ملفات تاريخية من نهائي إفريقيا
من العُنوان تعلَمُ جيدًا أني سأتحدث عن النهائي الكبير والمثير للغاية في القارة الإفريقية، دائمًا أقول لنفسي كيف ذهبتُ إلى النوم وتركت هذه المباراة بعدما أصابني اليأس مما حدث في الشوط الأول! لكنني عندما استيقظت علمْتُ أن المقاهي امتلأت بالفرحة العارمة وانتشرت الجماهير في الشوارع المصرية تهتف بأسماء اللاعبين والنادي الأهلي وعن الانتصار التاريخي الذي تم تحقيقه داخلَ الديار.
“الموقعة الأولى”
في مباراة الذهاب ظهر الفريقان بشكلٍ جيد لكن وسط جماهير الأهلي وعلى أرضه انتهت المباراة بالتعادل بينَهما ففَرِح لاعبو النادي التونسي فرحةً كبيرةً جدًا يقينًا منهم بأنها انتهت فعلًا وأنهم حققوا المستحيلَ وأنهم لا ينهزمون على ملعبِهم مهما يحدث.
وقتَها فقط قرّرَ مانويل جوزيه مدربُ الأهلي الذهابَ لغرفةِ ملابس الصفاقسي وذهبَ وراءه العديد من لاعبي الأهلي ظنًّا منهم بأنه سيتصادم مع أحد لاعبي الخصم، لكن جوزيه ذهب ليخبرَهم أنها لم تنتهِ بعد وأن هناك مباراةً أخرى متبقية وتعجب لاعبو الصفاقسي من تصرف البرتغالي جوزيه وبعدها وصفتْه جماهيرُ النادي التونسي بالمجنون لما فعله من تصرفٍ غريب!
“سيناريو المباراة”
هل شاهدْتَ مدربًا يعطي لاعبيه سيناريو مباراة قبل بدايتها؟! ما بالك لو كانت مباراةً نهائية وخارج ملعبِك ونتيجةُ الذهاب ضدك!
تتعجب وتتعجب من المدربِ الذي من الممكن أن يفعل هكذا، مانويل جوزيه قبلَ بدايةِ المباراة أخبر لاعبيه بالسيناريو الذي سيحدث في المباراة.
أجلس عماد متعب على الدكة وقد كان هدافَ الفريق لكنه شارك بديلًا لأن جوزيه أراد أن يتفادى ضغطَ الدقائق الأولى في المباراة كما قال للاعبيه، أخبرهم بأن عليهم تحمل ضغطَ الجماهير والملعب ولاعبي الصفاقسي في الربع ساعة الأولى وأنهم إن فعلوا ذلك ستبدأ الجماهير التونسية في التزام الصمت وأنهم سيكونون قادرين على اللعب بأريحية أعلى… لعب بثلاثة لاعبين في الشوط الأول وأخبر عماد متعب بأنه يريد أن ينتهي الشوط الأول بالتعادل بدون أيةِ أهداف وأنه يريد من عماد أن يقلبَ المباراة في الشوط الثاني.
قرر أن يضعَ إسلام الشاطر بديلًا وأخبره بأن محمد عبد الله سيلعب طوال المباراة ما عدا العشرين دقيقة الأخيرة في المباراة التي سيشارك فيها إسلام الشاطر كبديل لمحمد عبد الله حتى يستطيع الشاطر إحداث الفارق بسرعته والانطلاقات التي سيقدمها وأن لاعبي الصفاقسي سيكونون متعبين في الأوقات الأخيرة.
أكثر من ذلك أنه قصَّ عليهم ما سيحدث في المباراة وطريقةَ اللعب والتغييرات التي سيقوم بها وأخبرهم بأنهم سيسجلون هدف الانتصار في نهاية المباراة!!!
“بين الشوطين”
بالإضافة إلى جميع ما قاله جوزيه قبل بداية المباراة أخبر لاعبيه بين الشوطين أنهم قد نجحوا في تحقيق ما أراده وأنهم نجحوا في امتصاص حماس لاعبي الصفاقسي وأسكتوا الجماهير وجعلوهم يضغطوا على لاعبيهم بدلًا من الضغط على لاعبي الأهلي.
“سنفعلُ ما اتفقْنا عليه قبلَ المباراة وسنقومُ بتنفيذِ الخطة بالتغييرات التي ذكرْتُها لكم قبلَ المباراة و سننتصرُ في العشرِ دقائقِ الأخيرة”.
“الهدف التاريخي”
استمرت المباراة في الشوطِ الثاني والأهلي يحاول, والصفاقسي يدافع عن نتيجةِ الذهاب والوقتُ يمر وبدأ الجميعُ يُصَاب باليأس والمعلق المصري يتجه صوتُه إلى الهمساتِ المنخفضة بينما يرتفع صوتُ المعلق التونسي مليئًا بالفرحِ والسعادة للإنجاز القارِّي الذي يحققه أبناءُ وطنِه حتى جاءت اللحظةُ الحاسمة.
في الدقيقة 92 كانت الكرةُ الأخيرة.. والكرة بين قدمي شادي محمد مدافعِ الأهلي وفجأة, يقررُ شادي إرسال كرةً عالية تصلُ إلى عماد متعب يلعبُها بالرأس لتذهب داخل منطقة الخصم.. وتتطلب ارتقاء من فلافيو الذي كان بعيدًا عن الكرة لكنه ضربَها بالرأسِ على جوارِه, ثم يأتي أميرُ القلوب الساحر محمد أبو تريكه ليضربَ كرةً لم يفعلْها من قبل في حياته.. كرة سددها بقدمِه اليسرى وهذا ما لم يفعلْه من قبل!
هدف المباراة:
وانقلبَتْ الموازينُ فجأةً، صمتٌ في المدرجات التونسية واشتعـالٌ في الجانبِ المصري قليلِ الحضور, وفجأةً يتوقف صوتُ المعلق التونسي وينفجر المعلقُ المصري ويخرج المصريون فَرِحين بالانتصار والهدف التاريخي الذي جاء والبطولة الغالية التي جاءت لترضي الجماهير بعد ما قدمّه الفريقُ من مجهودٍ خرافي كان من اللازم أن ينتهي على هذه الطريقة.
“حقائق كثيرة”
تفهَمُ مما حدثَ أن تريكة لاعبٌ رائع لا يتكرر كثيرًا وأن الهدفَ التاريخي الذي سجله سيبقى خالدًا فى قلوبِ المصريين وأن مانويل جوزيه هو أحدُ أفضلِ المدربين الذين مرّوا على تاريخ الكرةِ المصرية.
وأن إنجازَ ملعبِ رادس في 2006 ما هو إلا بدايةٌ لظهورِ الجيل الذهبيّ للأهلي المصري نادي القرن الإفريقي.