روايات شعبية عن حرب أكتوبر

Comments 0

«هنحارب هنحارب هنحارب» كان ذلك هتاف المصريين عشية هزيمة يونيو عام 1967 م في الشوارع، ثمة شيء عجيب في هذا الشعب.. دائما ما يجعلك بعد اليأس منه تعلم أنه يقينًا شعب كريم يعشق الحياة، وكان بعد 6 سنوات من هذا المشهد، وبعد 6 سنوات من الصدق مع أنفسنا ومعرفة أسباب الهزيمة، كان نصر أكتوبر العسكري، بغض النظر عن ما حدث بعد أكتوبر من تنازلات سياسية كبرى. 

جيش مصر عام 1967 م كان هو نفسه جيش مصر عام 1973 على مستوى القواعد، جيش قوامه من المجندين المصريين، جيش قوامه فلاحين وأفندية مصر وكل شبابها الذين يقضون خدمتهم العسكرية؛ لذا إن كنت تتعجب أن هؤلاء المقاتلين المنسحبين عام 1967 قد إستطاعوا أن يقاتلوا ببسالة بعدها فقط بستة أعوام فالسبب واضح وبسيط، كانت المشكلة دائمًا في القيادة، فالاختلاف كان كبيرًا بين القادة العسكريين في أكتوبر 73 عن قادة حرب يونيو 67، وفي هذا التقرير سنستعرض أهم بطولات البطل الحقيقي لحرب أكتوبر، والدرع الدائم لهذا الوطن وهم شبابه وشعبه. 

مارس 1969 م – حرب المدفعية 

في مارس عام 1969 م قام وعلى طول جبهة القناة أكثر من ألفين مدفع مصري بتبادل النيران مع المدفعية الإسرائيلية على الضفة الشرقية لقناة السويس، وكان هدف القوات المصرية هو اختبار خط بارليف ومدى حصانته، وإثر تلك المعركة المشهورة تدمر حوالي 80 بالمائة من حصون خط بارليف، وجدَّ الجنود في الصباح التالي لإنهاء المعركة.. قائدهم يقف بينهم، يتفقد الجبهة وأحوالها، وفجأة تجدد القصف الإسرائيلي مرة أخرى واستشهد القائد! إنه الشهيد الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في حرب الاستنزاف، لا تكاد تصدق حينما تسمع الخبر في حينه أن ثاني أكبر رتبة في القوات المسلحة سقط شهيدًا وسط جنوده على جبهة القتال، كانت تلك رسالة للمصريين أن هذه المرة القا من طراز مختلف، وأن الإرادة حقيقية لتحرير الأرض، لا صوت يعلو فوق صوت المصريين طوال الأعوام الستة بين حرب أكتوبر وحرب يونيو حاولت إسرائيل دائمًا الضغط على القيادة في مصر من خلال ما سمي غارات العمق حيث تم ضرب مصانع كمصنع نجع حماي، ومدارس كمدرسة بحر البقر. كان الهدف دائمًا هو إضعاف عزيمة هذه الأمة وإثناؤها عن فكرة تحرير الأرض، لكن المصريين كعادتهم استقبلوا القنابل من السماء، وضيق المعيشة ونقص السلع في الأسواق، ورحيل أبنائهم عنهم في الخدمة العسكرية على جبهة القناة، وكلهم أمل في محو آثار الهزيمة كما وصفهم الكاتب الصحفي محمود عوض في كتابه الحرب المستحيلة، وصفًا بالغًا عظيمًا، كذلك تحدث عن هؤلاء الشباب الذين كانوا يقضون مدتهم العسكرية وهم لا يعلمون لها نهاية! إنك مجند في الجيش حتى استشهادك أو تحرير الأرض. 

العلم الإسرائيلي كان مرفوع على الضفة الشرقية للقناة كل 100 متر، «كنت أرى لون القناة أسود، هذا اللون الكئيب.. كنت طوال الست سنوات العجاف أرى القناة لونها أسود» محمود خلف – المجموعة 129 قتال الصاعقة المصرية. 

6 أكتوبر عام 1973 م.. هذا يوم مختلف عن سابقيه، لن يكون لون القناة أسود بعد اليوم، دعنا من هذا ولندع كلمات شباب مصر المرابطين على جبهة القناة حينها تصف لنا مشهد يوم العبور. 

«جمعنا قائد الكتيبة وقال لنا أفطروا، ضحكنا، راح موزع شاي وتمر وفطرنا، ولما فطرنا بدأنا نحس بالرهبة، مفيش حد مبيخافش، قالنا النهاردة الساعة 2 إن شاء الله هناخد طارنا، يا نروح ملناش لازمة» يسري عمارة – الفرقة الثانية مشاه. «وأنا على ارتفاع 5 كيلو في سيناء وشايف انفجار هنا وانفجار هنا، صواريخ إسرائيلية بتضرب الطيارات بتاعتنا وطياراتنا بتضرب مواقع الصواريخ، حاجة كدا شبه فرح بلدي! زي الكهارب اللى بتنور ومتعلقة.. حاجة جميلة، سينا بقى كانت عمالة تزغرط» سمير عزيز ميخائيل – طيار مصري شارك في الحرب. 

«انظر إلى مياه القناة الرائعة والتي تخبرنا بأنه بعد دقائق سينقلب الحال والمياه كأنها تطلب منا أن نذهب لها لنستحم ونتمتع بها، لا أن نعكرها بالقصف والدماء، طار خيالي وانقلب لون الماء الفيروزي على الشاطىء، والذي هو أخضر فاتح.. سكنت عن التفكير وكل ما أنا فيه نظرات حالمة لمياه القناة وسعادة بالغة بذكرى الأحباء في القاهرة والزقازيق، وهتف هاتف بداخلي.. لا تغـضب إن الحرب قادمة وستعالج كل شيء، أفزعني صوت الطائرات الهادر المفاجئ لنا جميعًا وهتفت هذا هو، وقفت مضطربًا فقد كانت لحظة سكون وحلم وخيال لانتبه على هذا الصوت الجبار وانفجارات الصواريخ والقنابل تتساقط أمامي في الشرق، لقد عبرت الطائرات القناة من فوقنا مباشرة، وهذه هي المرة الأولى التي نشاهد فيها قواتنا الجوية تعبر من فوقنا وتقصف العدو، فدائمًا ما نشاهد طائرات العدو هي التي تقصف وتدمر وتقتل، وطائراتنا عاجزة أن تفعل مثلها، هاجمت الطائرات أعماق سيناء ونحن نشاهد الانفجارات تتوالى وأعمدة الدخان تتصاعد دليلًا على إصابة الأهداف بدقة، وقفت صارخًا.. احملوا القوارب، وأعيد الأمر.. ارفعـوا القـوارب.. حملوا القوارب بوهن أو قل إن أعصابهم وقواهم قد خارت.. لقد عذرتهم فما حدث في الثواني السابقة أربكنا جميعًا وليس هذا خوفًا أو جبنًا، فمنذ ثلاث سنوات وبدون قتال أو اشتبكات.. حملت الفصيلة المحددة قواربها وأنا أصرخ بهم.. تحركوا إلى الثغرات لعبور القناة.. شاهدتهم متحجرين.. أطلقت عدة دفعات من سلاحي قريبًا منهم، وقد أفاقهم هذا الصوت وتناثرت شظايا الرمال حولهم فاندفعوا» أسامة علي الصادق – قائد فصيل، حاصل على نوط الجمهورية في كتابه عن الحرب، الناس والحرب. 

«ما شاء الله لقينا نفسنا على الشط الثاني، تعالى بقى تخيل هنطلع الساتر الترابي اللي ارتفاعه 20 م، ورغم ذلك كنا طالعين زى الفراشة اللي بتجري» محمد الصول – الفرقة 19 مشاه – الجيش الثالث. 

الثامن من أكتوبر 1973 – الهجوم المضاد الإسرائيلي الأول

«أخدنا أوامر بالضرب، ضربنا عليهم بكل الأسلحة اللي معانا، كل حاجة بالمعنى الحرفي.. كانت مجزرة، الصواريخ والأربجيهات، الجنود المصريين حاملي الأربجية كانوا زي العصافير وهي بتتنطط من شجرة لشجرة، كان يدخل ورا التبة لحد ما الدبابه تقرب 50 م ويضربها، ثم يدخل على التبة التانية» يسري عمارة – الفرقة الثانية مشاه. 

«كان عندي أسئلة عن القوة التدميرية لصاروخ ضد دبابات! لكن مع أول صاروخ وأول دبابة دي كانت المشكلة الأولى والأخيرة بالنسبالي، في درس جديد طلع في الحرب سواء فرد المشاه أو فرد الصاعقه بقى يقدر يطلع الدبابة برة المعركة» محمد المصري – موجه صواريخ صاغر. 

«أنا ضربت 31 صاروخ، دمرت 16 طيارة، 1.8 صاروخ لكل هدف، ودا رقم عالمي، المفروض إني أضرب من 2 ل 3 صاروخ لكل طيارة» أيمن حب الله – قائد الكتيبة 418 دفاع جوي المصرية. 

الثالث عشر من أكتوبر – استسلام آخر حصون خط بارليف، لسان بور توفيق 

«مش مصدق إن أنا أشوف الجنود الإسرائليين وهما بيرفعوا الراية البيضاء، وجايين مذلولين رغم إن إحنا عاملناهم معاملة كويسة جدًا» حمدي الشوربجي – الكتيبة 43 صاعقة مصرية.

 «لحظة الاستسلام الإسرائيلي كانت لحظة ذل! يعني لما تحس بذل العدو لدرجة إنك تتأثر دي قصة تانية، الظابط وقف يطبق العلم الإسرائيلي ويدى التحية للظابط المصري ويسلمه العلم والمسدس ويرفع علم مصر مكانه، أنا عيني دمعت، أنا لو كنت مكانه كنت أموت نفسي أحسن» معتز الشرقاوي – الكتيبة 43 صاعقة مصرية.

الثغرة ومحاولات الإسرائليين السيطرة على مدينة السويس 

«دخلت الدبابات الشوارع وراح إبراهيم سليمان ضارب أول دبابة ووقفها، وكل الدبابات والمدرعات وقفت وراها لأنها قفلت الشارع، وهما دارسين وعارفين إن أي دبابة أو مدرعة تقف فى مدينة أصبحت قبر متحرك، فهربوا من الدبابات ودخلوا البيوت» أحمد العطيفي – أحد أفراد المقاومة الشعبية بمدينة السويس.

«كنت قائد كتيبة مدرعات بالحرب غرب القناة أثناء الثغرة، وكنت متخفي ببعض الدبابات وسط الأشجار ووجدنا جندي مصري بيجري ودبابة إسرائيلية بتجرى وراه ومستخسرين يضربوه بطلقة مدفع أو رصاصة فالدبابة عايزة تدوسه، تحمس الجنود وقالولي نضرب يا فندم؟ خفت أدي القرار لأحسن مكاننا ينكشف، قم ملازم في الكتيبة بدون أمر ضرب الدبابة بدبابته ووقع الجندي المصري على الأرض وتدمرت الدبابة الإسرائيلية وقعدنا منتظرين نصف ساعه إن الجندى يقوم مش بيقوم ، ولما إطمنا إن مفيش إسرائليين قريبين طلعت بعض الجنود يطمنوا على الجندي فوجدوا الجندي ما زال عايش، لما سألته ليه يا بني مقومتش بعد ما وقعت وهربت! قالي إفتكرت إن الضربة جت فيا يا فندم وإفتكرت نفسي في الجنة» قائد كتيبة مدرعات في الجيش الثالث الميداني. 

حارب المصريون كما وعدوا، جنود مصر المجهولين الذين قاتلوا واستشهدوا، شباب مصر الذين بذلوا من أجلها الكثير، أهل مصر الذين تحملوا أعباء الحرب، هؤلاء هم أبطال أكتوبر الحقيقيون، هؤلاء هم الذين أحبوا هذا الوطن بصدق، وفدوه بروحهم ثم عادوا إلى مزارعهم وأماكن عملهم مغمورين، هؤلاء هم من يستحقون الثناء، جيشنا طوال الوقت كان عماده وعموده الفقري هو المجند المصري ذو المؤهل العالي أو المتوسط، وهؤلاء غير مسئولون عن الهزيمة، لكن مؤكد أنهم مسئولون عن كل انتصار. يحيا شباب مصر بعيدًا عن التخوين والتكفير والتهديد.. يحيا شباب مصر ليحيا الوطن. هذا هو درس أكتوبر يا متعلمين يا بتوع المدارس!