ديجا فو .. هل تثق بما تشعر به دائمًا!

Comments 0

هل سبق لك أن شعرت في موقفٍ ما أنك قد عشت هذا الموقف من قبل بكل تفاصيله، وإن كنت لا تستطيع تذكرها كلها، لكنك تشعر بأنك تعرف هذا الموقف، وكأنك رأيته في حلم ما أو تكرر مرةً سابقةً أمامك؟ لكن متى؟ وأين؟ وكيف؟ أنت لا تعرف! ورغم أنه مع مرور الوقت تستطيع تذكر تفاصيل الحادثة الجديدة، لكنك لا تستطيع تذكر أي شيءٍ عن هذا الموقف السابق، والذي شعرت أنه حدث أثناء وقوع هذه الحادثة الجديدة.. حسنًا، نكاد جميعًا أن نكون مررنا بهذه التجربة، فقد حدثت معي شخصيًّا مواقفٌ مشابهةٌ، كأنما تزور مكانًا لأول مرةٍ وتجلس فيه مع أصدقائك وتشعر بأنك زرته، وتكررت نفس الأحداث من قبل، فما الذي يحدث إذًا؟

لا داعي للقلق أبدًا، فهذه ظاهرةٌ معروفةٌ تسمى الديجا فو (Déjà vu)، وهي كلمةٌ فرنسيةٌ معناها (شوهد من قبل) أو (وهم سبق الرؤية). وبالإنجليزية تعني (already seen)، وهي الإحساس بالألفة مع مواقف تمر بها لأول مرة كأنك مررت بها أو شعرت بها من قبل. وقد أُطلق عليها هذا الاسم من قِبل العالِم إميل بويرك في كتابه مستقبل علم النفس.

ديجا فو

تفسير ظاهرة الديجا فو..

لقد كان من الصعب جدًا تفسير مثل هذه الظاهرة، سواء من الناحية النفسية أو العلمية؛ نظرًا لأنها تحدث لفئاتٍ مختلفةٍ من الأفراد، لا تجمعهم جميعًا صلةٌ واحدةٌ أو مرضٌ معينٌ أو نمط حياة بعينه، لكن هناك العديد من المحاولات من قِبل علماء النفس لإيجاد تفسيراتٍ لهذه الظاهرة، وإليك هذه الفرضيات:

التفسير الأول:

هناك تفسيرٌ علميٌ يتعلق بسرعة النظر، وهو أنَّ إحدى العينين ترى الحادثة وتسجلها أسرع قليلًا من العين الأخرى، وبالتالي عندما تراها العين الأخرى وتحولها إلى إشاراتٍ ويدركها المخ، تشعر أنك تراها للمرة الثانية رغم أنها أول مرةٍ، علمًا بأن هذا الفارق في سرعة الرؤية أجزاء من الثانية لا يمكن إدراكها، ويحدث الشيء نفسه أيضًا مع الأذنين، لكن عيوب هذه النظرية أنها لم تستطع تفسير ما يحدث مع حاسة الشم، فقد يمر شخص بموقف ويشعر أنه رأى أو سمع أو شم شيئًا هكذا من قبل، كما أن هذه الظاهرة أحيانًا تحدث مع أشخاص يرون بعين واحدة (عور)! لذا لم تَصلح هذه الفرضية كتفسيرٍ منطقيٍ لما يحدث.

التفسير الثاني:

يعتبر أكثر التفسيرات قبولًا لشرح هذه النظرية، وهو فرضية تشتت مراكز الذاكرة في الدماغ، ولكي نفهمها بوضوح دعنا نتخيل أنه عندما ترى شيئًا ما فإنك تمر بمراحل معينةٍ حتى تدرك معنى هذا الشيء، وكأنه يمر بمحطات تنقية متجاورة مثلًا بهذا الترتيب:


• محطة “أ”
تتحول الصورة التي تراها إلى إشاراتٍ عصبيةٍ nerve impulse.
• محطة “ب”
تنتقل هذه الإشارات إلى مركز الإبصار visual center بالمخ، ليترجمها إلى صور.
• محطة “ج”
تنتقل الصور لمركز الإدراك cognitive center لتفهم معنى الصورة.
• محطة “د”
تنتقل الصورة ليحتفظ بها مخك في الذاكرة قصيرة المدى. short memory
• محطة “هـ”
وأخيرًا يحتفظ بها في الذاكرة طويلة المدى long memory ليمكنك استرجاعها وتذكرها فيما بعد.

هكذا يكون ترتيب الأحداث في أي موقف تمر به. لذا فهذه النظرية تفترض أنه أحيانًا يحدث تشتت أو خلل إما بين المرحلتين (ب) و (ج)، وكأن  الإشارات العصبية تتسلل عبر الخلايا العصبية المتشابكة وتنتقل لمنطقة الإدراك أولًا، ثم يقوم المخ بتعديل هذا الخلل ويعيدها لمسارها الطبيعي، لتمر على مركز الإبصار أولًا ثم الإدراك فتشعر أنك رأيتها من قبل، أو حدوث هذا الخلل بين (د) و (هـ)، أن تحيد الإشارات العصبية عن مسارها الطبيعي، وتنتقل إلى الذاكرة طويلة المدى أولًا وهكذا يقوم المخ بإصلاح الخلل وإعادتها لمسارها الطبيعي؛ فتشعر وكأنك شعرت أو مررت بهذا الموقف من قبل!

كما توجد أيضًا بعض التفسيرات الأخرى، فقد افترض بعض العلماء أنه قد تكون لهذه الذاكرة علاقةٌ باضطراباتٍ نفسيةٍ معينةٍ أو بتناول بعض الأدوية، لكن لم يتم إثبات ذلك حتى الآن، وهناك أيضًا بعض علماء النفس يفسرونها بأن الإنسان يرى شريط حياته كاملًا وهو جنين فتعلق بعض هذه المواقف في الذاكرة؛ لذا يشعر بالألفة اتجاهها، لكن هذه الفرضية ستظل فرضية فقط لعدم وجود أي دليل قاطع عليها، فمن الصعب وضع إنسان داخل المختبر ومراقبة ما يحدث في رأسه!

هل توجد أنواع للديجا فو أو ظواهر ٌمشابهةٌ؟


نعم، توجد أنواعٌ عديدةٌ منها لكنها قد تكون أقل شيوعًا:

١- چامي ڤو jamais Vu
وهي عكس ديچا ڤو، حيث يشعر الشخص بالدهشة أو الغرابة تجاه مكان مألوف بالنسبة له وكأنه يراه لأول مرةً، لكنه سرعان ما يزول هذا الشعور.

2. ريسكيڤو Presque vu (على طرف لساني)
وفيها يريد الشخص قول شيء يعرف معناه جيدًا لكنه نسي المسمى أو اللفظ وبالإصرار على تذكر هذا المسمى غالبًا ما يستطيع تذكره فجأة، وكأنه كان يحاول تجميع أجزاء من الكلمة وظهرت بعدها في دماغه.

3. ديچا سينتى Déjà senti
“ألم اتصل بك من قبل ؟” أو “ألم أفعل؟”، وهي الإحساس مسبقًا بأنك فعلت شيئًا أو قلت شيئًا لشخصٍ ما وتدرك أنك لم تفعل بل إنها كانت مجرد أحلام يقظة.

وجميعها ظواهر مشابهه لظاهرة (وهم سبق الرؤية) تحدث لنا بين حينٍ وآخرٍ، كأي حدثٍ طبيعيٍ ينتج من التفاعلات الدماغية المعقدة، فقد كانت ولا زالت هذه الظاهرة محض اهتمام الكثير من العلماء وعلامة استفهام كبيرة بالنسبة لعلماء النفس وما وراء الطبيعة وسيظل هناك تطورٌ كبيرٌ في الفرضيات التي تحاول تفسيرها، لكن حتى هذه اللحظة فالنظرية الثانية هي الأكثر قبولًا من الناحية العلمية والمنطقية، فكن على ثقةٍ دائمًا أن ما تشعر به صادقًا، فأدمغتنا تعمل بطريقة مبهرة دائمًا!