في غفلتِهم يعمَهون!
ما أكثرَ أوزار الحرب, وما أكثرَ غفلتنا نحن العرب!
يُشَاع أننا صقورٌ لكن ربما صقورٌ زادت غفلتُها, أو ربما كان هذا زمان تداعي الأمم علينا, ولكن قَبُحَ التداعي هذه المرة حيثُ يُقِر الظالمُ أنه أوْقعَ فِعلَ الظلم, ويكون المظلومُ مشغولًا حتى عن مظلمتِه.
مما لا يخفى على الجميع أن الحربَ الأمريكية على العراقِ أطلَقَتْ سرطانًا يصيبُ الكرةَ الأرضية الآن وليس هناك ناجون من الواقعة..
حتى من ابتدع فكرةَ الحرب.. لقد سقط صدام ودولتُه ولكن ليس العراق و حدَه يعاني إثرَ التداعي إلى يومنا هذا…
وكما هو معروفٌ لدى العالَم كله أن أسبابَ الحرب في العراق كانت أسبابًا وهميةً مُبتَدَعة من بوش الابن وتبِعَهُ توني بلير اتباعًا أعمى حاملًا معه حكومته, في أكبر مجازفةٍ حمقاء من الأخير.
إلى أن جاءت الفاجعةُ الكبرى وهي اعترافُ لجنة التحقيق الرسمية بإدانةِ كل الأطراف بخوضِ حربٍ على أسبابٍ وهمية ليس لها أساسٌ من الصحة..
حيثُ جاء في تقرير تشيلكوت للجنةِ التحقيقات في الحربِ الأمريكية على العراق براءةُ صدام حسين رسميًّا من ادعاءاتِ قادة الحرب عليه بأنه يديرُ مؤسساتٍ لتطويرِ الأسلحة النووية.
ولكن الفاجعةَ الحق هي شأنُنا نحن العرب من التقرير, فما زرفت عينٌ الدموع وما صرخ صوتٌ باللعنةِ على من فتكوا بِعَضُضِ بغداد ومزّقوها كما تتهافت الكلابُ على قصيعتِها.
ومن إحدى جملِ التقرير:
“ومع ذلك، توصلْنا إلى أنّ الملابساتِ التي من خلالِها تقرّرَ وجودُ أساسٍ قانونيِّ لتحرُّكِ بريطانيا عسكريًّا لم تكنْ مُبرَّرةً على الإطلاق”.
لم تكن مبررةً على الإطلاق تخيل! أنه لأجلِ أسبابٍ غيرِ مُبَرّرةٍ على الإطلاق شَهِدْنا على كلِّ ذلك الذل, و شَهِدْنا إعدامًا لقائدٍ عربي في صباحِ عيدِ المسلمين, شَهِدْنا نتائجَ معتقلاتِ الحرب وكارثةِ أبو غريب, المقابر الجماعية واستباحة الدم, والإعدام رميًا بالرَّصاص في البثِّ الحي, لقد كانت بكل المقاييس حربَ الشياطين مسجلةً بالصوتِ والصورة ولا داعي للخوْضِ في المزيدِ من الصورِ التي لا تغيبُ عن العقل.
أما عن الفتكِ بباقي المِنطقة وانتشارِ الوباء الناتج عن الحربِ الذي طال حلفاءَ السياسةِ الأمريكية, فقد صرّح بلير للّجنة أنه لم يكنْ من الممكن التنبؤُ بها.
أوتأمن مكرَ الله, لقد مكرْتُم وفعلْتُم فِعْلَتَكم ولكن ما أعظمَ مكر الله!
وكما يوضحُ التقريرُ أن توني بلير تحول إلى كبشِ الفداء حيث برّأ التقريرُ حكومتَه من القرارِ ويتهمه بشكلٍ واضحٍ بأنه كان قرارًا فرديًّا (لقد كان قرارَ رئيسِ الوُزراء).
ومع ذلك.. هل يقدم بلير الدرسَ لمَنْ ستسوِّلُ له نفسُه أن يسلكَ نفسَ الدربِ ويؤيدَ المركبَ الرابحَ.. أم أنَّ المزيدَ من الأكباشِ ستتبعُ من يلوّح بكلتا زراعيْه لحربٍ عالميةٍ جديدة.
لقد وقف العالمُ أجمعُ في ذهولٍ تام أمامَ تقريرِ تشيلكوت وصرَّحت الصحفُ العالمية بفاجعةِ التقرير, وتصدّرَتْ صورةُ بلير مُنَكسِ الرأسِ ومطبوعٌ عليها كلمتُه الشهيرة في ذلك الوقت (Sorry) أغلفة َتلك الصحف.
على الرغمِ من أن التقريرَ كان واقعًا حتميًّا يعرفُه الجميعُ حتى أن صناعةَ السنيما في البلدان المعتدية لم تُخفِ ذلك ومن أشهرِ الأفلام التي أُطلِقت في هذا الصدد كان فيلم (Green Zone) والذي تدورُ أحداثُه بشكلٍ رئيسي حولَ تكذيبِ أسباب الحرب على العراق, والذي تم إطلاقُه في عام 2010 أي قبل 6 سنوات من إطلاق تقرير تشيلكوت, على كل حال لا أحد يتخيلُ أن لجنةَ التحقيقات كان من الممكن أن تزيفَ الحقيقةَ التي كانت واضحةً للعالمِ كله, بدايةً من شعوبِ الدول
المعتدية.
ولكن أين نحن العربُ مما يحدث في العراق الآن, أين نحن من سوريا واليمن وليبيا, أين نحن مما أصاب إخواننا؟ لقد خرج سجناءُ معتقلات حربِ العراق إلى العالم وحوشًا تحرقُ وتنحرُ الأعناق, ولا يُخيَّل أن هذا قليلٌ لما شهدوه من تعذيبٍ في تلك السجون.
ولا زلنا ننتظر القوى العظمى حتى تُخلِّصُنا من السرطانِ الذي نهش أراضينا وأحرق بلدَنا, ولا أحد يدركُ أن المركبَ يغرق, وزورقُ النجاةِ لن يساعدَ بمفردِه؛ فالعاصفةُ على أوجِها والأمواجُ عاتية..
فهل نفيق؟! أم أن التاريخَ سيسجلُ المزيدَ من المجازر على أسبابٍ واهنة.