بيتٌ من الرمال | كلمة تهدم حياةً كاملة

رأيت طفلًا يشيد بيتًا كبيرًا من الرمال عند شاطئ البحر، يهرول بالدلو إلى الماء ويعود ليثبت دعائم بيته.. يروح ويعود، يرسم نوافذ وأبوابًا، يبني قرميدًا ومدخنة، يحفر قناة تعبر منها المياه، يبسط ساحة واسعة، يبنى سورًا كبيرًا، حتى صار قصرًا يجذب الأعين، ثم قام ببساطة وركل القصر حتى عاد أكوامًا من الرمال.

  كيف ترى هذا الطفل؟ وماذا لو علمت أنه قام بهدم قصره دون أسباب؟ وماذا لو علمت أن كثيرًا من الناس يقومون مقام الطفل، ولكن بكلمة؛ يهدمون بها حياةً كاملة، بل يحكمون على أنفسهم بالهلاك.

  هناك من يتلفظ بـ “سبّ الدين” غضبًا أو مُزاحًا؛ يبحث عن شخصية قوية تجبر من حولها على الصمت والانصياع لها، أو نفس غاضبة تطمح لبلوغ أقصى مدى لإهانة نظيرها، يثيره ويمزق كرامته، أو مازحٌ يرغب في إضحاك من حوله، أو جذب انتباههم، بالخوض فيما هو ممنوع وغير مجازٍ، أو مندفع اعتاد لسانه على النطق بها دون إدراك عواقبها.


ماذا يحدث عند سب الدين؟ هل هي كفر أم لا؟

سؤال أثار الكثير من الجدل، ما هو مصير من سبَّ الدين مرة واحدة؟ سواءً كان غاضبًا أو مازحًا؟

  يقول دار الإفتاء في مقال نشره حول هذا الموضوع:

   “اتفق الفقهاء على أن مَن سبّ ملة الإسلام أو دين المسلمين فإنه يكون كافرًا، أما مَن شتم دينَ مسلم فإنه لا تجوز المسارعة إلى تكفيره؛ لأنه وإن أقدم على أمر محرَّم شرعًا، إلا أنه لَما كان محتملًا للدِّين بمعنى تدين الشخص وطريقته، فإن هذا الاحتمال يرفع عنه وصف الكفر، إلا أنه مع ذلك لا ينفي عنه الإثم شرعًا؛ لأنه أقدم على سب مسلم”. (1)

   وقال الشيخ عبد الله العجمي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية:

“إن سب الدين أمر مستفظع يؤدي بصاحبه إلى درجة قبح يحل به إلى الكفر، إن قصد الديانة، ولكن إن قصد الشخص ذاته، فإن هذا أمرًا مستقبحًا وليس محمودًا، ويعد كبيرة من الكبائر”. (2)

   وقال د/ سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف السابق:

“سبّ الدين إثم كبير، ولكن لا تصفوا من سبّ الدين بأنه كافر، إلا أنه إثم عظيم، يكفي أنك بهذا تسبّ الله الذي أنزل هذا الدين، وتسب النبي الذي بلغ هذا الدين، ولكن قد يكون المسبّ غير قاصدٍ، ويجوز أن يرجع عن فعلته، بشرط التوبة إلى الله، والتعهد بعدم تكرارها مستقبلًا”. (3)

   في المقابل، أصدر موقع إسلام ويب فتوى تقضي بأن من سبّ الدين عمدًا، فإنه كافر مرتد عن الدين، وإذا كان متزوجًا فإن زوجه تصبح محرمة عليه، لا يقربها، وعليه إذا أراد التوبة، أن ينطق الشهادتين ويغتسل، وأن يجدد عقد الزواج، وفي مذهب الإمام مالك، فإن الزوج إذا طلق زوجه مرتين، وردها، ثم سبّ الدين، فإنها تعد طلقة ثالثة، ولا تحل له الزوجة، حتى تتزوج زوجًا آخر ويطلقها. (4)

نية “سب الدين”

   يمكن القول بأن كل إنسان يملك بطاقة شخصية، تحمل خانة الديانة، إلا أن البطاقة الحكومية تختلف عن بطاقة إلهية تولد مع الإنسان منذ ولادته، تحتاج إلى تحديث كل يومٍ، وإلا فلماذا فُرضت الصلوات الخمس؟ ولماذا كان النبي يدعو “اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك”؟

  سباب الدين لا يؤذي بطاقتك الشخصية، ولكن ماذا عن بطاقتك الإلهية التي ترسم طريقك في الآخرة؟

  بكلمة واحدة، ينهار بيت من الرمال عكفت على بنائه طوال حياتك، بل والأخطر، أنك أحلت إيمانك إلى بيت رملي، من السهل أن يُركل ويتم هدمه.

  ومهما تكن نيتك، فأن تعي بأن ما تقصد سبّه هو الدين، هو الأزمة بعينها.

ماذا لو كان كفرًا؟

  هناك من يستشيط غضبًا، فيصيح “سأسبّ الدين.. سأسبّ الدين”، كأنه ينذر بإهانتك أقذع إهانة، ولا يدري أنه يسبّ دينه، أيضًا، ولكنه يدرك أن ما يقدم على سبابه هو الدين عامة.

  ومع اختلاف الفقهاء في وصف مسبّ الدين، المتعمِّد، بين آثم وكافر، فماذا لو صار سباب الدين كفرًا؟

  ماذا لو انطبق عليك قوله تعالى ؟

{ولئن سألتهم ليقولن إنما كنَّا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} (5)

  تخيل أن تصبح بحاجة لدخول الإسلام من جديد؟ تخيل بيتًا يُهدم، وزوجًا تُطلّق، وأبناءً يرثون عادة “سباب الدين”.. أن تسير في الشارع، فتقابل طفلًا يلهو مع صديقه، فيسب الدين وهو يلعب، يتعلم من صغره كيف يستهين بدينه.

كلمة أخيرة..

  أنا لست شيخًا أو داعية، ولا أصفك بالكافر، ولكن هذا إيجاز لأزمة يعاني منها الكثيرون.. لا تجعل الدين عرضة للسباب، أو لهوًا تتندر به مع الجالسين حولك، لا تسمح للسانك أن يقودك إلى الهاوية، لا تبرر سبّك للدين بأنه قول اعتدت عليه، تذكر بأن ما تقوله هو أمر دائر بين الكبيرة والكفر.. لا تخسر دينك من أجل كلمة، لا تجعل إيمانك بيتًا من الرمال، بل اجعله قلعة حصينة، تقف أمام كل من يسبّ الدين، بنصيحة أو دعاء.

  سبّ الدين ليس قوة، بل حياة تُهدم وبيتًا يُخرب…

المصادر

  1. فتوى دار الإفتاء المصرية حول حكم سب الدين
  2. فتوى الشيخ عبد الله العجمي حول حكم سب الدين
  3. فتوى موقع “إسلام ويب” حول حكم سب الدين
  4. فتوى وكيل وزارة الأوقاف حول حكم سب الدين
  5. سورة التوبة (65-66)