مفترقُ الطرقِ بين الولاية والإمارة.

«المغربُ العربي  (مدينة سبتة) ١٢٢ هجرية/٧٤٠ ميلادية

– مبعوثٌ من الأندلس في مجلسِ بلج بن بشر».
”من الوالي (عبد الملك بن قطن الفهري) إلى (بلج بن بشر) قائد جيش الخليفة (هشام بن عبد الملك):
تحيةٌ طيبة، وبعد..
إن الوالي عبد الملك يستنجد بكم لعبور العدوة المغربية لإنقاذ العرب في الأندلس من ثورة البربر عليهم، فقد تأثر بربر الأندلس بالفتنة المغربية وثورة البربر في المغرب، وأخرج البربر في الأماكن التي يسكن فيها أغلبيتهم العربَ منها مثل جيليقية وحوض الدويرو والأراضي فيما بين هذا النهر ونهر تاجه، وتعاظم خطرُهم، أصبح يهدد سيادة العرب على الأندلس بلا رجعة، لأن البربر سيَّروا ثلاثة جيوشٍ أولهم إلى طليطلة وثانيهم إلى قرطبة والآخر إلى الجزيرة الخضراء.

_رجلٌ في المجلس متحدثًا إلى نفسِه..
“والله إني لأرى مُلْكَ العربِ يزولُ! قد أنهكت ثوراتُ الخوارج الدولةَ الأموية في دمشق، ولولا الخليفة العجوز (هشام) والذي أظنه رحلًا عن دنيانا في وقتٍ قريب لانهارت الدولة، فالدولة مُقسمة بين عرب قيسيه ويمنيه -كانت دولةُ بني أمية تميز العربَ عن غيرهم وجيشها من العرب ومناصبها للعرب مما أدى لكره الكثير من القوميات الأخرى كالفرس والترك والبربر للعرب- وخلفاء بني أمية يلعبون على هذا التفرق ليسودَ حكمُهم! إنهم يتقنون ذلك جيدًا، تارةً ينحازون لليمنية فيضربون بهم القيسية، وتارةً أخرى يضربون بالقيسية اليمنية، ولكن هل بعد هشام سيظل الوضع كذلك؟
إن الفرقة وصلت لمنعطفٍ خطير، ثم إنه لا يتوقف عند هذا الحد! فالعرب البلديون -وهم عربُ الأمصار التي دخلت في الإسلام- أصبحوا في تنازعٍ مستمر مع العرب الشاميين قيسييهم ويمنييهم لاستئثار العرب الشاميين بكل شيء“.

_أحدُ جُندِ بلج بن بشر..
“لقد خرجنا من الشام بداياتِ العام في جيشٍ ضخم يقدَّر عددُه بـ ٢٧ ألفَ عربيٍّ شامي قاصدين إفريقية (ليبيا وتونس الحاليين وبعض أجزاء من الجزائر) بتكليفٍ من الخليفة (هشام بن عبد الملك) لقائدنا (كلثوم بن عياض)، لقد سمعنا خبر الفتنة المغربية الكبرى، حيث ثارت أغلب قبائل البربر في إقليم طنجة ضد حُكم الدولة الأموية بصفةٍ عامة وحُكم العرب بشكلٍ خاص، وكان أغلب الثائرين من البربر بقيادة ميسرة الفقير مدعومًا بكثير من العرب الخوارج الناقمين على حكم بني أمية، وقد قُتل ميسرة غدرًا على يد بعض أصحابه بعدما لاحظوا تردده في مواجهة جيوش والي القيروان (عبيد الله بن الحبحاب)، وولوا على أنفسهم (خالد بن يزيد الزناتي)، وقد تقابل الجمعان بالقرب من طنجة وهَزم البربرُ العربَ شرَّ هزيمة فيما عُرِفتْ بمعركة الأشراف لكثرة ما قتل فيها من العرب، وجيشنا الكبير هذا كان مفرقًا إبان المعركة بين عربٍ شاميين وهم نحن وبين عرب بلديين وهم عرب إفريقية الذين انضموا إلينا بقيادة (حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع)، ولذلك هُزِمنا شرَّ هزيمة أمام البربر وقتلوا منا ألوفًا في معركةٍ دموية فقدنا فيها أعزاءَ كُثُر وفقدنا فيها قائدي الجيش (كلثوم بن عياض وحبيب بن أبي عبيدة)، وانسَحَبَ (بلج بن بشر) بـ ١٠ آلاف منَّا إلى سبته حيث ظللنا محاصرين من البربر من ناحية وممنوعين من دخول الأندلس من قِبَل واليها (عبد الملك بن قطن) من العرب البلدية والذي يتشكك في نوايانا كعرب شاميين، وها هو الآن بعدما ثار عليه بربر الأندلس تأثرًا بإخوانهم في المغرب يطلب من (بلج بن بشر) الدعم، وقد أمرنا القائد أن نتجهز للعبور إلى الأندلس!
اللهم فرج قريب….“.

 


«الأندلس عام  ١٢٣-١٢٤ هجرية/ ٧٤١ -٧٤٢ ميلادية».
_امرأةٌ من البربر..
”لقد تُوفي زوجي في المعركة الحاسمة التي دارت بين قوات (بلج بن بشر) وجيشه الشامي (وعبد الملك بن قطن) وجيشه من العرب البلديين من ناحية وبين ثوار البربر في الأندلس، قد كانت المعركة في وادي سليط بالجزيرة الخضراء وانتصر فيها العرب، ولكن العرب الشاميين شديدو التعصب والكُرْه ضد البربر لذلك لقينا منهم ويلات، لقد طاردونا ونهبوا أراضينا واضطررنا للرحيل عن تلك الأراضي التي سكنها آباؤنا منذ الفتح وهاجرنا من أغلبِ الأراضي في وسط الأندلس وشمالها الغربي وأجلينا من كافة الأراضي شمال نهر تاجه، وقد تنازع الآن العرب الشاميون مع العرب البلديين وانتصر (بلج بن بشر) وأصبح والي الأندلس إلا أن العرب البلديين والأندلسيين رفضوا حكمَ بلج وثاروا عليه وقتلوه! ثم خلفه أحد الشاميين المتعصبين وهو (ثعلبة بن سلامة)، ولذلك تحالف العرب البلديون مرةً أخرى معنا، وابني يقاتل إلى جانبهم الآن للتخلص من هؤلاء الشاميين“.

_رجلٌ من القوطِ المسيحيين في شمال إسبانيا..
“إن تنازع المسلمين بينهم وبين بعضهم البعض أفادنا كثيرًا، إننا نقطن هذه الجبال الشمالية منذ الفتح في صورة جيوب مقاومة للغزو الإسلامي (جيليقية) وهي أراضي جبلية مليئة بالغابات، وقد أهمل الغزاه وجودَنا لصعوبة وكلفة تعقبنا، بالإضافة إلى أننا لا نشكل عليهم أيَّ خطرٍ حقيقي، وضاقت بنا الأرضُ كثيرًا بعد قطعِ العرب طُرقَ المدد لنا من الغرب المسيحي، إلا أننا تعايشْنا مع الرومان الأيبريين في الشمال، ولكن تنازُعَ العرب والبربر وإجلاء العرب للبربر من أراضي شمال الجزيرة الأندلسية وشمالي نهر تاجه جعل هذه الأراضي الشاسعة (المقدرة بربع شبه الجزيرة الأندلسية)  أراضٍ خلاءٍ لنا نستطيع الامتداد والتوسع فيها وإقامة إمارتنا المسيحية أشتورياس، انشغال العرب أنفسهم بقتال بعضهم البعض بعد تخلصهم من ثورة البربر أيضًا مصدر إلهاءٍ عظيم لهم عنَّا، نستطيع الآن أن نتوسع قليلًا قدرَ استطاعتنا في صمتٍ حتى تحينَ الفرصةُ لاستردادِ بعض أو كل أراضي إسبانيا من المسلمين أو على الأقل ندافع عن تلك الأرض التي تركوها لنا بلا حرب وبلا أي جهد‘‘.


«المجاعة الأندلسية ١٣٦ هجرية / ٧٥٣«
_شيخٌ من موالي بني أمية في ساحةِ مسجد إشبيلية..
”واأسفاه على المسلمين في هذه الجزيرة وفي هذه الأيام يا رفاق!
في المشرق سقطت خلافة بني أمية على يد العباسيين وأقام العباسيون فيهم السيف وذبحوا الآلاف منهم في مجازرَ عِدة أشهرها في ساحات دمشق، وهنا في الأندلس انتشرت المجاعة من كثرة الحروب بين العرب والبربر وبين العرب الشاميين والعرب البلديين، وزال مُلْكُ بني أمية، والأندلس بعيدة كلَّ البعِد عن الصراع القائم في المشرق بين العباسيين وبني أمية ويسودها استقرارٌ نسبي بعد سيطرة (يوسف الفهري والصميل بن حاتم على السلطة).
آهٍ على ابن الخطار! لقد أرسله والي إفريقية لإقرارِ الأمن في الأندلس بعد اشتداد الحروب الأهلية في الأندلس بعد عزل (عبد الملك بن قطن الفهري)، وقد بدأ الرجل بدايةً طيبة حيث أمَّن العرب البلديين والبربر على أراضيهم وأموالهم، ثم وزَّع العرب الشاميين بعيدًا عن قرطبة كي لا يتدخلوا في شئون إدارة الأندلس، قسَّمهم على عِدة كور (محافظات) بعضها في شمال الأندلس وبعضها في جنوبها وبعضها في وسطها، وسمَّاها بالكور المجندة، أي أصبح هؤلاء العرب الشاموين يؤدون الخدمة العسكرية للدفاع عن الأندلس من كافة الجهات في مقابل ثلث خراج أهل الذمة، آمنين بين الأندلسيين، ولولا انحياز (أبو الخطار) للعرب اليمنية على العرب القيسية وتجدد النزاع لكانت الأندلس أفضلَ حالًا من الآن! ثم جاء (الصميل بن حاتم) وهو قيسي بتحالفٍ مع (يوسف الفهري) وهو من العرب البلديين وهَزموا اليمنية وعلى رأسهم (أبو الخطار) في معركةِ شقندة هزيمةً نكراء وسيطروا على الحكم، وأمَّنونا نحن الموالي على أنفسِنا بعد سقوط حُكم بنى أمية في المشرق كي يأمنوا جانبَنا (موالي بني أمية هم هؤلاء العرب الذين جاءوا إلى الأندلس منذ الفتح ومنتمون لبني أمية أو يدينون بالولاء لهم ويتبعون أيَّ شخصٍ مُنتَمٍ للبيت الأموي، وقد انضم إليهم بعضٌ من بربر المغرب وعرب المغرب والأندلس وشكلوا رابطةً أخوية أصبحت مع الوقت تُمثل تيارًا سياسيًّا بالغرب العربي عمومًا، وتُدافع عن مصالحهم من خلال الدفاع عن مصالح بني أمية).
إن الأمور الآن مستقرة في الأندلس نسبيًا، والمجاعة في أشدها نتيجة الحرب الأهلية وقلة الطعام وإتلاف الأراضي الزراعية، لكنني أظنه استقرارَ ما قبل الطوفان لأن قلوبَ الناس مليئة بالكراهية لبعضهم البعض، فإما زوال مُلْك المسلمين من الأندلس على أيديهم ومن أفعال أنفسهم وإما شيء آخر ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا“.

_غلامٌ من أسبانِ الشمال..
“إن أبي كان أحدُ أبطال قومِنا في معركة كوفا دونجا!
إن أبي قد روى لي أن قائدَنا (بلاي) قد استغل فتنة (أبو الخطار) والتي على إثرها تقاتَل العربُ القيسية واليمنية مع بعضِهم البعض وبدأ في محاربة المسلمين في إقليم جيليقية مستغلًّا غيابَ قادتهم الكبار في القتال فيما بينهم، وقد خرج إليهم قائدُ حامية المسلمين (علقمة) بجندِه ولكنهم انتصروا عليه وقتلوه، والآن قد حرر (بلايو) أغلبَ إقليم جيليقية من المسلمين ووحد شعبَنا القوطي مع الرومان الآيبريين في دويلة واحدة (أشتورياس)، وأصبحت تلك الأراضي الخلاء التي هرب منها البربر سلفًا نتيجة مطاردة العرب لهم فاصلًا بيننا وبين دولة المسلمين، والآن يحكمنا (ألفونس الأول) والذي وسَّع بلادنا قليلًا على حساب جيراننا المسيحيين في غرب أوروبا ليكفلَ لدويلتنا الحياةَ والقدرة على الدفاع عن نفسها كما أنه ضم بعضَ البلاد التي تركها المسلمون حول جيليقية نتيجة الحروب الأهلية فيما بينهم، لكنه لم يطمعْ في أكثر من هذا بسبب المجاعة التي حلت بالجزيرة فقد طالتنا كما طالت المسلمين“.