فريدا كاهلو.. أتمنى أن يكون الرحيل سعيدًا

Comments 0
فريدا كاهلو

هل حاولت يومًا أن تكره ذاتك كثيرًا للحد الذي تعشقها عنده؟! أمرٌ غريب، أليس كذلك؟!
ما سأخبركم به الآن ليس قصة حياة شخصٍ ما أو قصة نجاحٍ ما، ما سأخبركم به هو المعنى الحقيقي لمقولة: “من رحم المعاناة، يولد الإبداع”.

هي، لم تكن قط تلك الفتاة المدللة التي تحب ارتداء الفساتين واستخدام مساحيق التجميل، لم تكن كمثيلاتها ممن يطمحن إلى الزواج والاستقرار، على الرغم من أنَّها كانت تؤمن بالحب إيمانًا كبيرًا، كانت أمها تستاء كثيرًا من ذلك الأمر، فقد كانت امرأةً تقليدية على أية حال، أما عن والدها فقد آمن بابنته وأحب عفويتها واختلافها.

بدأت حكايتها عندما كانت ابنة الثامنة عشرة، كانت تهتم بالسياسة وتحب الفن ولم تكن حينها قد اكتشفت موهبتها بعد، صدِّق أو لا تصدق، كانت تطمح في أن تصبح طبيبة وكان الطب هو محور اهتمامها الأوَّل للدراسة، لكن بالطبع كان للقدر رأيٌ آخر! حيث باغتها ذلك الحادث الأليم، الذي لاحقها فيما بعد طيلة حياتها، ذلك الحادث هو ما جعلنا جميعًا نتعرف إلى واحدةٍ من أشهر شخصيات القرن العشرين “فريدا كاهلو”.

فريدا، ليست مجرد فتاةٍ متصلة الحاجبين وإنَّما هي رمزٌ لكل ما يمكن أن يُرمز إليه. بدأت معاناة فريدا في عمر السِّت سنوات حينما تم تشخيصها بشلل الأطفال، بالرغم من تغلبها على المرض، لم تقف معاناتها عند ذلك الحد بل استكملت سلسلة من العقبات الجسدية والنفسية. بعد حادث المرور ذاك تحملت العديد من جراحات الحبل الشوكي الفاشلة، ظلَّت في دوامة العلاج تلك طويلًا وكانت تبكي نفسها كل ليلة حتى النوم، ليس فقط من شدة الألم أو من ضياع حلم التحاقها بمدرسة الطب أو من ترك حبيبها لها أو حتى من كونها طريحة الفراش لا تملك القدرة على تحريك أصبع، ما آلمها حقاً هو والدها الذي كان قد نفد ماله ولم يعد بوسعه تحمل تكاليف تلك الجراحات بعد الآن.

وفي أحد الأيام أخبرته فريدا بحقيقة شعورها وطلبت منه عدم الاستمرار في الإنفاق على علاجها فقد سلَّمت لكون حياتها قد توقفت، فلا داعي للمزيد من التعاسة بسببها. أخبرها والدها بأنَّ هذا ليس من شأنها، وبأنه سينفق كل ما يملك حتى تستعيد صحتها مرةً أخرى حتى لو اضطر لبيع المنزل، ألقى النكات لجعلها تضحك وتنسى ما قالت، ثم أعطاها لوحةً وعدة ألوان وأخبرها بأن ترسم عليها بدلًا من الجبس الذي كانت قد ملأت كل رقعة فيه بالألوان. تذكَّرت حينها حلم طفولتها في أن تصبح رسامةً موهوبة، تذكرت شغفها وحبها للرسم. بعد فترة كانت فريدا قد أتمَّت علاجها وأصبحت قادرة على المشي مع عرجةٍ خفيفة تكاد لا تُلاحظ عند مشيها ببطء.

“Feet, what do I need you for when I have wings to fly?”
“أقدام، لماذا قد أحتاجك في حين أمتلك أجنحةً لأطير؟”

بدأت نظرة فريدا للحياة تتغير كثيرًا، لم تعد تبالي بشيءٍ على الإطلاق. في إحدى المرات ذهبت لحفلة كانت سببًا في تغيير حياتها مرةً أخرى، حيث التقت فيها بـ “دييغو ريفيرا” الذي تزوجت به فيما بعد، كان دييغو نقطةً فاصلة في حياة فريدا، كما كان هو الآخر رسامًا مشهورًا ومنخرطًا للغاية في السياسة، أحبته فريدا ببساطة، بالرَّغم من كل العلامات التي قد تمنعها من ذلك، فقد كان دييغو رجلًا لا يعرف الحب؛ بمجرد أن تعجبه إحدى الفتيات يركض نحوها مباشرةً،  وريثما يجد الأفضل منها يلجأ إليها، ولكن إنَّه الحب! لا يعرف قواعد أو يمتثل لقوانين، تزوجا على الرغم من رفض الجميع لذلك الزواج، كانت فريدا تعلم جيدًا عواقب ذلك الزواج وكانت تعلم أنها لن تستطيع تغيير دييغو ولكنها على الأقل كانت تأمل ذلك…
أخبرته فريدا أنها لا تريد منه الالتزام أو التقييد، أخبرته أن باستطاعته عيش حياته كما يريد ولكن عليه أن يعاهدها على الولاء لها، أن تعبث مع من تريد لكن أظل أنا الأولى، أظل أنا الأهم وإياك أن تجرح مشاعري أو تخل بذلك الاتفاق. عانت فريدا كثيرًا مع دييغو وكثيرًا ما اكتشفت خيانته لها لكنها لم تُعِر الأمر اهتمامًا، قضت حياتها في تلك الفترة ما بين المكسيك والولايات المتحدة.

عانت فريدا عندما علمت بحملها رغم تحذير كل الأطباء من ذلك وتوضيحهم أنَّ ذلك قد يودي بحياتها، لكنها كانت أسعد من أي وقت مضى وقررت الاحتفاظ بالطفل، لم يشأ القدر مرة أخري أن يبتسم لها فقد أفاقت ذات يوم من نومها لتجد سريرها مغرقًا بالدماء، ليخبرها الأطباء في المشفى أنها قد فقدت طفلها!

كانت دائمًا ما تهرب من آلامها بالرسم، كانت دومًا تعبر عن معاناتها الداخلية به، لم تُجِد استخدام الكلمات ولكنها بالفعل أجادت استخدام الألوان،
كانت معظم لوحات فريدا شخصيةً كثيرًا، وغالبًا ما كانت صورةً لنفسها تعكس فيها شعورًا ما، ثورةً ما، أو حتى تفريغًا لكل ذلك الغضب بداخلها…


“I tried to drown my sorrows, but the bastards learned how to swim! and now I am overwhelmed by this decent and good feeling.”
“حاولت إغراق أحزاني، لكن الحقراء تعلموا كيفية
السباحة! والآن أنا غارقة في هذا الشعور المقدس.”



بعدما فقدت فريدا طفلها واستعادت نفسها نسبيًا كانت قد استاءت كثيرًا من العيش في الولايات المتحدة وقررت العودة لوطنها برفقة زوجها، في إحدى الليالي كانت فريدا برفقة ابنة أختها في الخارج للتنزه، لتعود لمنزلها فتجد زوجها يقوم بخيانتها ولكن تلك المرة لم تكن عادية، فقد كانت أختها! أختها هي التي طعنتها في قلبها وكرامتها ومشاعرها وحطمت ما كان قد تبقى بداخلها من حياة، اعتذر لها دييغو كثيرًا ولكن بلا جدوى، فقد كانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير، حينما انفصلا عن بعضهما قالت فريدا جملتها الشهيرة:


“There have been two great accidents in my life. One was the trolley, and the other
was Diego. Diego was by far the worst!”
“لقد واجهت في حياتي حادثين عظيمين، الأول كان حادثة المرور، أما الثاني فكان دييغو. وقد كان دييغو الأسوأ على الإطلاق!”

ومرةً أخرى لم تتوقف سلسلة المعاناة؛ عانت فريدا الأمرَّين خلال تلك السنة التي افترقت فيها عن دييغو، فقد عاد ألم ظهرها مرةً أخري وأقوى من أي وقت مضى، فشلٌ في الكُلى، غرغرينة أدَّت لقطع أحد أصابع قدميها، كانت قد أفلست منفقةً جميع أموالها على المستشفيات والأطباء!

أصبحت طريحة الفراش وأخذت آلامها تتضاعف تدريجيًّا، حينها عاد لها دييغو و تزوجا مرة أخرى بعد أن كانت قد سامحته وسامحت أختها أيضاً.
“I think that little by little I’ll be able to solve my problems and survive.”
“أعتقد أنَّه شيئًا فشيئًا، سأكون قادرة على حل مشاكلي والبقاء.”

فريدا مستلقيةً على ظهرها، يمنعها الطبيب من مغادرة الفراش ولكنَّها تُصِرُّ على الذهاب، فقد كان ذلك هو كل ما سعت إليه يومًا منذ عودتها للرسم؛ كان ذلك هو معرضها الذي أقامته في بلدها المكسيك، افتتاحها الكبير لذلك الحدث العظيم، لم تكن تستطيع تفويت ذلك، فقط لم تستطع!


ذهب دييغو والجميع تاركين فريدا في المنزل، لتفاجئهم هي فيما بعد بدخولها المعرض، مستلقيةً على سريرها تبتسم للطبيب وتخبره بأنَّها قد نفذَّت كلامه ولم تغادر السرير!
احتفلت فريدا بإنجازها الكبير مع كل الحضور وانتهي هذا اليوم الجميل بسلام. لم تمرَّ عدة سنوات حتى توفيت فريدا مودعةً العالم، مودعةً كل أحبائها، مودعةً جميع آلامها أخيراً…
بعد موت فريدا وجدوا في دفتر يومياتها جملةً وحيدة بخط عريض:

“I hope the leaving is joyful, and I hope never to return.”
“أتمني أن يكون الرحيل سعيدًا، وأتمني ألا أعود أبدًا.”

حتى أواخر السبعينيات كانت فريدا قد عُرفت فقط بكونها زوجة الرسام الشهير دييغو ريفيرا، حتى أُعيد اكتشاف فنها بواسطة مؤرخي الفن والنشطاء السياسيين في أوائل التسعينيات، وحينها لم تكن مجرد رسامة للوحات زيتية تصور فيها نفسها؛ كانت فريدا تمثل رمزًا لمعاناة الحركات النسوية بسبب العادات والتقاليد المكسيكية، أصبحت حينها رمزًا للحياة، أحبت فريدا ذاتها من خلال لوحاتها، أحبت الحياة على الرغم من كل ما قد واجهته فيها!

تُرى هل أدركت الآن كيف يمكنك الوقوع في حب ذاتك، في حين يجبرك كل شيء على الكراهية؟!

“I am not sick, I am broken. But I am happy to be alive as long as I can paint.”
“أنا لست مريضة، أنا محطمة. و لكنني سعيدة لكوني على قيد الحياة طالما يمكنني الرسم.”
-Frida Kahlo