عوالم موازية

Comments 0

نُطمئن أنفُسنا بأننا لن نفقد شيئًا أبدًا، لن يفوتنا قطارٌ ولا يُصيبنا سقمٌ ولن يُهدر عمرٌ ولن تُسجن رغبةٌ ولن يموت شجن. دائما سنكون أحرارًا فى كل اختيار, دائما هناك عالم آخر موازٍ لكل شيء فات أوانه أو لم ينتظرنا لنقتنصه.
أنا مع حبيبٍ لى أبَى الزمن أن يُجمِّعنا، فأبتسم وأقول ربما أنت لى في عالم آخر.


هى افترشت عمرها في سبيل تحقيق حلم واحد؛ لكن يأبى القدر أن يتحقق، فتظن في هدوء أنه في عالم آخر لها كاد أن يتحقق، وتزيد على ذلك بأنها تعيشه بكل حواسها كل يوم، وتراه رؤية النبيِّ لجبريل لا كَذب فيها، كلما سرحت في سقف غرفتها.


أما هو تسوء علاقته كل يوم بأهله، فيمُدَ بصره في الفراغ ويغرق في التفكير، ثم يقول بصوت مسموع بين تمنٍّ وسذاجة: ماذا لو كنتُ ابن رئيس الجمهورية! أو حتى ابن وزير، أو ابن ظابط مثل صديقٍ قديم، ربما كنتُ أعيش فى رغدٍ من الحال وسعادة، وكانت لتنتهى كل خلافاتي مع أهلي.


يجلس طفل بجانب أمه في حديقة، تتودد إليه أمه وتعامله بلطف، وتتمنى أن تفترش الأرض تحت قدميه ليبتسم؛ فيبتسم لأول مرة حتى تحمر وجنتاه، عندما يلمح طفل آخر يقفز ويجري ليلتقط بالون كبير قبل أن يرتفع عاليًا. تبتسم الأم ابتسامة باهتة وتقول هيا لنذهب، تعتدل لتساعد ابنها وتدفع كُرسيه المتحرك، ويترتفع البالون للسماء حتى تختفي معالمه.


صوت التلفاز مسموع، يجلس الزوج على أريكة مريحة، يُظهر أنه يشاهد التلفاز، بينما هو مستغرق في افكارٍ كثيرة ..
ترفع الزوجة سماعة الهاتف وتتصل على رقم محفور في ذاكرتها بوضوح: من فضلك لزوجي حجز مُسبق مع دكتور الأمراض التناسلية… اتصلتُ لكي أؤكد الميعاد الأسبوعي… تتكلم السكرتيرة كأنها مذياع أو شريط كاسيت مُسجل، تلتقط أذان الزوجة كلام مُبهم وتعكس عيناها صورة واضحة من التلفاز لممثل تركي مشهور شديد الفحولة وعريض البنية وجاحظ العضلات…تستغرق الزوجة ثوانٍ لتعود من غفلتها لتقول: شكرا لكِ، وتغلق السماعة .
فى الخلفية، يُتابع الزوج عيني زوجته من بعيد وتركيزها الزائف اثناء المكالمة…

يكة مريحة، يُظهر أنه يشاهد التلفاز، بينما هو مستغرق في افكارٍ كثيرة ..
ترفع الزوجة سماعة الهاتف وتتصل على رقم محفور في ذاكرتها بوضوح: من فضلك لزوجي حجز مُسبق مع دكتور الأمراض التناسلية… اتصلتُ لكي أؤكد الميعاد الأسبوعي… تتكلم السكرتيرة كأنها مذياع أو شريط كاسيت مُسجل، تلتقط أذان الزوجة كلام مُبهم وتعكس عيناها صورة واضحة من التلفاز لممثل تركي مشهور شديد الفحولة وعريض البنية وجاحظ العضلات…تستغرق الزوجة ثوانٍ لتعود من غفلتها لتقول: شكرا لكِ، وتغلق السماعة .
فى الخلفية، يُتابع الزوج عيني زوجته من بعيد وتركيزها الزائف اثناء المكالمة…


يجن الفقير إذا أدرك أنه لا ما يوجد ما يسمى بعالم آخر، به حساب وثواب وجنة ونار …إذا لم يَعُد هناك جنة فعبثٌ أن يتحمل جحيم الحياة، يؤمن بذاك العالم الموازي الذى لا ريب فيه، وقت أن يحقق كل ما كان يتمناه، ويُحوِّل كل حياته البائسة إلى حياة القصور…


” ربنا لا تُحملنا ما لا طاقة لنا به ..” ماذا لو أصبح البشر لا يتحملون الحياة نفسها! …فكرة أن تعيش ..أن تتمنى ما لا سبيل لك عليه. تأمل كيف تحرق بلاد جثث موتاهم فقط حتى لا تُبعث روحهم من جديد لتلك الحياة، تأمل كم يؤمنوا أنه يكفي حياة واحدة ..يكفي .


تخيل الحياة مركز دائرة كبيرة ولها ملايين أنصاف اقطار تتفرع من مركزها، كل قطر بحياة أُخرى موازية لحياتك الحقيقية بالمركز…كيف لك أن تكون بالمركز وعلى كل قطر في آنٍ واحد! إنه لخبلُ الحياة وعبثيتها …تُحب أن تكون أنت هذا وذاك. أن تحصل على إثنين وكل منهما على أقطاب متنافرة…بين حياة حقيقية وحياة مُتمناه شعرة، حتى أنت نفسك لا تُدرك أن تُميز بينهما…تغرق في كل منهما …تغرق حتى الوهم، فيُصبح الحق والوهم شيئًا واحدًا، تغرق حتى الهذيان..فتُصبح أنت العاقل والمجنون، والعالم والجاهل، انت الأذان الذى يصدر من جرس الكنيسة، أنت الشيخ والقسيس، الزرع والاضمحلال, الخوف والإقدام….


فلعلك أمنت يوماً حتى ظننتُ أنك مستحيل أن تكفُر، وقد كفرتُ فى عالم أخر..ولعلك تختال بنفسك كلما شعرت بالشجاعة والإقدام والقلب الميت الذي لا يُوقفه جبار، وقد كنتَ ذاك الجبان الرعديد فئ حرب يملؤها رماد الجثث ويتناثر فيها الدماء على جبهتك، كلما أمنت بشيء تنتابك الشكوك ، وكلما اتخذتَ قرارًا تُحدثك نفسك بماذا لو…وكلما أكد الطبيب أنك سليم مُعافى، كلما أمنت أنه من المؤكد أن مرضك خطير للدرجة التي تجعله يتخفى بين أضلعك ويعجز الأطباء عن اكتشافه…وكلما ساد الصمت المكان كلما تهيأ لك أن أحدهم ينادي عليك…وكلما زدتَ غنى كلما تعتقد أنه لابد أن يأتي يومٌ وتزول كل النعم ..


صدقت..أنت تنتابك الشكوك فلا تتركك حتى تنتابك الهواجس …ولا يُنقذك أحدٌ، ولا حتى الموت نفسه؛ لأنه وقتها تُحدثك نفسك بصوت مسموع بأنها حتمًا ليست النهاية!