شكرًا إنيستا لقد تعلمْنا الكثير
الجميع يشعر بالحزن بعد أن قرر أندرياس إنيستا أن يبتعد عن عالم كرة القدم الأوروبية، من الأمور الغريبة التي تجعلنا نشعر بالاندهاش والحزن والحنين لمتعة سوف نفتقدها برحيل إنيستا والذي قد اقترب منا.. لكن هذه هي سنة الحياة وهذه هي كرة القدم التي لا تدوم لأيِّ أحد؛ لأنها لم تدُم لزيدان أو رونالدينهو أو غيرهم من أساطير اللُعبة فالجميع يعلم أن العمر مجرد رقم…
“بدايـة معـرفتي به”
كنت أحدَ الصغار الذين انبهروا بدخول جهاز الكمبيوتر في إحدى الفترات، استمعت بتواجد لُعبة «Pro evolution soccer 2006» لأنني كنت من عشاق كرة القدم، أتقنتها كأني أحدُ أفضل مدربي اللعبة، فقد كنت من المنبهرين بفريق «مانشستر يونايتد» لانجذابي بانضباط الفريق عالميًا ومعرفتي بهم عن طريق «الأهلي المصري»، وقتها أردت حقيقةً أن أمارس اللُعبة بهذا الفريق طوال الوقت وأهزمَ الجميع حتى جاء الوقت لأقوم بتحديث هذه اللعبة إلى فترة عام 2008 حيث كانت «برشلونة» قد بدأت بالفعل فترتَها الذهبية مع بيب جوارديولا!
لكنني أصررت على البقاء باستعمال فريق «اليونايتد» حتى جاءت إحدى المرات ووجدتني أواجه برشلونة في دوري أبطال أوروبا ووجدتهم يقدموا مباراة العمر وكأنها حقيقة… نعم انهزمت بفاعلية ميسي وقوة الفريق لكنني انتبهت لأحد العناصر الخفية والتي كانت السبب الأول وراء هزيمتي…
لقد كان اللاعب الإسباني أندرياس إنيستا الذي كان هو وميسي الوحيدين اللذيْن يستحيل أن أتحصلَ على الكرة منهما!
لكنني وقتَها ذهبت للتأكد من إمكانياته واعتقدتُ أن مصممي اللُعبة قد أعطوه من الإمكانيات ما يجعله خارقًا لهذه الدرجة.. لكن وفجأة وجدته بطيئاً جداً، لا يمتلك قِوى هجومية عالية لكنه ذكي في اللُعبة كما هو ذكي بالحقيقة!
“عـودةٌ إلى عالم الواقعيـة”
إنيستا يتواجد مع برشلونة من عام 2002 وشارك بشكلٍ جزئي لفترات طويلة حتى جاء التوهج الحقيقي في عام 2004-2005 مع المدرب فرانك رايكارد، حيث شارك في إحداث لقب مع الفريق، وفي نهائي دوري أبطال أوروبا شارك في الشوط الثاني وساعد في قلب الطاولة على «أرسنال» والتتويج باللقب الأوروبي الأول له مع الفريق.
حتى أن اللاعب تيري هنري أحد كبار اللُعبة وقتَها قال بعد المباراة بفترة:
لقد كنا نتعامل مع الأمر بكل قوة حتى بعد طرد الحارس تَمكَّننا من تماسك أنفسنا لبعض الوقت وكدنا أن نفوزَ بالمباراة لكن مشاركة إنيستا قلبتْ الأمور، لم يستطعْ أيُّ لاعبٍ من «أرسنال» إيقافَه لأنه كان يتحرك بطريقة غريبة على كرة القدم!
إذًا غريب في تحركاته، هكذا كانت بداية الأسطورة…
“حتى جاء بيب جوارديولا “
عندما جاء بيب جوارديولا لتدريب نادي «برشلونة» وبدأ بإظهار هوية خرافية للفريق وجعل العالم أجمع يتحدث عن فلسفة التيكي تاكا وهي فلسفة اتصف بها نادي برشلونة تعتمد على امتلاك الكرة طوال المباراة وإعطاء تمريرات بدقة تصل إلى 95% بحيث لا يستطيع فريق آخر على مجاراتهم، في أحد المرات قالها جوارديولا لشافي هيرنانديز:
أنت يا شافي ستجعلني أعتزل كرة القدم وهذا الفتى -يقصد إنيستا- سيجعلنا جميعًا نعتزلها!
مجِيء جوارديولا جاء مع خروج لاعبين مثل ديكو ورونالدينهو مما جعل المدرب يعطي إنيستا وشافي كامل التصرف في وسط الملعب لكنهم أبهرونا بأشياءٍ لم نكن نراها من قبل في عالم كرة القدم أبدًا.
“الانفجار! “
جاءت اللحظة التي لا زالت عالقة في أذهان مشجعي كرة القدم بشكلٍ عام ومشجعي برشلونة بشكلٍ خاص.. فعندما تصف كرة القدم بأنها غدارة، فإن الجميع يتذكر إنيستا وهدف إنيستا!
– هدف انيستا بتعليق عصام الشوالي :
نعم، شهدنا جميعًا على هذا التاريخ الذي أدهشنا بكل تفاصيله حتى كلمات المعلق والتي لا زالت عالقة في الأذهان حتى وقتنا هذا…
وقتها عرف الجميع أهمية إنيستا، وقتها اعترفوا بأنها لم تكن فكرة اللاعب الواحد وأن الرسام بدأ للتو في رسم لوحاته…
“لماذا يعشقه الجميع؟ “
نعلم جميعًا منذ عام 2009 حتى الآن مدى الانقسام الجماهيري الذي حدث بعد أن قررت الجماهير أن تتقاسم الحب الكروي بين برشلونة وريال مدريد، نعلم مدى الجنون الكروي والنقاشات التي تحدث يومًا بعد يوم بعد مشجعي قطبي إسبانيا بل تستطيع أن تصفهم بأنهم قطبي أوروبا والعالم أجمع…
فمع هذا الانقسام، كيف نجد جماهير ريال مدريد تودع إنيستا، لماذا نجد جماهير إسبانيا تصفق للرسام إنيستا لحظة خروجه من أرض الملعب.. ماذا فعلت كي تحظى بكل هذا العشق؟
نجد أنفسنا نتحدث أولًا عن أنه من قام بخلافة السحر في خط الوسط بعد رحيل الأسطورة زين الدين زيدان عن عالم كرة القدم.. لكن الأهم هي ثانيًا التي جعلتهم يعشقوه وهي البطولة الغالية لدى محبي منتخب إسبانيا والذين أحبوا المنتخب الإسباني لحبهم للريال والبارسا.
لكن هل الكرة الذهبية هي من تحدد استمتاعنا بأداء اللاعب؟
هل لعبة الإعلانات هي من تحدد النجم من اللاعب العادي؟
هل كرة القدم متعة؟
هل الجوائز هي أساس كرة القدم؟
جميعها أسئلة يتم الإجابة عليها بكلمة “لا”.. إنيستا ليس بحاجة لذلك!
“قد حان وقتُ الرحيل..”
قرر اللاعب إنيستا أن يعتزل عالم كرة القدم الأوروبية كعادة كبار اللاعبين أن يذهبوا لأمريكا أو الصين كي يمارسوا بعض الأعمال التجارية في نهاية مسيرتهم الكروية لكن قرار الرسام إنيستا تمت مقابلته بالحزن الشديد، حتى في مباراة الكأس بين إشبيلية وبرشلونة وفي لحظة خروجه أعطوه تحية رائعة -أقصد هنا جماهير الخصم قبل جماهير برشلونة نفسها- الجميع يعشقه، الجميع أحب السحر الذي نراه في وسط الملعب.
وأخيرًا.. شكرًا إنيستا على ما قدمتَه لنا من سحر وإبداع في أرض الملعب، شكرًا لأنك أحد أفضل لاعبي الوسط في التاريخ، شكرًا لك لأنني بدأت متابعتك عندما كنت في السادسة عشر من عمري والآن مضى بنا العمر وأنت أيضًا… كرة القدم ستفتقدك كأسطورة كانت حاضرةً بيننا لكنها ستبقى في الأذهان طالما كرة القدم موجودة…