الأدب المهمش.. والنضال من أجل الهوية

Comments 0

يعتبر الأدب المرآة العاكسة لثقافات الشعوب في المرآة الأكبر مرآة التراث الإنساني والحضارة الإنسانية؛ فلا يمكن أن نتعرف على أي شعب إلا من خلال الأدب المحاكي له والخاص به، فنتعرف على الشعب الروسي من خلال بعض كتابات دستويفسكي، ونتعرف على الشعب المصري من خلال كتابات نجيب محفوظ عن الحواري والأزقة المصرية القديمة، ونتعرف أيضًا على الشعب الفلسطيني ونعرف عن النضال الدائر هناك من خلال كتابات غسان كنفاني، فهكذا تعرف الشعوب من خلال اختراع يسمى الأدب،

فالأدب كلمة تحمل الكثير من المعاني، والكثير من الناس يعتبر الأدب مرتبطًا بالأماكن فقط حتى ولو توحدت اللغة في هذه الأماكن  وهذا الاعتبار صحيح، فالأدب المصري يختلف عن الأدب السعودي والكويتي، وكذلك السوري يختلف عن التونسي أو الجزائري، وهكذا اختلافات من حيث المنهج التاريخي والنفسي والمنهج البنيوي اللساني أيضًا.

وكما نعلم أن لكل قاعدة شواذ، والشاذ بل والمميز من الأدب في وطننا العربي والإفريقي هو الأدب الأمازيغي، فالأمازيغ كما تشاهدون كل يوم على شاشات التلفاز أنهم مهمشون أيًّا كان موقعهم الجغرافي، فهؤلاء الناس مظلومون وما زالوا يُظلمون، لا لشيء إلا لأنهم منتمون إلى لغتهم ويجهلون لغة الآخرين،

فالمقصود بالأدب الأمازيغي هو الأدب الناطق باللغة الأمازيغية والتي تعد اللغة الأصلية لسكان شمال إفريقيا (المغرب العربي، تونس، الجزائر، مالى والنيجر وصولًا إلى واحة سيوة في غرب مصر).

والجدير بالتعريف أن اللغة الأمازيغية مثل اللغة العربية قبل التوحيد والتعقيد، فهي لغة يتكلم بها سكان الدول المذكورة ولكن بلهجات وتنوعات لسانية مختلفة ذات أصول مشتركة.

والأدب الأمازيغي ليس قصرًا على سكان أمازيغ المغرب العربي كما يظن البعض وإنما وجد حيث وجدت اللغة الأمازيغية أيًّا كانت؛ ومن هذا المنطلق عمل الباحثون والأدباء المغاربة على عدم الاعتداد بالأصول الإثنية للأدباء، بل الاعتداد باللغة التي يكتبون بها، فنجد أن كاتبًا ما مغربيًّا من أصول أمازيغية يكتب ويبدع باللغة الأمازيغية يندرج إبداعه ضمن الأدب الأمازيغي، لكن إذا كتب باللغة العربية اندرج عمله ضمن الأدب العربي.

إن الأدب الأمازيغي أدب عريق وقديم بل وضارب بجذوره في الهوية والأدب المغربيين، إنه أدب متأصل في حياة الأمازيغ وحضاراتهم وفنونهم، ويعكس تصورهم لتاريخهم ومحيطهم وقيمهم الاجتماعية وعاداتهم وتقاليدهم؛ فنجد الحكايات والقصص والشعر والأمثال والحكم والمواعظ والوقائع التاريخية، لكن ما أدى إلى اندثار وضياع وتناقل هذا النوع من الأدب الجميل هو العامل الشفوي؛ فالأمازيغ كانوا يعتمدون على نقل أدبهم شفويًّا لا كتابيًّا وهذا أدى إلى فقد الكثير من الإبداعات،

وقد عثر على كثير من المخطوطات القديمة المدونة باللغة الأمازيغية في مجالات عدة مثل الفقه والزراعة وشرع النحو العربي باللغة الأمازيغية وقصائد شعرية وتراجم من اللغة العربية للأمازيغية، فتوصل الباحثون إلى مخطوطة تعتبر من أقدم المخطوطات في اللغة الأمازيغية، حيث يرجع تاريخ تدوينها إلى القرن العاشر الميلادي.

وبهذا نجد أن هذا الأدب ليس كما يزعم البعض وليد حركة النشر التي ظهرت في ختام الستينيات، ولا هو أيضًا وليد الحركة الأخرى التي ظهرت في مفتتح السبعينيات وهي الحراك الثقافي من أجل الاعتراف باللغة والهوية الأمازيغيتين؛ فهل تعلمون ما الحرف الذي يستخدم للتدوين في اللغة الأمازيغية، بالطبع تظن أنه الحرف العربي لتكوين هذه اللغة وسط بيئة عربية، وهذا ظن صحيح، لكن توجب عليك العلم أن الأمازيغ استخدموا العديد من الحروف للتدوين في لغتهم، منهم الحرف العربي الذي كان أداة الكتابة الوحيدة على مر القرون، ومنهم اللاتيني وخط تيفينياغ أيضًا، فبعض الأمازيغ لا يزالون أحيانًا يستعملون الخطين العربي واللاتيني في تدويناتهم، وقد عثر على مخطوطات كثيرة بهاتين اللغتين.

اشتهر الأدب الأمازيغي بالشعر والشعراء، حيث سمي الأمازيغ من قبل بعض النقاد والباحثون بالأمة الشاعرة أو أمة الشعر، فالشعر الأمازيغي يتسم برصد صور الحياة والعلاقة بالأرض وطبائع الناس الجماعية والفردية وأعراف المجتمع وتقلباتهم بين حالات الفرح وحالات الأسى، يكتبون ذلك إما في صيغة قصائد طويلة أو في صيغة شذرات متوالية تطبعها رؤى استعارية ورمزية.

وبخلاف الشعر الأمازيغي وجدت الرواية والقصة أيضًا ولكن وجدت هذه الأنواع متأخرة في الأدب الأمازيغي الحديث، فقد نشرت أول مجموعة قصصية أمازيغية عام 1988 تحت عنوان (ئمارين) للكاتب حسن إيد بلقاسم، وتم نشر أول عمل روائي عام 1983 للكاتب الأمازيغي محمد بوزكو بعنوان (المشي على حافة المشنقة) وهذا العنوان يعتبر معربًا من الأمازيغية.

ومن أشهر الكتاب الأمازيغ الذي ولد عام 1942 الكبير الراحل علي صدقي أزايكو وله أعمال غنية من أشهرها (الإسلام والأمازيغ) وله أيضًا ديوانان شعريان هما (يتميتار) و (ءيزمولن)؛ ويستغل أزايكو في شعريته موضوع النضال من أجل الهوية الثقافية الأمازيغية، أي أزايكو يكتب للمهتمين والمناضلين من أجل قضايا الأمازيغ ومواضيع تهميش ومشكلات هؤلاء المتأصلين أصحاب اللغة والمكان.

وبحسب ما نشره المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عام 2010 فإن عدد الأعمال الأمازيغية الموجودة في المغرب -باعتبار أن أمازيغ المغرب هم الأبرز- وصل إلى ما يقرب من 215 كتابًا، منها 13 كتابًا في الرواية و56 كتابًا في القصة و8 كتب في المسرح و 129 كتابًا في الشعر.

والآن! ما الذي يمنعك من قراءة هذا الأدب الذي يريدونه وأهله مهمشًا أبد الدهر، ويريده أهله أن يخرج من خلف القضبان إلى النور والحرية، فإن كنت لا تعرف شيئًا عن الأمازيغ أو إن كنت حتى تعرف بعض الشيء عنهم، فعليك بقراءة أدبهم لمعرفة المزيد والمزيد عنهم ولمعرفة الدائر مع هؤلاء المظلومين المناضلين من أجل الهوية واللغة، ولتعرف أيضًا أنهم لا يستحقون كل ما يحدث لهم من تهميش وإقصاء.. أقول قولي هذا وأنت القارئ الأرقى.