البريطانيين

بعد نكسة عام 1967 إضطرت مصر إلى سحب أغلب قواتها من اليمن فيما عدا بعض القوات التى إستمرت حتى عام 1972، ولكن استمر الدعم العسكري والسياسي للثورة اليمنية من خلال مصر ومعسكر القومية العربية آنذاك، مما شجع الملكيون لاستغلال تلك اللحظة التاريخية الفارقة وحشدوا حشودًا هائلة من القبائل المؤيدة والمرتزقة والمدعومة بكافة أنواع الأسلحة التى وفروها من خلال الدعم الغربي والسعودي وحاصروا قوات الثورة اليمنية فى صنعاء مستغلين الفراغ الذى أحدثه انسحاب القوات المصريه والتى كانت تدافع عن كبريات المدن اليمنيه على رأسها العاصمة صنعاء ، واستمر حصار الملكيون للجمهوريين حوالى 70 يومًا ، برغم قلة عدد الجمهوريين وقلة عتادهم وبفضل توفيق الله ودعم مصر وسوريا والجزائر وغيرهم من بلدان العالم المتحرر من الاستعمار إنتصر الجمهوريين فى حصار السبعين كما سمى تاريخيًا، وأدى انتصارهم هذا إلى اعتراف المملكة العربية السعودية بالجمهورية اليمنية فى الشمال عام 1970 وبهذا انتصرت إرادة الشعب اليمنى وجيشه إلى حين.

أما فى الجنوب فاستمرار حرب الاستنزاف اليمنية للقوات البريطانية أدى لإعلان بريطانيا عن انسحابها من عدن يوم 30 نوفمبر عام 1967 والذى أصبح عيدًا للجلاء فى اليمن، وتأسست جمهورية جنوب اليمن، والتي اتحدت بدورها بعد حين مع الشمال لتكوين الجمهورية اليمنية.

رأى غير مألوف عن دخول مصر لحرب اليمن

دائمًا ما يعد الكثيرون أن أحد خطايا نظام عبد الناصر فى مصر أنه تدخل فى حرب اليمن كما يقولون وأنه أنهك جيشه فى حروب لا تخص مصر، ولكن هناك من يريد أن يفرض على مصر حيادًا ليس فى صالحها، يقول كذبًا وزورا إن مصر أولا ولا ينبغى لمصر أن تحارب بدلا من العرب! ولكن مع هذه الكلمات التى تبدو منطقية لأول وهله تجدها كلمات حق يراد بها باطل، فحياد مصر وهي فى موقعها تقود أمتها نحو التحرر هو فى الحقيقة يعنى استمرار تبعئة العالم العربي للقوى المتصارعة، فالعالم العربي منطقة بينية بين القوى العظمى دائمًا ماستحاول السيطرة عليه كجزء من صراعها مع بعضها البعض والضمان الوحيد لانتصار العالم العربي هى وحدته، ليس بالضرورة وحدة سياسية ولكن على الأقل وحدة الهدف، وحدة القضية، وحدة القرار السياسي والإقتصادي، إن هذه الوحدة ينتج عنها مايفوق الخيال، نتج عنها سابقًا الإمبراطورية العربية الإسلامية التى أشاعت العلم والحضارة فى القرون الوسطي، نتج عنها على يد نور الدين محمود الشهيد وصلاح الدين الأيوبي التصدي للحملات الصليبية وتحرير القدس، نتج عنها على يد سيف الدين قطز صد الخطر المغولي، لذلك ليس غريبًا أن تكون تلك الأبواق المنادية بحياد مصر هى أبواق ممولة خليجيًا بالأساس، إن عالمنا العربى مصيره واحد، ونجاته فى وحدته، أما تفرقه وحياد كل دولو فيه يجعل من كل عضو فيه تابع ضعيف للقوى الكبرى، حياد مصر يجعلها ضعيفة أيضًا وتابعة وهذا مايريده لها أعداؤها ويزينه لها شياطنيها من أبنائها فمصر قوية بأمتها وأمتها قوية بها، وقد يكون ما آل إليه الحال فى عالمنا العربي فى سوريا واليمن والعراق دليل كافي على أن مافعلته مصر منذ عقود فى نصرة شعب اليمن كان الصحيح تمامًا وإن كان له بشكل مؤكد ثمن.