هل يمحو النسيم الرقيق آثار أقدام أحمد خالد توفيق؟
وجد في الكتابة ضالته فكانت -على حد قوله- بمثابة علاج نفسي له، وقرر من خلالها أن يواجه مخاوفه فكتب في أدب الرعب وأصبح رائدًا فيه.
حين تقرأ له تلتمس في كلماته عمق المعاني الممزوج ببساطة التعبير، يأخذك معه بروح السخرية من الواقع إلى عالمه الخاص فتشعر في حبكاته بواقع حقيقي فتتجرد من عالم الخيال وتحيا معه في عالمه المميز فيأسرك وتتأثر به.
لم يكن بطلاً أسُطوريًا، ولا قائدًا مغوارًا، ولا حتى عالمًا فذًا بل كان إنسانًا عاديًا اكتسب تميزه من كونه لا يعتبر نفسه مميزًا، إنه المميز للغاية، والعادي بشدة.. أحمد خالد توفيق.
في سطور..
طبيب مصري، وروائي عربي، شغف بالكتابة فسلك طريقًا نحوها، وتعثر في الطب فحاول المزج بينهما فخرجت أعماله بنكهة مميزة وطابع خاص.
جاء إلى عالمنا في العاشر من يونيو عام 1962 ورحل عنا في الثاني من إبريل عام 2018 وما بين هذا التاريخ وذاك قصص وحكايات، ربما أعظمها يكمن في علاقته بجيل الشباب الذي حزن عليه حزن الابن على ابيه، فكان فراقه غصة في قلب ومرارة في حلق كل من عرفه وتأثر به من قريب أو من بعيد.
جاء رحيله كمفاجأة كئيبة، وفاجعة حقيقية لجيل بأكمله عاش في كنف أعماله وكبر معه وتأثر به، فكانت جنازته مهيبة، ووداعه مختلفًا.
عاش بعيدًا عن أضواء العاصمة، وتحديدًا في مدينة طنطا حيث ولد ودفن، وتخرج من كلية الطب بجامعتها في عام 1985، وحصل على الدكتوراه في طب المناطق الحارة في عام 1997، والتحق كعضو هيئة التدريس، واستشاري قسم أمراض الباطنة المتوطنة في طب طنطا.
على طريق الشهرة..
آمن بأن الكتابة بغرض إعجاب القراء فقط أمر لا يعول عليه، فالأمر أشبه بصناعة صنم من عجوة متى جاع صاحبه التهمه وانتهى الأمر فعاش توفيق حياته خائفًا من أن ينجرف مع التيار ويكتب فقط ما يريده القرّاء.. لا ما يريد تقديمه لهم، ونظر بعين المستقبل فكانت رسالته أن تخلد أعماله في العقول والأذهان لا أن تبلغ القمة لينتهي بها الحال في النهاية إلى المستنقع، ومن هنا جاء نجاحه الذي اكتسب من خلاله شهرته في عالم الكتابة.
ورغم اِقْتِناعه بأن الشهرة لا تعني النجاح وترديده لمقولة أن الأكثر مبيعًا ليس دليلًا على الجودة إلا أنه بكتاباته جمع بين النجاح والشهرة وحقق ما يريد فظل أثره خالدًا بعد رحيله.
ولأنه لم يكتب بغرض الشهرة فقط فلم يكن يتوقع أن تكون جماهيريته بتلك الصورة التي كانت عليها ولكنه أيضًا دفع ضريبة ذلك فكان الأمر بمثابة عبء نفسي عليه وقيد على حريته الشخصية فشعر بأنه مراقب أينما حل.
لُقِب بالعرّاب، ولم يحب أبدًا ذلك اللقب وعاش مقتنعًا بأن تلك ليست بمكانته الحقيقية واعتقد بأنه أقل من أن يحمله، وأعرب عن انزعاجه من الهالة التي يضيفها قراؤه عليه لأنها تشعره بأنه متوقع منه ما هو أكبر من امكانياته.
أدب الرعب كبداية والبقية تأتي..
ارتبط اسمه الثلاثي بعالم الفانتازيا والخيال العلمي، ووجد في كتابته للرعب ملازًا آمنًا من صخب ما هو متعارف عليه في عالم الرواية العربية، فكتب في ذلك المجال وتعمق فيه.
خط بقلمه قصصًا تنتمي إلى عالم الخيال لكنه بمرونة شديدة خالطها بواقع الحياة، فجاء أبطاله عاديون ينتمون إلى العامة وكسر بهم قاعدة البطولة الخارقة، وربما فازوا بتميزهم من كونهم لا يتميزون بشيء.
ترك خلفه نتاجًا أدبيًا متنوعًا ما بين سلاسل وترجمات وروايات ومقالات وله بعض التجارب الشعرية.
أبرز سلاسله تمثلت في ما وراء الطبيعة، وفانتازيا، وسافاري، وروايات عالمية للجيب، وتعددت رواياته كذلك فمنها يوتوبيا والسنجة ومثل إيكاروس وفي ممر الفئران. وله العديد من المجموعات القصصية منها على سبيل المثال: لست وحدك، الآن نفتح الصندوق، الغرفة رقم 207 والهول وحظك اليوم وعقل بلا جسد وغيرهم.
نشر له أيضًا كتبًا بها تجميعات لمقالاته مثل: دماغي كده، زغازيغ، فقاقيع، الغث في القول، شاي بالنعناع، قهوة باليورانيوم، ضحكات كئيبة، وشربة الحاج داوود.
أما عن آخر أعماله فكانت رواية شآيب لتنتهي بها مسيرته في عالم الكتابة ونغلق معها آخر صفحات العظيم أحمد خالد توفيق.
ما بعد الرحيل..
“يوم نموت سيمحو النسيم الرقيق آثار أقدامنا على الرمال.. بعدما يفنى النسيم ترى من يخبر الأبدية أننا مشينا ها هنا مرة في فجر الزمان؟ “
أغنية قديمة لقبائل البوشمن.. سافاري
هاب الموت وعبر عن ذلك ولكنه في النهاية واجهه، ومرت الأيام سريعة لتأتي ذكرى رحيله الأولى حاملة معها سؤالًا قابلًا للطرح.. هل يمحو النسيم الرقيق آثار أقدام أحمد خالد توفيق؟
في واقع الأمر لكل القصص نهايات، ولكن ربما تلك النهايات هي بمثابة بدايات لقصص أخرى، وهذا ما حدث تحديدًا في قصة ذلك الرجل عظيم الأثر فعلى الرغم من انتهائها في عالم الأحياء إلا أنه ظل باقيًا وحيًا في قلوب محبيه، هؤلاء الذين أقسموا أن يظلوا على العهد باقون مع رجل لم يخذلهم أبدًا، وكمثل أثر الفراشة لا يرى ولا يزول ظل أثره باقيًا فرحمة الله عليه فقد مات ولكنه مازال حيًا.