الجيش الأوروبي الموحَّد
طموح الوحدة العسكرية:
خلال خطابِه السنوي حول حالة الاتحاد، قال رئيسُ المفوّضية الأوروبية چـان كلود يونكر:
“أنه لم يعد بإمكاننا الاعتماد على قوةِ كلٍّ من الدول الأعضاء، ومعًا يجب أن نتأكد بأننا نحمي مصالحنا.”
لفت يونكر أيضًا أن حلمَ تكوين وحدةٍ عسكرية يمكن أن يتحقق خاصةً في وجود وحدةٍ سياسية واقتصادية، ولم يبقَ غير التعاون العسكري لحماية المصالح المشتركة ومواجهة المخاطر المحتملة التي تهدد المجتمع الأوروبي مثل: الهجرة غير الشرعية خاصةً مع تزايدها بسبب الحروب في الشرق الأوسط.
كان هذا في سبتمبر من العام قبل الماضي خلال خطابِه أمام البرلمان الأوروبي خاصةً أن الوحدة العسكرية لن تؤثر على عمل حلف الشمال الأطلسي (الناتو) وأن القوة العسكرية تتكامل مع حلف الشمال الأطلسي في تعزيز الدفاع الأوروبي.
النوايا الفرنسية:
بعدها بعام تحديدًا في سبتمبر من العام الماضي حدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رؤيته للاستقلال الذاتي الاستراتيجي للدفاع الأوروبي في خطابٍ رئيسي في جامعة السوربون.
ولاحت ملامحُ تلك الرؤية خلال اجتماع وزراءِ دفاعِ تسعٍ من الدول الأوروبية على رأسها فرنسا وألمانيا، في لوكسمبورج في الخامس والعشرين من شهر مايو العام الحالي لتوقيع خطابات نوايا لتحديد معالم اتفاقيةٍ جديدة للوحدة الأوروبية عسكريًّا.
وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي في محادثاتٍ مع نظيرتها الألمانية أورسولا فون دير ليين، خلال الاجتماع في لوكسمبورج 25/6/2018.
الدول التي وقعت على الاتفاقية هي: فرنسا وألمانيا وبلچـيكا وبريطانيا والدنمارك وهولندا وإستونيا وأسبانيا والبرتغال، وتراجعت إيطاليا عن تدخلها في بادئ الأمر ولكن حكومة روما لم تستبعد المشاركة مستقبلًا.
تم أيضًا توقيع قواعد للمشاريع العسكرية في إطار ما يسمى “التعاون الهيكلي الدائم للأمن والدفاع في الاتحاد الأوروبي” أو “بيسكو”، ولم يتضح بعد إذا كان سيتم السماح للمملكة المتحدة بالمشاركة خاصةً مع سعيِها للخروج من الاتحاد الأوروبي.
وتم تحديد بعضٍ من مهام تلك القوة العسكرية المشتركة منها: قوة انتشار سريع، والمساعدة في التخطيط المشترك لأحداث مثل الكوارث الطبيعية وإجلاء المواطنين من المناطق الساخنة ومواجهة المخاطر الخارجية مثل: التعاملات الإرهابية والهجرة غير الشرعية.
لماذا النوايا فرنسية؟
منذ إنشاء حلف الشمال الأطلسي عام 1949 وكانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا من أكبر وأقوى الدول في الحلف بوجودهم الدائم في مجلس الأمن وامتلاكهم حق الڤيتو وهي تُعَد دولًا رسميةً حائزة على الأسلحة النووية.
بدأ الحلف ب12 دولةً مؤسسة للحلف وتم انضمام 17 دولةً أخرى في مرحلة التوسيع ليصبح إجمالي قوة الحلف مكونة من 29 دولةً أوروبية وأمريكية شمالية يقع مقر قيادتها في بروكسل بلچـيكا وتبلغ إجمالية ميزانيته 2% من إجمالي دخل الدول المشاركة.
اهتزت قوة الحلف بتهديد شارل ديغول الرئيس الفرنسي بالانسحاب من الحلف وتكوين قوته الذاتية عام 1958 وبالفعل في العام التالي 1959 سحبت فرنسا أسطولها من قيادة منظمة حلف الشمال وفي عام 1966 سحبت فرنسا جميعَ قوّاتها من قيادة الحلف وطلبت من جميع قوات الناتو المتواجدة في فرنسا مغادرتها.
على الرغم من مغادرة الحلف ظلت فرنسا عضوًا بالحلف والتزمت بالدفاع عن أوروبا في حالة أي هجومٍ من حلف وراسو (منظمة عسكرية تضم دول شرق ووسط أوروبا
الشيوعية). وكانت هناك اتفاقيات سرية بين المسئولين الفرنسيين والأميركيين خلال تلك الفترة.
ومنذ منتصف الستينات انتهجت فرنسا سياسة الاستقلال العسكري من الناتو وقد تفاوض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للعودة مجددًا في عام 2009، وعلى عكس القوتين الأميركية والبريطانية لن تلتزم الغواصات الفرنسية النووية بالحلف.
تجديد الطموح الفرنسي:
على هامش الاحتفال بمرور قرنٍ على انتهاء الحرب العالمية الأولى وحلول السلام جدّد الرئيس الفرنسي خطابه نحو إنشاء جيشٍ أوروبي موحدٍ مستقل عن حلف الناتو مستفزًّا بخطابه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي رد بأن على أوروبا أن تسدد مساهماتها تجاه الحلف أولًا والذي تمول الولايات المتحدة جزءًا كبيرًا منه يكاد يصل إلى ¾ ميزانية الحلف كاملةً.
في تصريحاتٍ سابقة للرئيس الفرنسي أكد على أن ضرورة تكوين تلك الوحدة العسكرية لمواجهة المُعسكرين الشرقي والغربي والاستقلال التام بأوروبا عسكريًّا لإيمانه بأن أوروبا تستطيعُ الدفاعَ عن نفسِها دون الحاجة لتدخل أي من المعسكرين.
رد الصاع بصاعين:
يُعَد خروجُ جميع الدول من منظمة وارسو وإخفاق المنظمة في الاستمرار بعد تفكيك الاتحاد السوڤـيتى عام 1991 ضربة ًقويةً للمعسكر الشرقي التي لم ينسَها أبدًا للولايات المتحدة وسعى كثيرًا لردها، أولها كان في إضعاف النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بدايةً وظهرت ملامح الإضعاف في حقبةِ الرئيس فلاديمير بوتين.
عمل الرئيس بوتين أيضًا على إضعاف موقف الولاياتِ المتحدة عسكريًّا في أوروبا بمحاولة إقناع الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا بإنشاء قوةٍ عسكريةٍ أوروبية خالصة والاستقلال عن حلف الناتو وهو ما بدأ في الظهور منذ تولى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولايتَه عام 2016 مجدّدًا دعوته في كل مناسبة.
هل تستطيع الدول الأوروبية حقًّا الاستقلال عن حلف الشمال الأطلسي وتكوين جيش أوروبا الموحد لمواجهة المُعسكرين الشرقي والغربي؟
هل كانت دعوة الاستقلال بسبب سياسات الرئيس الأمريكي ترامب وخروجه من المعاهدات مع الدول الأوروبية خاصةً المتعلقة بالاقتصاد والطقس ومعاهدة (5 ن + 1) النووية؟
كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع تلك الدعوات؟