من صاحب اختراع آلة الطباعة؟

يوهان غوتنبرغ (تقريبًا من 1398 إلى 1468).
عادةً ما يُشار إلى يوهان غونتبرغ بصفته مخترع آلة الطباعة. لقد كانت مساهمة الصائغ الألماني في مجال التكنولوجيا في القرن 15 قطعًا مساهمة ثورية – والمقصود بتلك المساهمة تمكين الإنتاج الضخم للكتب والنشر السريع للمعرفة في أرجاء أوروبا. ولكنّ تاريخ الطباعة بدأ قبل وقت غوتنبرغ بزمن طويل.
الرهبان الصينيّون والقوالب
قبل ظهور غوتنبرغ بحوالي 600 عام، كان الرهبان الصينيون يقدِّمون للطباعة على الورق باستخدام طريقة تُعرَف بالطباعة على القوالب، والتي يُغَطُّون فيها قوالب خشبيةً بالحبر ويضغطونها على قراطيس من الورق. في عام 868، صُنِعَ أحد أوائل الكتب الباقية حتى الآن بهذه الطريقة — وهو نص بوذي قديم يُعرَف بـ “السوترا الماسيَّة” — في عهد سلالة التانغ الحاكمة في الصين (618-909). وهذا الكتاب الذي أُحكِم عليه الإغلاق في كهف بقرب مدينة دونهوانغ الصينية لِما يقرب من ألف عام قبل اكتشافه في عام 1900، مقرُّه الآن في المكتبة البريطانية في لندن.
كانت القوالب الخشبية المنحوتة المستخدَمة من أجل طريقة الطباعة البدائية هذه تُستَخدَم أيضًا في اليابان وكوريا في أوائل القرن الثامن. واستخدم الطبَّاعون الخصوصيُّون في هذه البلدان كلًّا من القوالب الخشبية والمعدنية لإصدار البحوث والحكايات البوذية والطاوية في قرون ما قبل اختراع نظام الأحرف المتحركة.
دخل أحد التطورات المهمة على الطباعة على القوالب الخشبية في أوائل القرن الحادي عشر، عندما وضع فلاح صيني يُدعَى بي شينغ (بي شينغ) أول نظام كتابة متحركة في العالم. ورغم أن شينغ نفسه كان من عامة الشعب ولم يترك أثرًا تاريخيًّا يُذكَر، فقد وثَّق باحثٌ وعالمٌ مُعاصِرٌ له يُدعى شين كو طريقتَه المبتكرة في الطباعة، والتي انطَوَت على إنتاج مئات الأحرف الفردية توثيقًا جيدًّا.
يشير كو، في عمله الأدبي “مقالات سيول الأحلام” الصادر في القرن الحادي عشر إلى أن أحرف شينغ المتحركة كانت مصنوعة من الفخار. وكان الحبر الذي استخدمه شينغ مزيجًا من راتنج الصنوبر والشمع ورماد الورق. وكما يروي كو، أمكن استخدام طريقة شينغ لطباعة آلاف النسخ من أي مستند بسرعة معقولة.
وبينما استخدم العديد من الطُبَّاع الصينيين الآخَرين نظام الأحرف المتحركة الخزفية خلال القرنين 12 و13، فإن نظام شينغ للكتابة المتحركة لم يصبح هو الشائع في الصين أو في أي مكان آخر إلا بعدئذٍ بعدة قرون.
في القرن 14، صنع وانج تشين، مسؤول الحكومة الصيني في عهد سلالة يوان الحاكمة، مجموعة أحرف آلة الطباعة المتحركة المستقلة الخاصة به من الخشب. وكان نشْرُ سلسلةِ كتبٍ ضخمة عن الزراعة بعنوان “نانغ شو” هو ما دفعه إلى وضع طريقة جديدة للطباعة.
وفي النهاية طُبِعَت سلسلة “نانغ شو” في عام 1313 باستخدام طرق القوالب الخشبية التي كانت قد أثبتت فاعليتها فيما مضى، وليس نظام الأحرف المتحركة. بَيْد أن طريقة تشين في الطباعة لم تحظَ بشُهرة، وكانت تُستَخدَم لإعادة طباعة المستندات في القرون التي تلت ذلك القرن -وإن كان ذلك على وتيرة بطيئة أيضًا. كذلك كانت قوالب الأحرف المعدنية – المصنوعة من البرونز وربما القصدير- تُستَخدَم في الصين من أجل طباعة الكتب والأوراق المالية حتى القرن 18 على الأقل.
وتشير الأدلة التاريخية إلى أن نظام الأحرف المتحركة المعدنية قد وُضِع في كوريا بشكل مستقل في القرن 14 كذلك. وفي عام 1377، كان لراهب كوري اسمه بايجن الفضل في طباعة مجموعة من الأقوال البوذية باستخدام نظام الأحرف المتحركة المعدنية. ويُعتَقد أن الكتاب المكوَّن من مجلدين والمسمَّى بـ “جيكجي” هو أقدم كتاب مطبوع بنظام الأحرف المتحركة المعدنية في العالم. أحد هذين المجلدين محفوظ في المكتبة الوطنية الفرنسية.
ورغم النجاحات الباكرة باستخدام نظام الأحرف المتحركة، لم تَنَلْ طريقة الطباعة هذه الشهرة بالسرعة ذاتها كما فعلت في أوروبا. وأغلب الظن أن هذا الاستقبال الفاتر لهذه الطريقة كان نتاجًا لتعقيدات أنظمة الكتابة في اللغات الآسيوية. وعلى عكس الحروف الطِّباعِية الأبجدية الموجزة للعديد من اللغات الغربية، فاللغات الصينية واليابانية والكورية مكونة من آلاف الأحرف التي يجب تشكيل كل منها على حدة من أجل الطباعة باستخدام نظام الأحرف المتحركة. ربما جعلت هذه المهمة الشاقة القوالب الخشبية تبدو خيارًا أكثر فاعلية للطباعة بهذه اللغات.
ولكنَّ الأوروبيين قد ولعوا بنظام الأحرف المتحركة سريعًا. قبل اختراع آلة الطباعة – في وقتٍ ما بين عامي 1440 و1450 – طُبِعت معظم النصوص الأوروبية باستخدام فن النقش على الخشب، وهو شكل من أشكال الطباعة على القوالب الخشبية مشابِهٌ للطريقة الصينية المستخدَمة لطباعة “السوترا الماسيَّة” في عام 868. أما تلك المخطوطات التي لم تُطبَع باستخدام القوالب الخشبية فقد نُسِخَت يدويًّا بشِق الأنفس. واحتاج كلٌّ من هاتين العمليتين إلى عمالة كثيفة، فأصبحت الكتب في أوروبا باهظة الثمن نتيجة لذلك ولم يستطع شراءها إلا القليل.
إلا أن كل هذا قد تغير في منتصف القرن 15، عندما أثبت يوهان غوتنبرغ نفسه بوصفه صائغًا وحِرَفيًّا في مدينة ستراسبورغ الألمانية. فَفيها بدأ غوتنبرغ أولًا في التجريب بكل من النقش على الخشب وتطوير طريقة طباعة أكثر فاعلية.

طباع يصف آلة طباعة من اختراع غوتنبرغ. سمحت آلة الطباعة التي اخترعها غوتنبرغ للمزيد من نسخ الإنجيل والكتب والموسيقى بالوصول إلى المزيد من الناس.
الاقتباس: upstudio / Shutterstock.com
آلة غوتنبرغ للطباعة
وكما فعل بي شينغ ووانج تشين وبايجن قبله، قرر غوتنبرغ أنه للتسريع من عملية الطباعة سيكون في حاجة إلى تجزئة القوالب الخشبية التقليدية إلى مكوناتها الفردية – الحروف الصغيرة والكبيرة، وعلامات الترقيم، وغيرها. لقد شكَّل قوالب الحروف والرموز المتحركة هذه من معادن متنوعة، منها الرصاص والأنتيمون والقصدير. كذلك صنع غوتنبرغ حبره الخاص به مستخدِمًا زيت بذور الكتان وسُخامِه – وهو تطوير مثَّل تقدُّمًا فاق الأحبار المائية المستخدمة في الصين.
ولكن ما ميز غوتنبرغ حقًّا عن أسلافه في آسيا كان تطويره لآلة طباعة مَيْكنَت نقل الحبر من الأحرف المتحركة إلى الورق. إضافة إلى ذلك، فقد طور غوتنبرغ آلة مخصصة للطباعة، متبنيًا آليات الزمبرك التي وجدها في مَعاصِر النبيذ ومَضَاغِط صانعات الورق ومَضاغِط الكتان. واتسعت أول آلة طباعة لعملية إنتاجٍ خطيةٍ مجمعةٍ كانت أكثر فاعلية بكثير من ضغط الورق على الحبر يدويًّا. وأمكَن، ولأول مرة في التاريخ، إنتاج كمية ضخمة من الكتب – وبتكلفة أيسر من تكلفة طرق الطباعة التقليدية.

أمثلة على نظام الأحرف المتحركة الذي يستخدم مكونات منفصلة لكل حرف ورقم وعلامة ترقيم.
المصدر: https://goo.gl/rkWuU4